رغم مرور مايفوق القرن من الزمان على رحيله في مثل هذا اليوم 14 يونيو من عام 1902 إلا أن عبد الرحمن الكواكبي سيظل واحداً من المفكرين العرب الذي قلما ينجب الزمان مثلهم، فهو من الذين كشفوا عن أسباب التوقف الذي حط على العالم الإسلامي، مقارنة بالتقدم الذي وصل إليها الأوروبيون، وكان رائدا في العلم والتعليم والإعلام. نشأته ولد عبد الرحمن الكواكبي عام 1854 في ولاية حلب، ووالده أحمد بهائي بن محمد بن مسعود الكواكبي. وكان والد عبد الرحمن علمه غزير جعل منه حجة في علم الميراث، وأميناً لفتوى الولاية مدة من الزمن، وعضواً بمجلس إدارة الولاية وقاضياً لها، وخطيباً وإماماً في مسجد جده، ومديراً ومدرساً بالمدرسة الكواكبية، والمدرسة الشرقية والجامع الأموي بحلب. بينما والدة عبد الرحمن هي عفيفة بنت مسعود آل النقيب، ابنة مفتي أنطاكية، وتوفيت عند بلوغ الكواكبي السادسة من عمره، فتربى عند خالته ثلاثة أعوام بمدينة أنطاكية، استفاد منها الكواكبي الكثير، فعلمته اللغة التركية، ليتتلمذ بعدها على يد عم أمه نجيب النقيب الذي شغل منصب الأستاذ الخاص للأمير المصري الخديوي عباس حلمي الثاني. درس عبد الرحمن في المدرسة الكواكبية في حلب، حيث كان أبوه مديراً ومدرساً فيها، تعلم العلوم العربية والشرعية إلى جانب المنطق والرياضة والطبيعة والسياسة. أحب الكواكبي قراءة الكتب المترجمة في شتى المجالات عن اللغة الأوروبية، وعقب تخرجه من المدرسة ونيله الإجازات والشهادات، اشتغل بالتدريس مدة وكان عمره 20 عاما. الكواكبي وعالم الصحافة دخل الكواكبي إلى عالم الصحافة التي كانت وسيلة ومنبراً رفيعاً من منابر الإصلاح حينها، وكتب في صحيفة الفرات باللغة العربية والتركية، وأنشأ صحيفة "الشهباء" مع هاشم العطار، وأخذت مقالاته العميقة توقظ ضمائر مواطنيه، وتفضح الاستبداد آنذاك، لكن الوالي العثماني كامل باشا لم يهتم بها حينها. وأنشا الكواكبي بعدها جريدة الاعتدال، وواصل فيها تقديم آرائه وأفكاره، و أغلقتها الحكومة لجرأة صاحبها في انتقاد سياستها. أهم ما تقلده من مناصب عُين الكواكبي في سنة 1879 عضواً فخرياً في لجنة المعارف، ولجنة المالية في ولاية حلب، كما عُين عضواً في لجنة الأشغال العامة. وبدأت أعماله ومسئولياته تمتد إلى العديد من اللجان والمناصب في مجموعة كبيرة من القطاعات، منها تعيينه عضواً في لجنة المقاولات، ورئاسة قلم المحضرين في الولاية، وعضوية اللجنة المختصة بامتحان المحامين، ثم أصبح مديراً فخرياً للمطبعة الرسمية بحلب، ثم الرئيس الفخري للجنة الأشغال العامة ثم دخل إلى ساحة القضاء عضواً بمحكمة التجارة بالولاية بأمر من "وزارة العدلية" العثمانية. وعًين رئيساً للغرفة التجارية ورئيساً للمصرف الزراعي، ثم عُين رئيساً لكتاب المحكمة الشرعية بالولاية، وفي سنة 1896 أصبح رئيساً لكل من غرفة التجارة ولجنة البيع في الأراضي الأميرية. الكواكبي يرحل إلى القاهرة رحل إلى مصر واستقر هناك وكتب في كثير من الصحف المصرية والعربية ليتجول بعدها في سواحل أفريقيا الشرقية وآسيا وبعض بلاد العرب والهند حتى سواحل