كان رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، ولا يزال، المثل والقدوة عند 'إخوان' مصر، وحلفائهم، فاتخذه التنظيم الإخواني رايةً يستظل بها في أول انتخابات رئاسية مصرية تخوضها الجماعة، فوصفت الآلة الإعلامية الإخوانية المهندس خيرت الشاطر ب'أردوغان مصر' ومهندس مشروع 'النهضة' عندما شرع في خوض السباق الرئاسي، وسرعان ما انتقل الوصف علي ألسنة 'الإخوان' إلي الدكتور محمد مرسي بعد استبعاد 'الشاطر'، وأصبح مرسي أردوغان العرب الذي سيجعل من البلاد نموذجاً تركياً في السياسة والاقتصاد، وغيرها، وعندما قفز 'الإخوان' إلي عرش مصر كادت البلاد تصبح ولاية صغري في الإمبراطورية التركية العظمي.. ولكن جاء السقوط السريع للجماعة في مصر ليبدد أحلام رئيس وزراء تركيا فخرج علينا يذرف دموع التماسيح رافعاً شارة 'رابعة' التي أصبحت راية 'الإخوان' وشعارهم، ودافع الرجل عن مرسي المعزول، وجماعته المخلوعة، وتحولت تركيا إلي حاضنة سياسية للتنظيم الدولي ل 'الإخوان'، وقاعدة تنطلق منها سهام الإعلام العدائي، ومأوي يجمع الفارين والهاربين من العدالة، وانشغل أردوغان بما اعتبره عيوب غيره وأخطاء جيرانه، وأصبح همه الأول هو إعادة نظام 'الإخوان' إلي عرش مصر، بعد أن لاحت في الأفق ملامح فشله في تنصيبهم حكاماً لسوريا، وترك الرجل بلاده غارقة في أمراضها.. حتي اجتمعت علاتها وانفجرت سرطاناً يلتهم أركان النظام الحاكم ويسري في أوصال الحكومة وينتشر حتي ظهر في عقر دار أردوغان الذي حاول أن ينجو بنفسه ويجري جراحات استئصال عاجلة لينقذ ما تبقي له من أعضاء حكومته التي ترعرت في فساد لا دواء له.. لكنه قبل أن يداوي علات حكومته ظهرت أعراض الفساد في خاصته وتم الإعلان عن اتهام نجله بلال رجب في 273 قضية فساد، وكشفت التحقيقات عن اتهامات مخزية تلاحق أركان حكومته، واقتدي أردوغان بسنة حبيبه محمد مرسي وسار علي نهجه فاتهم القضاء والإعلام بالتآمر عليه ووصف معارضيه بالخيانة والعمالة!! وطارت صفحات ملف الفساد في حكومة أردوغان إلي وسائل الإعلام العالمية، وكان رجل الاعمال الايراني والعضو السابق في الحرس الثوري الايراني 'بابك زنجاني' هو الشخصية الابرز في هذا الملف يليه وكيله وعامله في تركيا وغيرها رجل الأعمال الإيراني الأصل 'رضا ضراب' الذي تزوج من المغنية التركية إبرو غوندش وحصل علي جنسية بلادها واستخدم اسماً آخر داخل الأراضي التركية ليصبح 'رضا صراف' وقد تم توقيفه بتهمة غسل الأموال، ودفع الرشي إلي مسئولين أتراك بهدف نقل الأموال، وتهريب الذهب إلي شركة في مدينة 'كيش' الإيرانية، وإلي دول أخري باعتبار ذلك من وسائل الالتفاف علي العقوبات الدولية المفروضة علي إيران، واتهمت سلطات التحقيق التركية رضا ضراب أو رضا صراف باختلاس مبلغ يصل إلي 87 مليار يورو، وإدارة شركات وهمية في تركيا في فترة زمنية تتراوح بين 2009 حتي 2012، بالتعاون مع إيرانيين ينحدرون من إقليم أذربيجان الشرقي، وطالت هذه الاتهامات 60 مسئولاً تركياً في