هل جاءت خطوة المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء لإنقاذ القطاع العام، أو ما بقي منه، متأخرة.. أم أن ذلك أفضل من ألا يجيء أبداً؟! أقول ذلك لأن ما تم بيعه من هذا القطاع منذ 15 عاماً كان هو الجزء الأفضل والأكثر تأثيراً.. وما بقي هو الجزء الأكثر تحقيقاً للخسائر. ذلك أن ما تم بيعه «بتراب الفلوس» كان يضم أصولاً غالية للغاية، أبرزها كان عبارة عن أراضٍ وعقارات دخلت داخل كردون المدن.. أي أصبحت أراضي عقارية، بعد أن كانت زراعية.. أو حتي صحراوية.. وبالتالي تشير الأصابع إلي جرائم عديدة تمت ببيع هذه الشركات.. بكل أصولها.. ولم تحقق عملية البيع، أو ما قيل عنها «عملية الخصخصة» الهدف منها وهو محاولة انقاذ ما يمكن إنقاذه مما بقي من مصانع هذا القطاع. كان الهدف هو استخدام حصيلة البيع علي عمليات تنمية وتطوير وتحديث ما بقي من مصانع.. ولذلك نص قرار البيع علي تخصيص ثلث قيمة البيع علي هذه العملية.. وتخصيص الثلث الثاني للوفاء بمكافآت الخروج المبكر للعاملين بها إلي المعاش. والثلث الأخير يذهب إلي وزارة المالية بصفتها مالكة هذه المصانع. وللحقيقة ذهب الثلثان بالكامل إلي المالية لسداد توالي العجز في الموازنة العامة.. ولا يعرف أي مسئول القيمة الحقيقية لما تم بيعه من أيام د. عاطف عبيد، عندما كان وزيراً لقطاع الأعمال العام.. ثم عندما كوفئ بمنصب رئيس الوزراء وجاء بالدكتور مختار خطاب وزيراً مكانه.. وجاء د. محمود محيي الدين ليكمل المأساة.. المهم أن البيع لم يكن الجريمة الأولي وحدها.. بل كانت العمل علي تدمير ما بقي من مصانع هذا القطاع.. إذ كانت الجريمة الثانية هي إهمال ما بقي من مصانع، بالذات في المحلة الكبري وكفر الدوار وشبرا الخيمة ودمياط والإسكندرية وشبين الكوم ودمنهور وميت غمر، وهي مصانع الغزل والنسيج التي «كانت» تستوعب الحصة الأساسية من عمالة مصر.. وكذلك مصانع الحديد والصلب بالتبين- مفخرة عصر عبدالناصر- ومصانع كيما بأسوان وكذلك مصانع الألومنيوم في نجع حمادي.. ولا شك أن تخريب هذه المصانع كان لحساب مافيا القطاع الخاص الصناعي، أي لمصلحة أصحاب مصانع الحديد بهذا القطاع الخاص ولحساب كبار مستوردي الأسمدة من الخارج.. تماماً مثل قتل صناعة السيارات الحكومة في وادي حوف.. لحساب رجال الأعمال الذين هرولوا إلي استيراد السيارات الخاصة والنقل.. وكان ذلك، علي حساب صناعة السيارات الحكومية وللأسف نجحوا في ذلك!! حقيقة أنا من مدرسة سياسية «هي الوفد» تري أن الحكومة صانع سيئ.. وتاجر أسوأ.. أي لا تصلح لإدارة مصنع أو تدير جمعية استهلاكية.. ولكن تصفية كل ذلك لم يكن هوالحل الأمثل لمشاكل القطاع العام.. وبذلك سمحت الحكومة في العشرين سنة الأخيرة بذلك لحساب ومصلحة رجال المال والأعمال.. ولكنه جاء بالضرر الشديد علي القطاع العام.. ولكن- والحمد لله- أن بقيت بعض المصانع الأساسية ملكاً للمصريين في الحديد والصلب والسماد والغزل والنسيج والقطارات كما تعثرت بعض عمليات البيع مثل عمر أفندي والمراجل الحرارية وغزل شبين الكوم وغيرها.. وأعتقد أن ذلك هو ما سوف يفعله المهندس إبراهيم محلب، خاصة أنه ابن أكبر قلعة من قلاع الدولة- وهي المقاولون العرب- وهذا هو ما يعنيه بأنه سيحاول انقاذ ما بقي.. وانعاشه وتطويره وتحديثه وبالذات مصانع الغزل والنسيج التي برعت فيها مصر من أيام محمد علي، بل من أيام الخلفاء العباسيين، في دمياط وشطا. هنا أقول للمهندس محلب: لماذا لا تعيد فكرة المؤسسة الاقتصادية، التي كانت أول مؤسسة للقطاع العام تتملك ما قامت الدولة بتأميمه، مثل البنوك.. ومصانع المحلة وكفر الدوار.. أي لا تصبح هذه الشركات ملكية مباشرة تابعة للحكومة.. ولكن لمؤسسة لها كل السلطات، مهما كان اسمها.. تتولي إدارتها، بعد دعمها وتوفير الاستثمارات الكافية لتحديثها ماليا محليا وعربيا وعالميا. يتولاها مصريون مخلصون.. قادرون علي إنقاذها لتعود نجماً ساطعاً في سماء الوطن، كما كانت في بدايتها وفي عصرها الذهبي. وهذا لا يعني أن نترك من باعوا «قلب» هذا القطاع وأضاعوا علي مصر مئات المليارات.. بل لابد من مطاردتهم ومحاكمتهم حتي ولو كانوا- أو أحدهم- رئيساً للبنك الدولي!! مع الفارق.