بعد أيام الصمت الانتخابى التى بدأت أمس الجمعة، وتستمر حتى يوم الثلاثاء القادم، باقى من الزمن ثمانى وأربعون ساعة فاصلة فى عمر مصر، ويبدأ بعدها التصويت على انتخاب رئيس الجمهورية القادم، لتنجز بذلك أهم مرحلة من مراحل «خارطة المستقبل» التى توافق عليها تحالف ثورة ثلاثين يونية، التى استعاد بها المصريون ثورة 25 يناير، بعد أن اختطفها الإخوان وحلفاؤهم فى تيار الإسلام السياسى، من دعاة المتاجرة بالأديان، وأنصارهم من دعاة الفوضى والحرية غير المسئولة التى لا تبعات لها، من دعاة المتاجرة بالأوطان، الذين لا يخجلون من المجاهرة بضرورة هدم مؤسسات الدولة، لإقامة دولتهم على أطلالها، وهم يرفعون شعارت ثورية وديمقراطية خادعة! 56 مليون مواطن لهم حق الاقتراع طبقاً لعدد بطاقات التصويت التى أعلنت عنها اللجنة العليا للانتخابات، بينهم على الأقل نحو 40% من النساء، وبعد الصدمة التى أحدثتها نتائج تصويت المصريين فى الخارج، ومن قبلها كثافة إقبالهم على التصويت، لأصحاب الدعوة لمقاطعة الانتخابات، ولمروجى حملات الهمس والافتراءات والشائعات السوداء، تكثفت حملات هؤلاء على شبكات التواصل الاجتماعى ووسط أى تجمعات جماهرية أو فئوية، وعلى المقاهى التى تشكك فى نزاهة العملية الانتخابية قبل بدئها، وتشيع أنه لا فائدة من الذهاب للتصويت لأن نتائج المعركة محسومة ومعدة سلفاً، وأن السبب فى ارتفاع أعداد المقترعين من المصريين بدول الخليج قد تم بأساليب التهديد والوعيد من قبل الذين يكفلونهم للعمل بها، أما التفسير الذى يسوقونه ويرمون من ورائه إلى ممارسة حرفتهم التاريخية فى إشعال الفتن الطائفية وتأجيجها، لتصويت أكثر من 318 ألف مواطن من المصريين فى الخارج، بينهم أكثر من 94% منحوا أصواتهم للمرشح الرئاسى «عبدالفتاح السيسى» فهو أنهم مسيحيون! إمعاناً فى إنكار الحقائق الساطعة، وفى القلب منها، فشل الإرهاب الإخوانى، فى التصدى للدولة المصرية، أو فى كسر هيبتها، وفشله فى ترويع المصريين وإكراهم على القبول بما لا يرضون، أو دفعهم للتقاعس عن القيام باداء دورهم الوطنى بالإدلاء بأصواتهم فى انتخابات يراقبها العالم، ويتبرص بها أعداء كثيرون، أو إخافتهم من مساندة بلادهم فى النهوض من عثراتها التى تراكمت عبر السنين بفعل الفساد الذى استشرى فى مؤسسات الدولة والحكم، على امتداد أكثر من ستين عاماً، وتبديد ثرواتها ونهبها بشكل منظم، ثم محاولة الإجهاز عليها، من قبل فاشية دينية فاشلة، لا تتورع عن المتاجرة بالدين، وهى تفرط فى العرض والأرض وتمنح ولاءها لأعداء الوطن بينما تدعى زوراً أنها تحكم باسم الإسلام! الحقائق الساطعة تقول إن المصريين قرروا أن يمسكوا بأيديهم مصير بلدهم، وألا يمنحوا ثقتهم سوى لمن هو أهل لهذه الثقة، وأنهم باتوا يملكون من الوعى ما يمكنهم من التفرقة بين الطيب والخبيث، وبين الصالح والطالح، وبين من يزعمون الدفاع عن ثورة 25 يناير، وهم لا يضمرون سوى جعل دفاعهم سلاحاً مشهراً للقضاء على ثورة يونية، والحيلولة دون السير قدماً لإتمام خارطة المستقبل، وبين التدين الحقيقى وبين الآخر الشكلى الذى يتاجر بالدين، وبين المعلومة والشائعة، وبين المخلصين والمغرضين، وبين من يدافعون عن مصالح عامة، ومن يزحفون وينحنون حتى قاع القاع دفاعاً عن مصالحهم الخاصة، وبين الوطنيين والمرتزقة، وبين ما ينفع الناس، فيمكث فى الأرض، وبين الزبد الذى يذهب جفاء، تذروه الرياح. لكل هذه الحقائق ولغيرها، وكما فعلوا من قبل فى الخارج، يحتشد المصريون يومى بعد غد الاثنين والثلاثاء فى نحو 13899 لجنة فرعية على مستوى الجمهورية، للتصويت فى انتخابات الرئاسة، وتفتح تلك اللجان أبوابها من التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساء، فى حماية نحو نصف مليون من ضباط الشرطة والجيش، فضلاً عن أسلحة أفرع الجيش المختلفة، كما أكد على ذلك الفريق أول «صدقى