نشر الكاتب الإسرائيلى "أرون جروس" مقالا بالإذاعة الإسرائيلية يستعرض فيه الأحداث التى سبقت حرب 1967، بالعبرية "حرب الأيام الست". وقال جروس: فى مثل هذا التاريخ من كل عام تكثر فى وسائل الإعلام التعليقات والتحليلات حول ما يوصف بقيام إسرائيل يوم الخامس من يونيو عام 1967 بهجوم مباغت على الدول المجاورة بهدف الاستيلاء على أراضيها دون أى استفزاز من جانب هذه الدول. أما الأسابيع الثلاثة التى مرت منذ اندلاع الأزمة يوم الخامس عشر من مايو وحتى نشوب الحرب فعلاً, والتى كان من الممكن خلالها تفادى التدهور إلى الحرب, فلا يتطرق إليها أحد وقد قام بسرد تطورات الأسابيع الثلاثة التى سبقت حرب الاستنزاف عام 1967 من وجهة نظره. الأسبوع الأول: الاثنين 15 – الأحد 21 من مايو 1967 يوم الاثنين 15 مايو احتفلت إسرائيل بعيد استقلالها. وفى يوم العيد أُعلن فى النشرات الإخبارية عن بدء عبور قوات مصرية إلى سيناء. يوم الثلاثاء 16 مايو تكرار هذه الأنباء وورود أنباء أخرى عن تعبئة خمسة آلاف جندى إسرائيلى ونقل قوات إسرائيلية مدرعة إلى جنوبى البلاد. وما زلنا غير مكترثين. أيام الأربعاء والخميس والجمعة والسبت والأحد 17 – 21 من مايو ورود أنباء عن انتشار 7 فرق مصرية فى سيناء, ومنها فرقتان مدرعتان, بمجموع 130,000 جندي, وكذلك استدعاء 40,000 جندى احتياط إسرائيلي. لكن الجو العام فى إسرائيل ما زال هادئا إذ لم يؤمن الناس آنذاك أن الحرب آتية. ثُم بدأت وسائل الإعلام تشير إلى نقاش دار فى تلك الأيام ما بين مصر ومنظمة الأممالمتحدة حول مصير القوة الدولية, وقوامها 4,000 جندي, التى كانت مرابطة على الحدود بين مصر وإسرائيل منذ حرب سيناء عام 1956. طالبت مصر بإخلاء هذه القوة بينما حاول السكرتير العام للمنظمة الدولية إقناع الحكومة المصرية على إبقاء هذه القوة فى مواقعها. وكنا متأكدين أننا نشاهد نوعا من المناورة السياسية بين الجانبين. فى تلك الفترة أوعز إلينا معلم اللغة العربية فى الصف بكتابة فقرة عن الوضع فبدأتُ بالجملة التالية: "معلومٌ أن حشد القوات المصرية فى سيناء لم يأت إلا لأغراض دعائية فقط". الأسبوع الثاني: الاثنين 22 – الأحد 28 من مايو 1967 يوم الاثنين 22 مايو ورود خبر عن تلبية قوات الطوارئ الدولية أخيرا مطالبة المصريين بإخلاء مواقعها والتمركز فى قواعدها تاركة مناطق الحدود للقوات المصرية وحدها. كان ذلك الخبر بمثابة مفاجأة كبرى وجعلنا نشكك لأول مرة بنوايا الحكومة المصرية: فهل حقا جاء ذلك الحشد الكبير لأغراض دعائية لا غير؟ فبدأنا نتابع النشرات الإخبارية باهتمام زائد. يوم الثلاثاء 23 مايو ازدياد التوتر بعد إعلان مصر عن إغلاقها لمضيق تيران فى البحر الأحمر والموصل إلى ميناء إيلات الإسرائيلى بوجه السفن الإسرائيلية, الأمر الذى اعتبرته إسرائيل دائما مدعاة للحرب. فتبع ذلك الإعلان صدور الأمر فى إسرائيل بالتعبئة العامة. لأول مرة نعى احتمال نشوب الحرب ولكن ما زال هناك أمل أن تتم تسوية الأمور سلميا إذا اتخذت القوى العظمى موقفا موحدا لتهدئة الأوضاع. أيام الأربعاء والخميس والجمعة والسبت 24 –27 من مايو خلو الشوارع من الرجال وتعبئة تلاميذ المدارس للقيام ببعض أعمالهم فى البريد وغيره من مكاتب وحوانيت. غياب الباصات واعتماد الناس على كرم ذوى وسائل النقل الخاصة من سيارات ودراجات نارية. بدء عمليات إعداد الملاجئ وكذلك حفر الخنادق فى الحدائق العامة للاحتماء بها من قصف الطائرات وملء أكياس الرمل ووضع الأشرطة اللاصقة على زجاجات النوافذ. اشتركتُ أنا وزملائى فى هذه النشاطات ولم أشعر بالخوف من حولى ولكن الجو كان متوترا جدا. يوم الأحد 28 مايو ألقى رئيس الوزراء ليفى أشكول خطابا للأمة من على أمواج الأثير ظهر فيه بعض التلعثم مما جعل الوضع النفسى للسكان ينقلب إلى خوف حقيقى من أن قيادة البلاد غير قادرة على