يبدو أن عام 2014، لا يحمل الكثير من الآمال ل"رجب طيب أردوغان" رئيس وزراء تركيا، الذي حاول تقمص شخصية سليم الأول الأب الروحي للسلطنة العثمانية، ونجح فى خداع العالم على مدى 11 عامًا بشخصه القوى وموقفه الحازم ضد إسرائيل فوصفوه بالشجاعة وحملوه على الأعناق إلا أن تأييده لمواقف جماعة الإخوان الإرهابية جاءت لتضع النقاط على الحروف وتفضح كل من يستخف بعقول الشعوب. ومع بداية 2014 تبددت شعبية أردوغان على مستوى العالم والأتراك أصبحوا رافضين لحكمه، والثورة عليه قادمة لا محالة.. فالرجل الذي كان مضرب الأمثال في النجاح السياسي والاقتصادي، وكان إلى وقت قريب يباهى ساسة المنطقة بعفة اليد وطهارة السياسة، أصبح مثالًا لكيفية سقوط الزعماء وفساد الحكومة والحزب والعائلة التي تسرق قوت الشعب التركي، لتشير العديد من التوقعات إلى أن الذكرى الأولى لاحتجاجات "تقسيم" 31 مايو الجارى ستكون بداية الثورة الحقيقية التي تقتلع "أردوغان" من جذوره بعد عام من القرع على رأسه بمدقات الفساد والاحتجاجات والتهاوى الاقتصادى للأسطورة التركي الذي حلم بزعامة العالم الإسلامي. وبغض النظر عما إذا كان رئيس الوزراء التركي "رجب طيب أردوغان" سينجو من الأزمة الحالية أم ستكون نهايته، فقد انتهت أسطورة النموذج التركي الذي كان مضيئًا في سماء أوروبا، فالآثار المترتبة على فقدان الصورة الجمالية لتركيا بالخارج وخاصة في العالم الإسلامي أكثر أهمية بكثير من انفجار فضيحة الفساد التي ربما تستخدم كذريعة للناخبين الأتراك في الداخل. احتجاجات "ميدان تقسيم".. بداية النهاية كانت البداية مع احتجاجات "جيزى بارك" بميدان "تقسيم" التي بدأ معها العد التنازلي لسقوط أردوغان فى 31 مايو 2013 والتي من المتوقع أن تشتعل من جديد فى الذكرى السنوية الأولى لها خلال أيام لتزيل ما تبقى من حكم أردوغان الهش، حيث خرجت تظاهرات ميدان تقسيم (مايو) الماضي، اعتراضا على سياسات الحكومة التي كشفت لأول مرة عن وجهها القبيح مع وحشية الشرطة وعنف قوات الأمن في التعامل مع المتظاهرين ليسقط أول محتج قتيلا بيد الشرطة وهو ما أثار انتقاد العالم كله وأطاحت ب"أردوغان" بعيدا عن مرمى الاتحاد الأوروبي. سقوط إخوان مصر وأكبر مشكلة واجهت "أردوغان"، وحطمت حلمه في إنشاء دولة عثمانية جديدة هي سقوط جماعة الإخوان الإرهابية في مصر، الأمر الذي اعتبره المحللون والمراقبون بأنه نهاية أردوغان وحزبه لأنه أكبر الخاسرين من سقوط المعزول "محمد مرسي"، فسعى للتدخل السافر فى الشأن المصري وحرض بعض الأطراف ضد مصر، وعمل على تجييش المجتمع الدولي ضد القاهرة خاصة أوروبا، لمحاولة عزل مصر دوليا والضغط عليها والاستعانة ببعض الدول الأخرى، مثل البرازيل وغيرها وحال دون التقارب الروسي المصري ولم يأبه "رجب" بما ترتب على ممارساته هذه ومساندة الإخوان وتحدي إرادة المصريين من تطورات سلبية أحاطت بالعلاقات التركية - المصرية في الآونة الأخيرة، ما أسفر عن سحب السفير المصرى من أنقرة ونظيره التركى من القاهرة، متوقعا أن يقبض الثمن في الانتخابات المقبلة من "إخوانه". أردوغان يدعم الإرهاب فى سوريا وعلى مستوى الجيران اللصيقة والأزمة السورية، يقف "فريق الهلال" وهو التنظيم الخاص التابع لحكومة حزب العدالة والتنمية وراء نقل السلاح إلى المجموعات الإرهابية في سوريا ولاسيما