حكومة رجب طيب أردوغان بعد أن أدلي رضا صراف بأسماء من تسلموا الرشاوي منه!! وذكرت تقارير صحفية أن 'الحكومة الإيرانية تملك نسبة 40 في المائة من مبلغ ال '87 مليار يورو' المختلس والذي جري تداوله علي مدي أربعة أعوام. وتمكن ضراب وبدعم من مصرف كبير في إيران من القيام بمبادلات مالية واسعة في مختلف دول العالم، وذلك بهدف الالتفاف علي العقوبات الدولية المفروضة علي إيران، وكانت هذه العقوبات وسيلة لتربح بعض أثرياء تركياوإيران. واعترف رضا ضراب بأنه مجرد موظف لدي رئيسه بابك زنجاني، الذي يمتلك 70 شركة في إيرانوماليزيا وطاجكستان وتركيا حسب ما ذكرته صحيفة 'تودي زمان، وخضع ضراب والعاملون معه لمراقبة من فرع مكافحة التهريب والجرائم المنظمة في شرطة أنقرة لإثبات وقائع الفساد التي توسعت التحقيقات فيها وانتهت إلي اتهامه برشوة أعضاء في الحكومة التركية منهم وزير الاقتصاد الذي قدم استقالته مع وزراء آخرين، 4.5 مليون دولار من النقود في منزله، وقد عثرت أجهزة الأمن علي حقيبتين في حديقة الفيلا التي يمتلكها رضا ضراب تحتويان علي وثائق سرية تتعلق بمناقصات حكومية ومؤسسات اقتصادية تركية، وتم توقيف رجال أعمال معروفين بعلاقاتهم الوثيقة بحزب العدالة والتنمية، وكان من أهم الاتهامات الموجهة إليهم، الاحتيال في تقديم مناقصات للفوز بمقاولات والرشوة والمتاجرة غير المشروعة بالذهب!!! وكان الخيط الأول الذي أوصل الجهات الرقابية إلي نشاط رضا ضراب هو اعتقال مواطن إيراني في مطار موسكو في ديسمبر 2011 كان يحمل معه حمولتين من النقود بقيمة 14.5 مليون دولار و4 ملايين يورو، وبدأت السلطات في البحث وراء عمليات معقدة تمت عبر 11 شركة وهمية تأسست في الصينوتركيا لبيع النفط مقابل الذهب لصالح إيران. وسارعت الحكومة الإيرانية لتنفي أية علاقة لها ب'رضا ضراب' لكنها لم تتنصل من بابك زنجاني الرأس الكبير، المرتبط بعلاقات قوية مع القيادات السياسية في الجمهورية الإيرانية، وقد أعلن بابك زنجاني أنه يمتلك 70 شركة وأكبرها وأشهرها هي 'هولدينج سورينت قشم' و'مصرف الاستثمار الإسلامي الأول' في ماليزيا و'مصرف أرزش' في طاجكستان بالإضافة إلي شركات أخري في كل من تركيا ودبي وطاجكستان، ويتهمه البعض بأنه مجرد واجهه لشخصيات مسئولة في إيران، لذلك أضاف الاتحاد الأوروبي اسمه إلي القائمة السوداء في ديسمبر 2012 واتهم 15 من شركاته بلعب دور محوري في الالتفاف علي العقوبات الدولية المفروضة علي إيران، وفي أبريل 2013 أضافت السلطات الأمريكية الشركات التي يمتلكها زنجاني إلي القائمة السوداء. وبعد تحقيق في العديد من وقائع الفساد قدم ثلاثة من الوزراء في حكومة رجب طيب أردوغان استقالتهم بسبب اعتقال نجلي اثنين منهم علي ذمة قضايا الفساد، ووجد رئيس الوزراء، أنه لا مفر من إجراء تعديل وزاري سارع بالإعلان عنه يوم الأربعاء 25 ديسمبر 2013 ليشمل 10 وزراء بالحكومة، أي نصف عدد أعضاء التشكيل، ومن بين الوزراء الذين تم تغييرهم وزير شئون الاتحاد الأوروبي