أصبحت منطقة الشرق الأوسط سوق كبير لتجنيد المرتزقه من الأجانب والعرب لخدمة المشروع الأمريكى الإسرائيلى لتقسيم المنطقة ( العالم العربى والإسلامى ) إلى مناطق ودويلات صغيرة، لتصبح المنطقة مفككة ومجزئة، وجاءت تلك الفكرة بعد احتلال العراق واتساع العمليات العسكرية الأمريكية فى أفغانستان، وأنها بدأت على أيدى " ديك تشيني" نائب الرئيس الاميركي ووزير الدفاع السابق "دونالد رامسفيلد" ، وهى تدعو الى إناطة بعض من المهمات التي يقوم بها الجيش في حالة الحرب إلى شركات خاصة بصفة "مقاولات" بين البنتاجون وبين تلك الشركات، بحيث يتم تخفيف العبء عن القوات الأمريكية، ومفاداه أن الإدارة الأمريكية سمحت لشركات أجنبية عديدة للقيام بعمليات عسكرية وأعمال لوجستية وأمنية بهدف تحقيق مكاسب للولايات المتحدةالأمريكية .
إن تعاون هذه الشركات الأمنية – المرتزقة- مع القوات الأمريكية، لا يُعد أمراً غريباً، فقد تم هذا التعاون فى حرب فيتنام، لاسيما من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ضمن برنامج سري عرف باسم (العمليات السوداء)، وكان المرتزقة يرسلون لتنفيذ عمليات إغتيال وتخريب ضد المقاومة الفيتنامية .
فهناك أكثر من 60 شركة أمنية أجنبية تعمل في العراق، وتنظم جميعها في اتحاد واحد تحت اسم" اتحاد الشركات الأمنية في العراق"، ويقدرعدد المرتزقة في هذه الشركات 50 ألف تقريباً. وهم يشكلون القوة العسكرية المحتلة الثانية بعد الولاياتالمتحدة، كما أن البنتاجون لا يستطيع خوض حرب من دونهم، فهم يحلون محل الجنود المقاتلين في كل شيء من الدعم اللوجستي إلى التدريب الميداني والاستشارة العسكرية في الداخل والخارج.
وتمثل الشركات الأمريكية النصيب الأكبر فى هذا المنوال، حيث يبلغ عددها في الولاياتالمتحدة نحو 40 شركة وتسمى شركات مقاولات عسكرية، ومن ضمن تلك الشركات "سوفان" "هاليبرتون" "بلاك وتر يو اس ايه".
وكما ارتبطت بريطانيا ب 11 شركة كبري تعمل في مجال الحماية الأمنية الخاصة في العراق وأفغانستان، ووظف فيها أكثر من 21 ألف شخص معظمهم جنود سابقون تركوا الخدمة في القوات المسلحة البريطانية، ويبدو أن الشركات الأمن البريطانية حققت مكاسب خلال العام الأول من الاحتلال فى العراق 2003 تجاوزت 800 مليون جنيه إسترليني (5.1 مليار دولار)، وبلغ حجم التعاقد السنوي مع المرتزق المحترف في العراق ما بين 80 إلى 120 ألف جنيه إسترليني (190 ألف دولار). ويأتي علي رأس تلك الشركات " ريسك ستراتيجي جلوبال" البريطانية .
بالإضافة إلى الشركات الإسرائيلية، وشركات من جنوب أفريقيا، مثل "ايرينيس الدولية" "البرتوس فان شالكويك" المعروفة أيضا باسم "البحار"، حيث تقدر الأممالمتحدة عدد المرتزقة من جنوب أفريقيا في العراق ما بين خمسة إلى عشرة آلاف مرتزق، وتعد جنوب أفريقيا من أكبر الدول المصدرة للمرتزقة في الشركات العسكرية الخاصة بعد الولاياتالمتحدة وبريطانيا، وأغلب هؤلاء المجندون سائقون أو حراس لحماية طرق الإمداد، والموارد العسكرية.
ناهيك عن ذلك إذ أن هناك شركات عالمية تستخدم جنود مرتزقة مثل الميليشيا الصربية التى تدعى (النسور البيضاء) والتي كان لهم دور واضح في عمليات الإبادة الجماعية لمسلمين البوسنة والهرسك، بالإضافة إلى عناصرالمرتزقه من جيش لبنان السابق "جيش لحد "التى عملت مع الموساد وشركات إسرائيلية واستطاعت النفاذ الى العراق رسمياً بهيئة رجال إعمال، وأيضاً الكوماندوز التشيليين الذين عملوا في الأجهزة الأمنية القمعية التابعة لحكومة الدكتاتور التشيلي السابق (اوجستو بنوشيه) .