صبحى» وزير الدفاع، موضحاً أن رجال القوات المسلحة، والشرطة المدنية «لن يتهاونوا فى حماية الشعب المصرى، وتوفير المناخ الآمن للمواطنين للإدلاء بأصواتهم، والتصدى بكل قوة وحسم لأى محاولة للمساس أو التأثير على إرادة المواطنين والعبث بمقدرات الوطن».. وهو المعنى نفسه الذى أكده اللواء «محمد إبراهيم» وزير الداخلية، وأوضحه قادة وزارة الداخلية بقولهم ن تعطيل اجراء الانتخابات بأى شكل لن يحدث إلا «على جثثنا». يعلم المصريون بذكائهم أو فطرتهم السليمة، خبث نوايا وأهداف الذين أخذوا يشككون فى نزاهة العملية الانتخابية، ومصداقية إجراءتها، برغم أنها تجرى تحت إشراف قضائى كامل، فبعضهم مازال يعيش فى وهم العودة إلى ما قبل الثلاثين من يونية، وبعضهم الآخر يظن من فرط الخيبة وافتقاد الذكاء، أنه يدافع عن المرشح المنافس، حتى ولو كان ذلك بالابتزاز، واختلاق التجاوزات، التى غداً من السهل أن تراقبها المنظمات الحقوقية المحلية والفضائيات العربية والدولية، التى حصلت على تصاريح لمراقبة وتصوير كل مراحل العملية الانتخابية، هذا فضلاً عن أن جامعة الدول العربية، ومؤسسة كارتر والاتحادين الأفريقى والأوروبى، وعدداً من الشخصيات الدولية، سوف يقومون بمراقبة هذه الانتخابات حتى مراحلها الأخيرة، لكن حشود المواطنين فى اللجان الانتخابية فى يومى الاثنين والثلاثاء من هذا الأسبوع، لن يكون ضمانة فحسب لنزاهة الانتخابات، بل هو رسالة للمجتمع الدولى بكل أطرافه واتجاهاته، الذى كان قد ترك نفسه نهباً لمزاعم فاسدة بشأن حكم الإخوان فى مصر، مفداها أن التفويض الشعبى الكاسح، الذى منحه المصريون فى السادس والعشرين من يوليو الماضى لقائد الجيش المشير «عبدالفتاح السيسى» للتصدى مع القوى الأمنية الأخرى، لإرهاب من يريدون إسقاط الدولة المصرية، والنجاح الذى تحرزه الأجهزة الأمنية يوما تلو آخر فى إنجاز هذه المهمة البالغة الخطورة، والتدافع الجماهيرى الذى جرى للتصويت على الدستور الجديد، كل هذا كان بمثابة استدعاء للمشير «السيسى» كى يكف عن تردده، ويحسم الاختيار الذى فرضته عليه غالبية الشعب المصرى، بأن يترك الموقع الذى لا يرغب فى سواه كقائد لجيش مصر العظيم، وينتقل للموقع الذى اختارته له تلك الأغلبية، مرشحاً لرئاسة الجمهورية. حشود المصريين فى لجان التصويت يومى الاثنين والثلاثاء، هو رسالة بأنهم هم وحدهم بإرادتهم الحرة، من يأتون بالرؤساء، وهم وحدهم من يعزلونهم، حشود المصوتين فى هذين اليومين، أهم من النتائج التى ستسفر عنها الانتخابات، ذلك أن نسبة المشاركة المرتفعة بها، هى الشرعية التى تمنحها أصواتنا للحكم الذى اسفرت عنه ثورة 30 يونية، وهى نسبة مشاركة سوف تفاجئ كل الذين راهنوا على عدم قدرتنا على استكمال «خارطة المستقبل».. برنامج العمل الوطنى الذى توافقنا عليه ليدفع ببلادنا خطوات محسوبة إلى الأمام. وكما بات معروفاً فمن المتوقع أن تعلن نتيجة الانتخابات فى أوائل شهر يونية، فيما يبدأ التعرف على المؤشرات الرسمية للنتيجة صباح يوم الأربعاء القادم، بعد أن يتم فرز الأصوات فى اللجان الفرعية، قبل تجميعها فى اللجان العامة. ولأننا نريد يوم إعلان النتيجة يوماً للفرح والبهجة والاحتفال، فرجائى الحار للسادة أعضاء اللجنة العليا للانتخابات، أن يعدلوا التاريخ الذى حددوه لإعلان النتيجة بشكل رسمى، فيقدمونه أو يأخرونه يوماً واحداً، لأن التاريخ المحدد وهو الخامس من يونية، يرتبط بذكريات مؤلمة وحزينة، من الظلم أن نعتبره معها، مناسباً للاحتفال بإعلان نتيجة الانتخابات، أو لبداية فترة الرئاسة الجديدة، أياً كان الفائز بها، ثم أن الفترة بين إتمام الانتخابات فى 27 مايو، وإعلان نتيجتها فى الخامس من يونية، لا يتطلب تسعة أيام بكاملها، لنبدأ معاً جميعاً الفترة الرئاسية الجديدة، ونستقبل معها المرحلة الانتقالية الأخيرة التى تضع أسس الانطلاق بمصر نحو المستقبل.