الشاحنات التي تم توقيفها في مدينة اسكندرون وأضنة وكانت في طريقها إلى سوريا مؤخرا والتي تتبع جهاز المخابرات القومية التركي. وقالت صحيفة إسرائيلية فى هذا الشأن أن تركيا لا تلعب فى الحرب السورية بمفردها ولكنها مدعومة من الولاياتالمتحدةالأمريكية المناهضة لحكومة بشار الأسد والتي تدفع الجارة التركية لتسليح مقاتلى سوريا للقضاء على بشار، تلك الخطة الشيطانية المدعومة بالمصالح الأمريكية التركية في المنطقة. أحزاب المعارضة التركية ترفض دعم "أردوغان" أعلنت أحزاب المعارضة التركية رفضها دعوة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان للاحتشاد حول حكومته في وجه ما أسماه ب "المؤامرة القذرة التي تنفذها عناصر مدعومة من الخارج". وعلقت المعارضة على دعوة أردوغان: بأن الحكومة محاطة بالفساد وتسعى للسيطرة على القضاء، وأكدت أنها لن تدعم حزب العدالة والتنمية الحاكم لاستغلال القضاء والتغطية على ملفات الفساد. أردوغان ينتقم من أجهزة الأمن ويقيل 15 مسئولًا بالاستخبارات أصدرت مديرية الأمن العام في تركيا قرارا بإعفاء 15 مدير أمن ومساعد أمن بإدارة الاستخبارات وهم مسئولون عن ملفات التنصت، والمتابعة الفنية، ومنظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية على خلفية اعتقالات 17 ديسمبر المتعلقة بمزاعم الفساد المالي. وما يلفت النظر أن قرار إعفاء 15 مسئولا أمنيا في إدارة الاستخبارات جاء بعد تولي "آفكان أعلا" منصب وزير الداخلية خلفا لمعمر جولر، وهو أحد الوزراء الذين تورط أبناؤهم في فضيحة الفساد والرشاوي الأخيرة بالبلاد. الجيش التركي يضغط على أردوغان وزاد الجيش التركي من المشاكل التي يواجهها "رجب" بعد أن طالبه الجيش رسميا بإعادة المحاكمات التي قضت بسجن مئات العسكريين السابقين مدعيا تجاهل المحكمة للتلاعب بالأدلة لإثبات الاتهامات ضد 300 قيادة عسكرية من الجيش التركي تم الحكم بسجنها في عام 2012 بتهمة التآمر للإطاحة بحكومة أردوغان. وأدت الفضيحة لتوقيف عشرين شخصية قريبة من السلطة، واستقالة 3 وزراء أساسيين في الحكومة وتعديل وزاري واسع، بدون أن يؤدي ذلك إلى احتواء الأزمة، ويشتد التوتر على خلفية البرنامج الانتخابي الحافل للعام الجديد مع تنظيم انتخابات بلدية في مارس وأول انتخابات رئاسية بالاقتراع المباشر العام في أغسطس. أردوغان يطيح بالنائب العام بالتستر على فساده اتهم المدعي العام التركي "معمر آكاش" رئيس الوزراء بحماية الإرهابيين وإيواء الخارجين عن القانون في بلادهم، وأبرزهم "ياسين القاضي"- رجل الأعمال السعودي والمدرج اسمه على قائمة الإرهاب الدولي للأمم المتحدة الصادرة في 5 أكتوبر 2012 والممنوع دخوله لتركيا وفقا للقرار الصادر من مجلس الوزراء- حيث دخل تركيا 4 مرات خلال 8 أشهر في حماية "أردوغان"، وتورط في قضية فساد ورشاوى وهو الأمر الموثق بالأدلة والصور والمستندات. كما أصدر المدعي العام باسطنبول أمرا قضائيا بضبط وإحضار "بلال" نجل رئيس الوزراء أردوغان للتحقيق معه بعد الاشتباه في تورطه في جريمة مالية في حق الدولة، وجاء الأمر القضائي بعد أقل من24 ساعة من نشر أنباء بشأن هروب بلال إلى جورجيا، خشية الاعتقال إثر إدراج اسمه بقائمة المتورطين في قضايا فساد ورشاوى، وجاء رد أردوغان على لكمات النائب العام له باستبعاده من منصبه للتستر على