ولم ينته الأمر عند ذلك إذ أن إلمانيا التى تعارض حرب العراق وترفض حتي اليوم إرسال عسكريين إلي بلاد الرافدين، تقوم بإرسال مرتزقيها من الباب الخلفي إلي هذه الحرب، بل أنها اتفقت مع أعضاء حلف الناتو فى إرسال مرتزقة ألمان إلي أفغانستان والعراق وكثيرون من هؤلاء المرتزقة عمل فى جيش ألمانياالشرقية قبل الوحدة الألمانية فى أكتوبر1990 .
إن العاملين في هذه الشركات الخاصة يقترفون أعمالاً مخالفة للقوانين الدولية والقوانين العسكرية ولا يكونوا تحت طائلة القانون المدني الأمريكي ولاالقانون الدولى؛ لأنهم فى نظر الأممالمتحدة موظفين لنشر الأمن فى مناطق تموج بالإرهاب، وقد نجحت تلك الشركات فى الاحتماء بمظلة أخلاقية وسياسية واقتصادية عن طريق الأممالمتحدة من خلال الإدارة الأمريكية؛ من أجل تبرير أعمالها بل أنها حظيت بشرعية دولية؛ لأن تلك الشركات تقدم "جنود سلام لفرض الأمن والاستقرار"، وأنهم يؤدون "مهمة إلهية" في مناطق إرهابية . ومع تضخم حجم أعمال تلك الشركات في العراق وأفغانستان وانحصار مهامها هناك، بحثت عن بدائل أخرى فى دارفور وجنوب السودان والصومال ولبنان، وبالتالى وجدت سبل عديدة للتربح فى الشرق الأوسط ، خاصة أن المناخ الإقليمى فى المنطقة من صراعات ومعارك ساعد على توافر آليات ساهمت فى تعاظم المرتزقة وهى : تحالف عسكري اقتصادى بين الشركات الكبرى والولاياتالمتحدة خاصة في توريد الأسلحة، ويرتبط هذا التحالف وبشكل وثيق بالحاجة إلى الحرب؛ حيث لعب الاقتصاد دوراً واضحاً في التأثير على مجمل عمل الإدارة الأمريكية.
إن تلك الشركات اتجهت إلى تجنيد أطفال العرب والمسلمين، حيث أن الأمم المتحد أصدرت تقريراً يفيد بأن هناك أكثر من 1000 طفل تحت العشر سنوات يقبعون فى المعتقلات العراقية وكذلك فى افغانستان وفى بعض البلدان الأخرى وخاصة فى أفريقيا ، وأن تلك الشركات لجأت لتجنيد الأطفال لسهولة ترويضهم عقلياً ونفسياً، ليكونوا مرتزقة "عرب وإسلاميين" عند الكبر ويتحدثون بلسان عربي ، ويدينون بالإسلام في أوراق هوياتهم .
ناهيك عن ذلك بل أن بعض الشركات المخصخصة العسكرية متورطة في تهريب الرقيق من الفتيات للعمل فى بيوت الهوى فى مناطق الصراع من أجل ترفيه جنود الحكومات، وهذا ما يحدث فى أفغانستان والسودان والعراق، كما أنه أحيانا يتم بيع الفتيات من شركات الهوى إلى شركات السلاح مقابل الحصول على صفقة سلاح ، كما أن تلك الفتيات يبرمن عقودهن مع تلك الشركات الأمنية مدى الحياة ، وأن الشركات الأمريكية والبريطانية تحقق رواجاً كبيراًخاصة فى أفغانستان من بيع الفتيات.
مجمل القول أنه على المجتمع الدولى أن يتحرك وخاصة العالم العربى ضد تلك الشركات من خلال محوريين مهمين:- المحور السياسى : - أن تقوم الأنظمة والحكومات ومنظمات المجتمع المدنى العربى والإسلامى بضغوط سياسية من قبل الأممالمتحدة على الدول التى تستخدم الشركات العسكرية لانتهاك حقوق الأنسان. - رفع دعاوى قضائية فى محاكم حكومات هذه الشركات بشأن إنتهاكاتهم ضد المواطنيين الأبرياء ومطالبةحكوماتهم بتعويضات مالية . - الإسراع بالمطالبة الدولية من الدول التى تقوم بتجارة الرقيق والمرتزقة بإدراج رؤساء تلك الشركات فى قائمة مجرمى حرب والمطلوبين دولياً . المحور الإعلامى : - توجيه حملات إعلامية مكثفة من قبل الحكومات العربية والإسلامية لإبراز خطورة تلك الشركات فى زعزعة أمن منطقة الشرق الأوسط. - تسليط الضوء على إنتهاكات هذه الشركات ضد الأنسانية من خلال مشاهد وصور واقعية لتعريف الرأى العام بوحشيتها.