إذا عرف السبب بطل العجب فى عالم حروب التيك أواى التى أشعلتها أمريكا فى العالم، ويديرها رجالها فى أمريكا وينفذها المرتزقة فى ربوع الأرض، وهذا ما يفسر أن المقاتلين ضمن الجيش الحر بسوريا انتقل بعضهم للحرب فى أوكرانيا، وأن من يطلقون على أنفسهم مجهادى أفغانستان شاركوا فى إسقاط نظام القذافى، ثم انتقلوا للمشاركة فى الحرب فى مالى. وبالطبع هذه الجولة الجهادية لهؤلاء المرتزقة بعيدة تماما عن أكاذيب المجاهدين لنصرة دين الله، ويثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الامر لا يخرج عن كونه وسيلة للحصول على المال وأنها مهنة يتعايش عليها مجموعة من الناس الدمويين الذى يكسبون قوتهم على جثث ضحاياهم من البشر. ومع الوقت أصبح المرتزقة يبيعون قوتهم ومهاراتهم الحربية لمن يدفع، ليصبحوا جيوشا كاملة تؤجّر نفسها وليس مجرد أفراد، حتى إن 30 ألفا من الجنود المرتزقة الألمان المعروفين ب(الهسيانز) شاركوا في الحرب الأهلية الأمريكية قبل ظهور الولاياتالمتحدة الحالية... والعالم الآن على أبواب نوع جديد من الحروب هي حروب القطاع الخاص، بعدما انتشرت شركات المرتزقة وأصبحت تطلق على نفسها أسماء أكثر لياقة وتنبذ كلمة «مرتزقة»، مثل تسمية نفسها «شركات حماية» أو «متعاقدون مدنيون». ومع خروج قوات الاستعمار الغربية من القارة الأفريقية وآسيا، بدأت هذه الدول تسعى عبر أجهزة مخابراتها في تشكيل شركات أمنية خاصة يشرف عليها عسكريون سابقون بهدف تأجيرها من الباطن للقيام بالأعمال القذرة والحروب الصغيرة في بعض البلدان التي ترغب الدول الاستعمارية في استمرار السيطرة عليها بوسائل أخرى غير تقليدية بعدما انتهت المرحلة الاستعمارية.. فحرفة الارتزاق والمشاركة في الأعمال العسكرية من أقدم الحرف التي احترفها الإنسان معتمداً على الصراعات بين الطوائف والجماعات، وإن اختلفت طقوسها، وتعددت أساليبها، والحروب الأخيرة تجلى فيها وجود المرتزقة العسكريين بقدر لا يستهان به لتصبح نقطة سوداء في تاريخ الإنسانية، ودعم هذا انتهاء النظام العنصري في جنوب إفريقيا ووجود كوادر ذات الخبرات العسكرية والمخابراتية إلى جانب انهيار الاتحاد السوفيتي وما تبعه من انتهاء الحرب الباردة، ولا ننسى أيضا أن فرنسا عجزت عن توفير العنصر البشري الكافي لقواعدها في إفريقيا، كل هذه العوامل دعمت ازدهار سوق قوات المرتزقة، لتصبح تجارة دموية مربحة، وغلفها مستخدموها بأكاذيب نصرت الاسلام ونشر الاستقرار والأمن.. ولجأت إليها النظم الديكتاتورية فى العالم لأنها تقوم بمهام التجسس، والاغتيالات، وعمليات التخريب ونشر الدمار، فهى جيوش بلا هوية ولا تخضع لقوانين، وعقيدتها المنفعة، وولاؤها لمن يدفع أكثر.. وأصبح هؤلاء المرتزقة تابعين لشركات فى جنوب أفريقيا وفى الولاياتالمتحدةالأمريكية، تحت مسمى «شركة الموارد المهنية العسكرية» وفي بريطانيا هناك شركة «النظم الدفاعية البريطانية المحدودة» تؤجر الجنود الذين سبق أن عملوا في سلاح «الخدمات الجوية الخاصة» البريطاني وتعتبر شركة جلوبال رسك إنترناشيونال ومركزها هامبتون ميدل سكى هى اللاعب البريطانى الكبير فى العراق، حيث قامت بتزويد جيوش الاحتلال باحتياجاتها من الأفراد من عناصر الجوركا التى تستأجرهم والعناصر شبه العسكرية من فيجى ومتطوعين سابقين فى فرقة القوات الخاصة لحراسة مقار مراكز قيادة الحاكم العسكرى الأمريكى السابق فى بغداد «بول بريمر»... والغريب أن مرتب الجندي المرتزق ما يقرب من 4 آلاف دولار شهرياً.. ومؤخرا ظهرت تقارير استخباراتية عن سوريا أكدت وجود ما بين 1000 و1200 تنظيم لإسقاط النظام السوري كانوا مشاركين في الحرب الأهلية رغم أن لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وعلى رأسهم جبهة النصرة والجيش الحرّ والعديد من الألوية منها: «ألوية الفاروق»، و«الفاروق الإسلامي»، و«لواء التوحيد»، و«لواء الفتح» إلى جانب «داعش» وهو تنظيم متشدد واسمه اختصار ل«الدولة الإسلامية في العراق والشام» وهو الأعنف فى انتهاك الحرمات والأعراض وفتح أبواب الجحيم في سوريا على مصراعيه يقتل المئات ويقطع الرقاب.. وللأسف فإن المرتزقة مستمرون طالما هناك تدفق للأموال، لأنه لا يدفعهم سوى الربح فطالما يكسبون المال فسيقومون بما هو مطلوب، ويبدو أن الإدارة الامريكية تنفذ مقولة أيزنهاور: «أنهى حرباً، وأبقانا خارج أي حرب أخرى». لذلك فإن أمريكا تدير حروبها وتستعمر البلاد من بعيد عن طريق مرتزقة الحروب.. ويؤكد كتاب «خصخصة الحرب»، للمؤلف الأمريكى جرام جوبا أن حرب الخليج الاولى كانت نسبة عمال القطاع الخاص من القوة العسكرية الامريكية لم يتجاوز 2% ارتفعت إلى 10% حيث يستخدم البنتاجون أكثر من 700 ألف متعهد خاص ينفق على الأقل 33 بليون دولار على الشركات العسكرية الخاصة من إجمالى 416 بليون دولار حجم الإنفاق العسكرى الأمريكى طبقا لما خصصه مجلس الشيوخ.. وتلك القوات المرتزقة تقلل من حجم الخسائر البشرية فى العسكريين النظاميين وفى اعقاب حرب الخليج منح البنتاجون شركة هاليبورن عقدا قيمته 9 ملايين دولار لإجراء دراسة حول إمكانية قيام شركات الخدمات العسكرية الخاصة بمعاونة القوات النظامية فى مناطق القتال وتلك الشركات أصبحت ثانى أكبر مساهم لقوات التحالف فى العراق بعد البنتاجون، وهى جزء لا يتجزأ من عمليات القتال والاحتلال.. والجميع يعلم أن نسبة 1% فقط من الشعب الأمريكى انخرطوا فى الحرب الدائرة منذ 12 عاما والباقى من المرتزقة.. وللأسف فإن الحروب فى العالم الآن لا تخرج عن كونها صفقات تجارية يستبدل فيها الجنود النظاميون بمرتزقة ذوى أجور عالية ومدافع مؤجرة.. وقلوب لا تعرف الرحمة.