لا شك في أن اندلاع ثورتين في ثلاثة أعوام كفيل بقلب نظام الحكم في أى دولة في العالم، هذا ما مرت به الأمة المصرية مع بداية العقد الحالي، فهل تتقدم الأمة خطوة إلى الأمام أم تبقي الأوضاع على ما هو عليه؟. ومن ضمن الخطوات الثابتة التى خاضتها مصر فى الفترة الأخيرة هو وضع دستور عام 2014، و الذى تضمن ما لم يتوقعه المصريون وهو الحد من صلاحيات رئيس الجمهورية.
فتقلصت صلاحيات رئيس الجمهورية فى دستور 2014، إذ لا يجوز له منح نفسه أى أوسمة أو نياشين أو يتلقى هدية نقدية أو عينية من أحد، بالإضافة إلى أن مرتب رئيس الجمهورية يحدده القانون، فضلاً عن عدم جواز الحصول على أي مكافأت أو أموال إضافية. كما يجوز لرئيس الجمهورية أن يفوض بعض اختصاصاته لرئيس مجلس الوزراء أو لنوابها ولأحد الوزراء، أما اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمي يكون بطلب موقع من الأغلبية فى البرلمان. و بالمقارنة مع دستور 71 على سبيل المثال نجد أن الرئيس في الدستور الجديد لا يحق له الترشح لفترة رئاسية أخرى إلا مرة واحدة غير قابلة للتجديد تحت أي سبب، بينما في دستور 71 كان يمكنه الترشح لمدد غير محدودة. بالإضافة إلى أن الرئيس في الدستور الجديد لا ينفرد بتعيين رؤساء الأجهزة الرقابية بل لابد من موافقة البرلمان، بينما في دستور 71 هو الوحيد الذي يعين من يراقبه، فضلًا عن عدم انفراده بتعيين رئيس الوزراء، بل لابد من موافقة البرلمان.
والجدير بالذكر أن دستور 2014 يسلب الرئيس لأول مرة حقه فى حل البرلمان إلا باستفتاء شعبي على ألا يكون ذلك أول سنة من عمل البرلمان، وفى حالة رفض الشعب لحله يستقيل الرئيس. كما أن الرئيس في هذا الدستور لا يعين النائب العام ولا أعضاء الهيئات القضائية وإنما تختارهم هيئاتهم ويصدر هو القرار فقط، كما أنه لا يملك حق التشريع تحت أي ظرف، فالتشريع حق أصيل وحصري للبرلمان فقط. وفى هذا السياق رصدت بوابة الوفد عددًا من آراء الخبراء السياسيين والقانونيين لمعرفة مدى تأثير تقلص صلاحيات الرئيس فى الدستور الجديد على تنفيذ برنامجه الانتخابى من جهة، وتأثيره على طمأنة الشعب وحمايته من خطر وقوع فساد كما حدث من قبل من جهة أخرى. فقال الدكتور محمود كبيش عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة، إن انتقاص صلاحيات رئيس الجمهورية طبقا لدستور 2014 لا يقلل من مهامه الكبيرة التى تجبره الظروف الحالية على تطبيقها، والخروج بمصر من النفق المظلم. وأضاف كبيش فى تصريحات خاصة ل"بوابة الوفد"، أن الرئيس الوزراء والبرلمان سلطات وحقوقا توازى سلطات رئيس الجمهورية، موضحاً أن مصر فى اتجاه نحو النظام البرلمانى أكثر من النظام الرئاسى.
فيما أكد عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة أن الشعب المصرى الآن هو الفيصل فى اختيار الحاكم بسلطاته، فإذا اختار رئيسًا ذا خلفية عسكرية سيضيف إلى منصب رئيس الجمهورية ولا ينتقص منه من حيث القدرة على اتخاذ القرار، للخروج بمصر من كبوتها الاقتصادية والأمنية.