ايجمن باغيس، الذي ورد اسمه في تحقيق الفساد، كما شمل التغيير وزراء الداخلية معمر غولر، والاقتصاد ظافر تشاغليان، والبيئة أردوغان بيرقدار، الذين قدموا استقالاتهم، وخلّف هؤلاء افكان علاء في الداخلية الذي كان مساعد وزير دولة لدي رئيس الوزراء، والنائب نهاد زيبكجي في الاقتصاد، والنائب ادريس غولوتش في البيئة، وتم أيضا استبعاد وزراء العدل والاسرة والنقل الذين كانوا مرشحين للانتخابات المحلية في مارس 2014. ولم يجد رجب طيب أردوغان، ما يدفع به تهمة الفساد عن حزبه ونجله سوي أن يصف، الأعضاء المستقيلين من حزبه 'العدالة والتنمية' ب 'الخونة' وقال، أردوغان في خطاب ألقاه أمام الآلاف من أنصاره، الذين استقبلوه في مطار أتاتورك الدولي باسطنبول الجمعة 27 ديسمبر2013: 'من انطلق معنا في هذا الطريق ثم خاننا وتركنا في وسطه لن ندعوه للسير معنا مرة أخري، وسنتخلي عنه كما تخلي عنا، أشكرهم علي ما قدموه لنا في الماضي، لكن لا أشاركهم الرأي ولا أقبل ما يقولونه الآن عنا، فالشعب لم يعطهم أصواتهم حتي يخونوهم'. وفي تحقير لمواقف معارضيه قال أردوغان بعد عودته من جولة داخلية شملت ولايتي صاقاريا وكوجالي: 'من استقالوا من الحزب لا يمثلون شيئا' !! وشن أردوغان هجوماً عنيفاً علي حليفه السابق الداعية فتح الله غولن، أو فتح الله كولن كما يحب أن يسمي نفسه، وقال عنه دون أن يذكر اسمه في اجتماع الكوادر التنظيمية لحزب العدالة والتنمية 'هذا الرجل لا علاقة له بالدين والإسلام والله ومحمد'، واتهم أنصار أردوغان خصمه فتح الله كولن وجماعته المعروفة باسمه بأن لهم الدور الأكبر في تسريب المعلومات عن وقائع الفساد في الحكومة التركية، بعد قرار أردوغان إيقاف أنشطتها التعليمية، ومحاولته وقف محاولات تسللها إلي المخابرات والحد من وجودها في الجيش والشرطة والقضاء!!! والمعروف أن جماعة غولن أو كولن تدير شبكة ضخمة من المدارس والشركات ووسائل الإعلام وتمتلك قنوات تليفزيونية عديدة، منها الاخباري والثقافي. كما تمتلك صحيفة 'زمان' اليومية واسعة الانتشار بالإضافة إلي المراكز الثقافية المنتشرة في تركيا والعديد من الدول في خمس قارات. ووجد أردوغان نفسه في مواجهة الخصم العتيد والداعية الإسلامي صاحب الرسالة الاجتماعية فتح الله كولن، واصبح حزب العدالة والتنمية في مواجهة غير عادلة مع جماعة 'كولن' صاحبة التأثير السحري بين قطاعات كبيرة من المسلمين داخل المجتمع التركي، ورفعت جماعة 'كولن' راية غير معلنة لمكافحة فساد حكومة أردوغان الذي كان يحمل طوال سنوات مضت شعار 'الشفافية ومكافحة الفساد'، أما الآن فهو يحاول أن يسكت الملايين التي تخرج في مدن تركية عدة للتنديد بالفساد والمطالبة باستقالة أردوغان وحكومته!! وقد بدأت الاحتجاجات في شهر مايو 2013 ضد إقامة مشروع حكومي في ميدان تقسيم بمدينة اسطنبول، ثم جاءت احتجاجات تالية كانت أكثر قوة، وكان رد فعل أردوغان هو القمع الذي أدانته منظمات حقوق الإنسان الدولية، ووصف أردوغان المحتجين، في تجمعات