إعتاد احد الكُتاب ان يطل عليناصباح كل ثلاثاء من الصفحة الأخيرة فى احدى الصحف اليومية ، وكثيراً ما كنت أتجاهل قرأته... حتى لايرتفع ضغط دمى ، وفى المرات القليلة التى كنت اطالع فيها مقالة كنت امنع نفسى بالكاد من الرد عليه وتفنيد ارائه الغير معقولة والغير مقبولة ، وكشف زيف الوقائع التى يستند اليها ، وأن مايكتبه لايعدو ان يكون اقوالاً مرسلة ... لاسند لها ولادليل ... غير انه يتخذها تكئه لبث سمومه وافكاره السوداء .
الا ان السيل بلغ الزبى يوم الثلاثاء الماضى صباح اليوم المحدد لإعلان اسم المرشح الفائز فى إنتخابات رئاسة الجمهورية حيث كتب مقالاَ ضمنه حواراً بينه وبين إحدى الإيطاليات المقيمات بمصر وكان ذلك خلال حرب 1967 حيث كان طفلاً وقتهاوتحدث معها باللغة الفرنسيه ( كما اوضح هو ) وكان موضوع الحوار التعليق على مجموعة البيانات التى اصدرتها الحكومه انذاك عن سير المعارك الحربيه ، وعدد الطائرات التى تم اسقاطها ، وان تلك السيدة قررت له انها : ( حضرت الحرب العالميه الثانيه ويستحيل ان تسقطوا هذا العدد من الطائرات وان تلك البيانات كاذبه ). وقد اثار كلامها غضبه برغم حبه لها ، واضاف انه تصادف وجود عم له ، وانه حكى له ما دار بينه وبين تلك السيده .. فقال له : الاجانب لايريدون لنا الخير ، وانهم يؤيدون إسرائيل ، وهم غاضبون من النصر الكاسح الذى حققناه ، ثم استرسل قائلاً انه لم يسترح الى هذا المنطق لعلمه ان تلك السيده تحب مصر والمصريين ، واضاف انه علم فيما بعد انها كانت على حق عندما تبين له أننا هُزمنا هزيمة منكره غير مسبوقة فى تاريخ مصر . ثم افاض فى الحديث عن إستبداد الزعيم جمال عبد الناصر ،ومؤكداً ان الهزيمه كانت نتيجة لهذا الإستبداد لإن أى حكم إستبدادى لابد أن ينتهى بكارثه كما حدث فى عام 67 ، مشيراً إلى اننا نعيش نفس الأجواء حالياً عقب 30 يونيو 2013 ، ولم ينسى بطبيعة الحال ان يشيرالى انه سبق ان كتب فى نفس الجريده داعيا المصريين الى النزول فى 30/6 ، وانه إعتبر تدخل الجيش للإطاحة بعصابة الإخوان عملاً وطنياً عظيماً ، وان المشير السيسى قام بعمل بطولى عندما انحاز لإرادة الشعب ، الا انه اى الكاتب لايوافق على الطريقه التى أُديرت بها البلاد عقب 30 يونيو... قائلاً ان الدولة العميقة قد عادت وتم القبض على عشرات الألوف ، وعاد التعذيب كما كان أيام مبارك ، وصدر قانون للتظاهر غير دستورى لا مثيل له فى العالم على حد قوله ويعاقب المحتجين فى الوقفات الاحتجاجية بالحبس سنوات عديدة ، وعمل قانون انتخابات مخالف للدستور مما يجعل الإنتخابات الرئاسية غير مطابقة للمعايير الديمقراطية ، حتى وان كانت غير مزورة . ثم استرسل فى مقاله على النحو الموضح به... يبث أفكاره السوداء ، وأرائه الشاذة التى لا تستقيم مع المنطق الذى يستند إليه ويحتج به فى مقاله ، ومؤكداً أن من حق أى مواطن ان يقاطع الانتخابات بغير ان نتهمه بالخيانة والعمالة ، ومن حق اى مصرى ان ينتقد تصرفات السيسى بغير ان نطعن فى وطنيته ، مشيراً الى أن انصار السيسى يحاولون ان يصنعوا منه فرعونا جديداً ، ثم تطرق للحديث عن عدد من الوقائع للتدليل على صحة ما يقول...