الصين، وكان في كل بلد ينزلها يدرس حالتها الاجتماعية والاقتصادية في مختلف المجالات. الكواكبي رائد التعليم أكد المؤرخون أن الكواكبي كان رائداً من رواد التعليم، فدعا إلى إصلاح أصول تعليم اللغة العربية والعلوم الدينية وتسهيل تحصيلها والجد وراء توحيد أصول التعليم وكتب التدريس، وقدم الكثير من الأسس لاعتمادها في مجال التربية والتعليم، ودعا إلى فتح باب محو الأمية، وبين دور المدارس في إصلاح المجتمع. كما ركز على أهمية تعليم المرأة كي تجيد رسالتها في الحياة. ويعتبر الكواكبي أيضا أحد أعلام الحركة الإصلاحية، فوجه جهوده إلى العمل الأخلاقي، وكافح العادات السيئة والتقاليد البالية، ونقد المعتقدات الفاسدة، وبذل السعي المتواصل لنشر الفضائل والتمسك بها للنهوض بأخلاق المجتمع، فقام بتشكيل الجمعيات والنوادي في القرى والمدن لتقوم بدور التوعية والتثقيف للجمهور. أهم أقواله التي وردت في أعماله قال في كتابه أم القرى: "إن مسألة التقهقر بنت ألف عام أو أكثر، وما حفظ عز هذا الدين المبين كل هذه القرون المتوالية إلا متانة الأساس، مع انحطاط الأمم السائرة عن المسلمين في كل الشؤون، إلى أن فاقتنا بعض الأمم في العلوم والفنون المنوَّرة للمدارك، حزبت قوتها فنشرت نفوذها على أكثر البلاد والعباد من مسلمين وغيرهم، ولم يزل المسلمون في سباتهم إلى أن استولى الشلل على كل أطراف جسم المملكة الإسلامية". نشر الكواكبي آراءه وأفكاره في أهم كتابيه، أم القرى: وهو كتاب يدور موضوعه حول مؤتمر تخيله الكواكبي ليعرض فيه آراءه الإصلاحية في قالب جذاب يستهوي النفوس، وأغلب مواضيعه في نقد الشعوب الإسلامية. أما كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، مواضيعه كانت في نقد الحكومات الإسلامية وقال فيه:"الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان؛ التي تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء؛ بلا خشية حساب ولا عقاب". وقال: "ويقولون إن المستبدين من السياسيين يبنون استبدادهم على أساس من هذا القبيل أيضاً؛ لأنهم يسترهبون الناس بالتعالي الشخصي والتشامخ الحسي، ويذللونهم بالقهر والقوة وسلب الأموال حتى يجعلونهم خاضعين لهم عاملين لأجلهم، كأنما خلقوا من جملة الأنعام نصيبهم من الحياة ما يقتضيه حفظ النوع فقط". ويضيف في كتاباته" أنفع ما بلغه الترقي في البشر هو إحكامهم أصول الحكومات المنتظمة، وبناؤهم سداً متيناً في وجه الاستبداد وذلك بجعلهم لا قوة فوق الشرع، ولا نفوذاً لغير الشرع، والشرع هو حبل الله المتين، وبجعلهم قوة التشريع في يد الأمة، والأمة لا تجتمع على ضلال، وبجعلهم المحاكم تحاكم السلطان والصعلوك على السواء". وفاة عبد الرحمن الكواكبي انتشرت أفكار الكواكبي وبدأ عطاؤه وتأثيره يتزايد، وهو ما وجد فيه الأتراك خطرا على سلطتهم، بعد أن نبه عبد الرحمن الناس إلى فساد أحوالهم، فاتجه الاترك إلى استئجار أحد عملائهم الذي توجه إلى القاهرة ليتخلص من صاحب الرأي الحر "عبد الرحمن الكواكبي" بوضع السم له في طعامه، ومات حينها عام 14 يونيو 1902، ليدفن في أرض مصر بسفح المقطم.