امتلك المناضل عبد الرحمن الكواكبي وعيا سابقا لعصره فسعي إلي الحرية بأفضل معانيها ودفع حياته وحريته في سبيلها, فكما ظلت كتاباته تنبض بالحياة وتحارب الظلم والاستبداد إلي وقتنا هذا, أيضا لم تتوقف أيدي الظلمة عن ظلمة حتي بعد وفاته حيث سرقت مخطوطاته ونهبت مقبرته وأخيرا حذفت سيرته من المقررات الدراسية وكأن الشيخ يدفع فاتورة نضاله مرة في حياته وأخري بعد وفاته. لذلك نحاول من خلال الحوار مع ضحي عبد الرحمن الكواكبي الحفيدة التي ورثت عن جدها حب مصر والمصريين التعرف عن قرب عن مشوار الثائر العربي الذي قتل غدرا وما وصلت إليه حال مقبرته ألآن ؟ ما الذي تعرفينه عن نشأة الكواكبي؟ ولد جدي الشيخ عبد الرحمن الكواكبي في عام1855 لأسرة عربية قديمة في حلب تمتد جذورها لعلي ابن أبي طالب من جهة الأب والي الإمام الحسين الشهيد من جهة الأم التي توفيت وهو في الخامسة من عمرة فتكفلت برعايته خالته صفية واصطحبته إلي أنطاكية وهناك تعلم القراءة والكتابة واللغة التركية وحفظ القرآن الكريم ثم عاد إلي حلب وأكمل تعليمة في مدرسة الكواكبية التي تتبع تعليم مناهج الأزهر, وكان والده مديرا لها, وهناك درس الأدب والفارسية كما درس بعض العلوم السياسية والتاريخ والفلسفة وبعد أن أكمل دراسته بدأ حياته العملية بالعمل في صحيفة فرات الرسمية التابعة للحكومة العثمانية وكانت تصدر باللغتين العربية والتركية لكن بعد فترة قصيرة رأي أن العمل في صحيفة حكومية لايحقق طموحاته في إعلان الحقيقة علي الجماهير ومن هنا بدأ دخول معترك النضال السياسي فأصدر صحيفة الشهباء الخاصة بالاشتراك الصوري مع هاشم العطار وكانت أول صحيفة عربية تصدر في حلب. كيف نالت يد الغدر من الشيخ الكواكبي ؟ لقد سعت أطراف عديدة للتخلص من الشيخ الكواكبي غير الولاة ومنهم أبوالهدي العبادي من حلب الذي كان هدفه سرقة لقب نقيب الاشراف من بيت الكواكبي, فقد كان الكواكبي آخر نقيب للاشراف في حلب لذلك ظل يكيد له المكائد حتي يتخلص منة هذا بالإضافة إلي كره الولاة في حلب لما كان الكوكبي يفعله من نصرة للمظلمين وقد استغلت الحكومة محاولة اغتيال والي حلب وألقت القبض عليه بتهمة التحريض علي قتلة لكنه بريء من هذه التهمة وعزل والي, حلب ثم توالت علية الاتهامات الغريبة فقد اتهمته الحكومة بالاتصال بدولة أجنبية وبإقامة منظمة سرية تسعي لقلب نظام الحكم وحكم علية بالإعدام أمام محكمة حلب التي كانت وقتها متآمرة مع الوالي لذلك قامت مظاهرة حاشدة تطلب بالإفراج عنه ففطنت السلطة إلي إعادة محاكمته لذلك طلب الكواكبي محاكمته في بيروت حيث قدم دفاعا شخصيا عن نفسه وحصل علي البراءة وتبين تزوير الوالي الذي عزل بعد ذلك بسببه وعندما فشلت كل المحاولات بادانته في قضايا ملفقة قام شخص مجهول بمهاجمته ليلا وضربه بالخنجر طعنتين لم تقتلاه. ما هي الأسباب الحقيقية التي دفعت الكواكبي لترك سوريا والإقامة في مصر؟ لم يفكر الكواكبي أن يترك ساحة المعركة ويأتي إلي مصر هربا من بطش الولاة في سوريا فبعد خروجه من السجن وحصوله علي البراءة تعرض لكل أشكال التعسف والظلم حيث صودرت كل ممتلكاته وفرضت عليه غرامات كبيرة لذلك نصحه الشيخ جمال الدين الأفغاني بأن يأتي إلي مصر لما فيها من حرية في التعبير والصحافة لذلك قرر في عام1899 الرحيل إلي مصر حيث التقي بالمفكرين والأدباء وشارك في الحركة الفكرية وقد ذاع صيته بعد أن نشر مقالات طبائع الاستبداد في صحيفة المؤيد من كان وراء مقتل الشيخ الكواكبي؟ استطاعت يد الغدر أن تنال منه بطريقة خسيسة حيث دس له السم في القهوة عندما كان ساهرا في مقهي يلدز أو استانبول مع عدد من أصدقائه من الكتاب والأدباء منهم الزعيم الثعالبي والشيخ رشيد رضا ومحمد كرد علي فقد اعتاد الجلوس علي هذا المقهي وتناول القهوة المرة لكن كانت هذه المرة قهوة مختلفة فقد دس لة فيها السم وقبل صلاة الفجر لفظ انفاسة الأخيرة وقد ذاع الخبر بسرعة حيث أمر السلطان عبد الحميد من السلطات المحلية سرعة التوجه إلي المنزل ومصادرة كل ما وجد من مذكرات ومسودات لكتب وقد فعل الشيء نفسه في منزله في سوريا فلم يستطع جدي كاظم أن يمنع المصادرة ويقف في وجه رجال السلطة لكنه تمكن من تهريب نسخة طبائع الاستبداد المعدلة بخط يده. هل فكرت العائلة في نقل رفات الكواكبي إلي سوريا بعد الوفاة ؟ طلب والدي الذي كان يشغل منصب وزير الأوقاف في سوريا قبل وفاته من بعض الجهات نقل الرفات إلي سوريا لكن المصريين رفضوا الطلب لان الكواكبي في نظرهم رائد من رواد القومية العربية لذلك عدل عن الفكرة. ما هي الإجراءت التي لجأت إليها لرفع الاعتداء الذي تعرضت له مقبرة الكواكبي في الفترة الأخيرة ؟ بحزن شديد تحدثت ضحي عن حال مقبرة الكواكبي قائلة عندما قتل جدي أمر الخديو عباس بدفنه علي نفقته في مقبرة علي سفح جبل المقطم, وبعد أربعين عاما نقلت رفاته في احتفال ديني إلي مقبرة المشاهير في شارع العفيفي في منطقة باب الوزير, وقد كتب أسمه وتاريخ وفاته وتاريخ نقله علي لوحة من المرمر كتب عليها بيتان لحافظ إبراهيم هنا رجل الدنيا هنا مهبط التقي هنا خير مظلوم هنا خير كاتب قفوا واقرأوا أم القري وسلموا عليه فهذا القبر قبر الكواكبي أحزنني كثيرا وضع المقبرة لذلك لجأت لعدة شخصيات لرفع العدوان الذي وقع علي قبر جدي حيث قام بعض البلطجية بتحويل المقبرة إلي مقهي بلدي بعد أن سرقوا السور الحديدي. لذلك التقيت بوزير الثقافة الأسبق عماد أبو غازي وسمير غريب ووعدا بمساعدتي كما التقيت الدكتور صابر عرب وزير الثقافة ووصفت لة حال المقبرة وعلي الفور طلب من محافظ القاهرة إزالة المقاهي الموجودة أمام القبر من صاحب فكرة إقامة مركز ثقافي باسم الكواكبي ؟ عندما علم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أمين عام اتحاد الأطباء العرب بالحالة التي وصلت لها المقبرة طلب مقابلتي وعرض إقامة ناد ثقافي باسم الشيخ الكواكبي عن طريق الاتحاد ليكون منارة ثقافية ورمزا للقومية العربية رحبت بالفكرة وسوف أقوم بوضع كل متعلقات التي تقتنيها العائلة في هذا النادي الثقافي, ومنها محبرة وقلم وبعض المخطوطات التي كتبت بخط يده وذلك ليكون مزارا ثقافيا وسياحيا, لكن بعد أخذ التصاريح اللازمة لإقامة هذا الصرح الثقافي, ومنذ أيام التقيت المهندسين الذين كلفوا بوضع التصميم النهائي للنادي وقد أتفق علي أن يكون مكانة أمام المقبرة.