حاشدة لأنصاره، بأنهم 'متطرفون' يتلاعب بهم 'الإرهابيون'، وقد اتهمت منظمة العفو الدولية الحكومة التركية بالاعتداء جنسياً علي المتظاهرين واستخدام الرصاص الحي لتفريق المظاهرات السلمية، وتقول المنظمة في تقرير لها إن محققين استجوبوا عدداً من المصابين في الاحتجاجات، وأنهم تعرضوا للضرب أو الاعتداء الجنسي، خلال فترة الاعتقال، وتعد عمليات قمع الاحتجاجات في تركيا في مايو ويونيو 2013 هي الأسوأ، وأكد تقرير للمنظمة أن 'الشرطة أطلقت طلقات بلاستيكية علي رؤوس المحتجين مباشرة وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع علي مبان سكنية ومنشآت طبية'، ونقلت 'بي بي سي' عن خبير الشئون التركية في منظمة العفو الدولية، أندرو جاردنر، قوله إن 'محاولات قمع احتجاجات حديقة جيزي تخللتها انتهاكات لحقوق الإنسان، علي نطاق واسع، منها انتهاك حق المواطنين في التجمع السلمي، وانتهاك الحق في الحياة، والحماية من التعذيب وسوء المعاملة'!!! وقال اندرو جاردنر 'إن مستويات العنف التي مارستها الشرطة.. تظهر بوضوح ما يحدث عندما تصدر تعليمات لضباط شرطة يفتقرون للتدريب ولا يخضعون لإشراف جيد باستخدام القوة ويتم تشجيعهم علي استخدامها بلا رحمة ويدركون أنهم في منأي عن الحساب'!! العدوان التركي علي حرية الصحافة وفي إطار القمع وانتهاك حقوق الإنسان أصبحت تركيا الأسوأ في الاعتداء علي الصحفيين للعام الثاني علي التوالي حيث فقد العشرات من المراسلين والصحفيين والكتاب وظائفهم بسبب كلماتهم التي لم يتحملها أردوغان، وكان من بينهم علي أكبر ارترك الذي روي أن صحيفة 'أقسام' أنهت عمله لأنه عبر عن دعمه للمتظاهرين في صفحته علي موقع 'فيس بوك' وحسابه علي 'تويتر' معبرا عن مواقفه الشخصية وليس عن مواقف صحيفته !! ووصفت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين تركيا بأنها 'أكبر سجن في العالم' وقالت المنظمة إن حكومة أردوغان اعتقلت 76 صحفياً، ونقلت صحيفة 'الشرق الأوسط' عن مسئول نقابة الصحفيين الأتراك ارجان ايبكجي قوله: 'إن الوضع من سيئ إلي أسوأ.. إن الخوف بات سيد الموقف في العديد من وسائل الإعلام'. وأضاف أن 85 صحفيا علي الأقل يعتبرون مناهضين للسلطة صرفوا من العمل أو دفعوا إلي الاستقالة منذ المظاهرات التي انطلقت من حديقة جيزي في إسطنبول في 31 مايو2013، وتمارس السلطات ضغوطا وتهديدات مباشرة وغير مباشرة ضد الصحفيين، ومؤسساتهم الصحفية، حيث تواجه الصحف ملاحقات ضريبية تعسفية تهددها بالتوقف!! ويعترف نائب الرئيس الفخري لرابطة الصحفيين الأوروبيين، التركي دوغان تيليتش، بأن الوضع الكارثي للصحافة في تركيا الذي وصفته المنظمات الدولية 'صحيح مائة في المائة'!!!! وهذه هي إمبراطورية أردوغان 'الإخوان'.. فساد وقمع وانتهاك لحقوق الإنسان، ومع ذلك يخرج الرجل ليتباكي علي ما يدعي أنه انتهاك لحقوق الإنسان في مصر، ويرفع شعار 'رابعة' ويلطم الخدود ويشق الجيوب علي شرعية العهد الإخواني البائد.. فأين أنت يا حمرة الخجل؟!!!