مواجهة الموقف. وفى الليلة نفسها حل عيد الشعلة الذى يقوم فيه الأطفال فى جميع أنحاء البلاد بإيقاد الشعل إحياء لذكرى ثورة اليهود ضد الرومان فى هذه البلاد قبل حوالى ألفى عام. وفى ساعات الليل خرجتُ لإطفاء ما بقى من الشعل فى منطقة سكناى تفاديا لاستخدامها من قبل الطائرات المعادية إشارة لإلقاء قنابلها فى هجوم جوى مفاجئ قد يحدث. الأسبوع الثالث: الاثنين 29 مايو – الأحد 4 يونيو 1967 يوم الاثنين 29 مايو بدء الضغط على رئيس الوزراء لتشكيل حكومة وحدة وطنية. أما أنا فلم أؤيد هذه الدعوة فحضرتُ أحد الاجتماعات الموالية لرئيس الوزراء فى نادى "تسافتا" اليسارى فى تل أبيب وذلك لاعتقادى آنذاك أنه لا داعى لضم عناصر يمينية إلى الائتلاف الحكومي. يوم الثلاثاء 30 مايو توقيع الملك حسين ملك الأردن فى القاهرة على معاهدة للدفاع المشترك مع مصر ووضع الجيش الأردنى المرابط فى الضفة الغربية تحت قيادة جنرال مصرى مما أوصل مخاطر الحرب إلى قلب البلاد وقلّب الأوضاع مرة أخرى. وانتشرت الشائعات فى الشارع حول تفوهات إذاعة القاهرة باللغة العبرية بمعنى "لن نرحم النساء والأطفال". أما أنا فالتحقتُ وزملائى بوحدات الدفاع المدنى فأنيطت بنا مهمة الإشراف على نظام التعتيم فى منطقة السفارات الأجنبية على طول شارع هايركون فى تل أبيب فى حالة نشوب الحرب. يوم الأربعاء 31 مايو ازدياد الضغط على رئيس الوزراء. وهذه المرة انضممتُ إلى المطالبين بإقامة حكومة وحدة وطنية وذلك بعد كونى من المعارضين لممارسة الضغوط على رئيس الوزراء بهذا الشأن. يوم الخميس 1 يونيو تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة "ليفى أشكول" وتعيين "موشيه ديان" وزيرا للدفاع. الشعور ببعض الارتياح ولكننا ما زلنا نعى خطورة الموقف. يوما الجمعة والسبت 2-3 يونيو وصول قوات عراقية إلى الضفة الشرقية من الأردن. مساء يوم الجمعة زرت عمتى وزوجها فى بيتهما حيث اجتمع بعض الجيران والأصدقاء من كبار السن ممن لم تشملهم حالة التعبئة العامة. تحدث أحدهم عن شائعات عن أن السلطات تتوقع مقتل ثلاثين ألفا من الإسرائيليين من جراء الغارات الجوية لأسلحة الطيران العربية وعن حفر المقابر الجماعية فى أنحاء البلاد. ونقل آخر إشاعة عن هروب العشرات وربما المئات من العائلات الإسرائيلية من المدن إلى القرى الزراعية. وخلال هذا الأسبوع أيقنّا أننا لن نلقى المساعدة من دول العالم. فالولايات المتحدة تراجعت عن اقتراحها السابق فتح مضيق تيران بوسائل عسكرية دوليا بينما اتخذ الاتحاد السوفياتى موقفا مؤيدا للدول العربية المعادية لإسرائيل. أما فرنسا, وهى حليفة إسرائيل التقليدية, فخذلتها فى هذه اللحظات رغم المظاهرة الكبرى المؤيدة لإسرائيل التى شهدتها مدينة باريس ذلك الأسبوع. وظهر رسم كاريكاتورى على صفحات إحدى الجرائد الأوروبية شوهدت فيه إسرائيل كأنها شابة فى مقتبل العمر يعتدى عليها عدد من اللصوص بالسكاكين فى أحد الأزقة ليلا بينما يقف شبان آخرون جانبا وعليهم إشارات بعض الإعلام الأوروبية وهم يقولون: "يا للحسرة, أنها كانت فتاة رائعة حقا", مما أشار بوضوح إلى اعتقاد الرسام أن إسرائيل تقترب من نهايتها دون أن يكترث العالم كثيرا لذلك. كل هذه التطورات أوضحت لنا جميعا أننا نقف أمام لحظة اختبار مصيرية يجب أن نستعد لها بكل ما أوتينا من قوة وإرادة. خرجتُ من بيت عمتى تلك الليلة حاملا هذه الأفكار. يوم الأحد 4 يونيو توقيع معاهدة للدفاع المشترك بين مصر والعراق مما أثار التساؤلات لدى الجمهور لماذا لا تُقدم إسرائيل على هجوم مسبق قبل وصول الجيش العراقى إلى الضفة الغربيةالأردنية. يوم الاثنين 5 يونيو 1967 إطلاق صفارات الإنذار فى الساعة الثامنة إلا عشر دقائق صباحا وأنا راكب دراجة نارية خلف رجل عجوز تكرم بإيصالى إلى مدرستى نظرا لغياب الباصات. هكذا بدأت الحرب بالنسبة لي.