منها منع بلال فضل من كتابة مقالاته ، وايقاف بث برنامج باسم يوسف . واشار الى ان الدول الديمقراطيه تحترم اراء المعارضين وتستمع اليهم ، وان واجب المثقف الحقيقى أن يقول مايعتقده حتى لو ازعج رأيه الجمهور ، واستشهد على صحة مايقوله بموقف الكاتب العالمى برنارد شو فى واقعة محاكمة فلاحى دنشواى عام 1906 وإعدام اربعه منهم ، حيث وجه نقداً عنيفاً للحكومه البريطانيه ولم يتهمه احد بالخيانه او بانه يعادى جيش بلاده . كما اشار ايضاً الى وقوف الكاتب الفرنسى جان بول سارتر ضد الرأى العام فى فرنسا ، وطالب باعطاء الجزائريين حق تقرير مصيرهم ولم يتهمه احد بانه يتأمر ضد بلاده . واذا امعنا الفكر في المثالين الأخيرين سوف ندرك بسهوله ان الكاتبين الكبيرين قد انتصرا لقيم العدل والحق ، اما ماذهب اليه كاتبُنافى مقاله فإنه ابعد مايكون عن تلك القيم النبيله . وإذا حاولنا ان نحدد المعانى والأفكار التى حاول هذا الكاتب ان يبثها ويرسخها فى أذهاننا .. سنجد انه اشار الى انه منذ نعومة اظافره كان حكيما عبقرياً يحتكم الى المنطق فى تقدير الأمور وتقيمها ، وان فترة حكم عبد الناصر كانت حكماً إستبداديا ... انتهى بكارثه67 على حد قوله واشار مؤكداً اننا نعيش نفس الأجواء عقب 30/6 ، حيث عادت الدوله القمعيه ، والتعذيب ، وصدر قانون للتظاهر غير دستورى ، وقانون انتخابات غير دستورى ايضاً ، وان من حق أى مواطن ان يقاطع الإنتخابات ... وتناسى تماماً ان المشاركه فى الإنتخابات وان كانت حقاً للمواطن ، الا انها اولاً واجب يتعين عليه القيام به ( وفقاً لنص الماده 87 من الدستور) ، كما تناسى ايضاً ان يوضح لنا اوجه عدم دستوريه قانون التظاهر وتجاهل تماماً ان الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ينص فى المادة 29 فى فقرتها الثانيه على مايلى : ( يخضع الفرد فى ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التى يقررها القانون لضمان الإعتراف بحقوق الغير وحرياته وإحترامها ولتحقيق المقتضيات العادله للنظام العام والمصلحه العامه والأخلاق فى مجتمع ديمقراطى ). كما تنص الماده 21 من وثيقة العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنيه والسياسيه على ان الحق فى التجمع السلمى معترفا به . ولايجوز أن يوضع من القيودعلى ممارسة هذا الحق إلا تلك التى تُفرض طبقاً للقانون وتُشكل تدابير ضروريه ، فى مجتمع ديمقراطى ، لصيانة الأمن القومى او السلامه العامه او النظام العام او حماية الصحة العامة او الأداب العامه او حماية حقوق الأخرين وحرياتهم . ومن ثم يكون قانون تنظيم التظاهر قانوناً دستورياً ويتوافق تماماً مع حقوق الإنسان ، وذلك على خلاف ما حاول الكاتب ان يوهمنا به ، واعتقد ان فى هذا العرض ما يكفى للتدليل على ما اشرنا اليه فى بداية المقال من ان مايقوله هذا الكاتب لا يعدو ان يكون اقوالاً مرسله لااساس لها من الصحه . وبالنسبة لما اشار اليه فى مقاله من انه تم القبض على عشرات الآلوف ، وان التعذيب قد عاد كما كان ايام مبارك ، فاننا نرجو منه ان يكشف عن عشرة اسماء فقط ممن قُبض عليهم عشرة فقط وليس عشرات الآلوف بدون وجه حق او مسوغ قانونى ، كما نرجو منه ايضاً ان يحددلنا واقعة واحدة يثبت بها صحة ما يحاول ترويجه فى شأن التعذيب . اما بالنسبة لما ورد فى باقى المقال فإنها لاتعدو ان تكون اراجيف لاتستحق عناء الردعليها حرصا على وقت القارئ . حيث انها تتفق تماماً مع ما يدور فى العالم الإفتراضى الذى يُصر كاتبُنا على ان يعيش فيه . كما انه وقع فى بعض الأخطاء التى لايجوز ان يقع فيها ومنها على سبيل المثال لا الحصر كتابة اسم الفيلسوف الفرنسى انه ( جون بول سارتر ) بدلا من جان بول سارتر ، ولا يصح ان يحتج كاتبُنا بانها خطأ مطبعى ، او التحجج بانه لايجيد اللغه الفرنسيه والتى اكد لنا انه كان يتحدث بها مع جارته الإيطاليه منذ طفولته !!!!!