فساد رجاله وعائلته وفضائحه التي لا تنتهي. الاقتصاد التركى ينهار وكانت المفارقة أن ينهار "أردوغان" وحكومته واقتصاد بلاده فى العام الذي يعد الأنجح في تاريخ تركيا الحديثة الممتد 90 عاما حيث شهدت أسواق المال التركية ارتفاعا لمستويات قياسية وتحسنا في تصنيف الجدارة الائتمانية وسداد ديون البلاد المستحقة لصندوق النقد الدولي مطلع 2013، ولكن كان للأزمة السياسية الطاحنة والانشقاقات العميقة تأثيرا غير مسبوق بتركيا الحديثة، فتأثرت الأسواق وتلقت صفعة قوية مع استقالة وزراء "أردوغان"، وتسببت عملية التحقيق في قضايا الفساد التي طالت عددا من المسئولين الحكوميين وذويهم في شلل بالأسواق المحلية. وأتت مطالب المتظاهرين الأتراك في اسطنبول بضرورة استقالة "أردوغان" كالصاعقة على الاقتصاد وانخفضت الليرة التركية بنسبة 0,8% واصطدمت ب2,11 % مقابل الدولار الأمريكي وهو أدنى مستوى لها على الإطلاق أو على الأصوب منذ وصول "أردوغان" إلى السلطة في 2002، وبذل "أردوغان" جهودا قسرية من أجل تعديل وزاري لتهدئة مخاوف المستثمرين التي تلقى بظلالها على الاقتصاد والبورصة، فيما عززت التوترات الداخلية عمليات البيع المدفوعة من قبل الخطط الأمريكية لإنهاء تخفيف القيود المالية. موقف أوروبا من أرودغان تسبب أردوغان فى كارثة سياسية داخل تركيا وحولها إلى دولة استبدادية تشكل خطرا ليس فقط على نفسها بل على حلفائها فى منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" بمن فيهم الولاياتالمتحدة وهو ما عرض أردوغان خلال زيارته لبروكسل لانتقادات حادة من قادة دول الاتحاد الأوروبي بسبب حملته على القضاء والشرطة التي روعت المستثمرين وأدت إلى تدهور الاقتصاد التركي. وأعربت المفوضية الأوروبية أكثر من مرة عن قلقها من الإجراءات التي يتخذها أردوغان مؤكدة أن التدخل الحكومي في تعيينات وقرارات القضاء سيفقده حياديته ومع استمرار حكومة أردوغان بحملتها ضد رجال الشرطة والمحققين في قضية الفساد أوقف قصر العدل في أنقرة قبل أيام جميع أعماله بعد العملية الأمنية ضد الفساد والرشوة التي نفذت في 17 ديسمبر من العام الماضي حيث امتنع المدعون العامون عن تنفيذ أي عملية كبيرة منذ تلك العملية خوفا من أعمال انتقامية بحقهم من قبل حكومة أردوغان. الأتراك يرفضون "مؤامرة أردوغان" سليمان التركي حارس عقار باسطنبول 65 عامًا يتمنى أن تتمكن تركيا هذه السنة من التخلص من حزب العدالة والتنمية، وهى الأمنية التي شاركه فيها رجال الإعلام فقد تمنوا للعام 2014 رحيل رئيس الوزراء التركي، الذي يحتدم حوله الجدل، حتى الطالبة توجبا- في العشرينات من عمرها- التي لا تهتم بالسياسة لكنها بدت غير متفائلة بما سيحدث في تركيا قائلة "الوضع في بلادنا حرج لكن أردوغان سيفوز رغم كل شيء في الانتخابات". ويدافع "أردوغان" عن نفسه بنظرية "المؤامرة" التي لا تجد رواجًا لدى شعبه فجاء باستطلاع وكالة الصحافة الفرنسية أن 42,2% من الأتراك يرفضون نظرية "المؤامرة" التي يدافع عنها أردوغان ورأوا أن الأزمة السياسية والمالية الحالية نجمت فقط عن التحقيقات القضائية التي استهدفت مقربين من حكومة حزب أردوغان الحاكم، كما اعتبر 60% من الأتراك أن الاتهامات وتوقيف العشرات من أصحاب الأعمال والمنتخبين المقربين من حكومة أردوغان مبررة مقابل 26,5% رأوا العكس.