وفى سياق متصل أكد اللواء عمر طاهر رئيس اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب الأسبق أن صلاحيات رئيس الجمهورية غير متفق عليها فى كل دساتير العالم، مضيفًا أن الفيصل أمام الرئيس المصري القادم هو القانون الشعبى فقط. وأعرب طاهر فى تصريحات خاصة ل"بوابة الوفد" عن أمله فى أن يصبح رئيس الجمهورية زعيما ينطوى تحت زعامته ثقة المجلس النيابى و ثقة وزرائه للخروج بالشعب من النفق المظلم، متمنيا أن يصطف الشعب بجانب رئيسه للصعود بمصر من كبوتها الحالية. كما أوضح رئيس اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب الأسبق أن المرشح الرئاسى عبد الفتاح السيسي إنما هو مكسب للشعب بعد ثورتي يناير و يونيو، قائلا "هو الزعيم المأمول للأمة المصرية"، و إذا لم يتوافق الدستور بصلاحياته مع مجريات الوضع الراهن عقب الثورة فليتم تغييره، فالدساتير المصرية ليست قرآن سماوى. و على الصعيد السياسى عقب الدكتور أبو العز الحريرى المرشح الرئاسى السابق على صلاحيات الرئيس القادم فى الدستور الجديد، أن دستور 2014 لم يحد من صلاحيات الرئيس القادم، لأنه أعطى هذه الإختصاصات إلى رئيس الوزراء الذى عينه بنفسه. و أضاف الحريرى فى تصريحاته ل"بوابة الوفد" اليوم الأربعاء أنه لا يوجد دستور يعرقل البرنامج الإنتخابى للمرشح الرئاسى حال فوزه بالمنصب الرئاسى، بالإضافة إلى توقف ها الموضوع على مجلس النواب صورة كبيرة، لأنه الذى يوافق على ما يتم طرحه من مشروعات. و لفت المرشح الرئاسى السابق إلى أن الدول المتقدمة لا يوجد بها برنامج انتخابى، بل مشروع وطنى شامل، يسهم الرئيس فى تحقيقه بنسبة معينة، مشيرا إلى أن فى فرنسا الصلاحيات منقسمة بين رئيس الجمهورية و بين رئيس الوزراء، الأمر الذى يعبر عن المشاركة فى الحكم و ليس تقليص الصلاحيات، مؤكدا أن هذا الانقسام يفيد الرئيس فى عدم تعرضه للمحاكمة حيال وقوع خطأ، و أيضا يساعده على إدارة عموم الوطن. أما الدكتور سعيد اللاوندى خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام الاستراتيجى أوضح أن دستور 2014 وضع عقب ثورة 30 يونيو، و التى يستمد منها مشروعية القرار السياسى، و التى تستند بالأساس على رغبة الشعب المصري، معلقا على تقلص صلاحيات الرئيس به، بأن الرئيس لابد أن يخضع لإرادة الشعب. و أضاف اللاوندى فى تصريحاته ل"بوابة الوفد" اليوم الأربعاء أن الدستور المصري لا يعرقل مهام الرئيس القادم بقدر ما يستجيب لمطالب الشعب المصري، قائلا "مهام الرئيس يحددها الشعب"، مشيرا إلى أن الدستور المصري سابقا كانت تحدد صلاحياته كصلاحيات ديكتاتور و ليست لخدمة الدولة. فيما جاء رأى الدكتور أحمد دراج القيادى بالجمعية الوطنية للتغيير على تقلص صلاحيات الرئيس القادم فى الدستور الجديد مختلفا، إذ أن تحديد الصلاحيات يتوقف على النظام السياسى داخل مصر، لافتا إلى أن سلطات الرئيس تختلف من النظام الرئاسى للبرلمانى للشبه رئاسى و الشبه برلمانى. و أضاف دراج فى تصريحاته ل"بوابة الوفد" اليوم الأربعاء أن صلاحيات الرئيس فى الدستور الجديد تنم عن أن النظام المصري يعتبر "شبه رئاسي"، و لذلك تنقسم السلطات بينه و بين رئيس الوزراء، مؤكدا أن هذا يحقق توازن نسبى فى تقسيم السلطات، كما أنه فى صالح الرئيس. كما أشار القيادى بالجمعية الوطنية للتغيير، إلى أن بالرغم من أن الدستور الجديد يحد من صلاحيات الرئيس القادم، إلا أن هذا لا يطمئن الشعب المصري بعدم وقوع فساد مرة أخرى، مؤكدا على ضرورة إمتلاك الشعب لأدوات رقابية يراقب بها الرئيس بنفسه، مضيفا أن الشعب يجب يدافع عن حقه لأن الدستور فى النهاية "مجرد حبر على ورق".