رغم تلويح صندوق النقد الدولي بالموافقة علي منح مصر القرض الذي طالبت به سابقا، والمقدر بأربعة مليارات و800 مليون دولار وذلك طبقا لتصريحات مندوب الصندوق بمصر، إلا أن الحكومة المصرية مازالت تصر علي أن مصر حاليا ليست في حاجة لهذا القرض، وهو الأمر الذي أثار نوعاً من الجدل، ما بين خبراء الاقتصاد والساسة الذين اعتبروا هذا الموقف سياسياً أكثر منه اقتصادياً. الدكتور أشرف العربي، وزير التخطيط والتعاون الدولي، قال إنه لا توجد أي مستجدات أو قرارات ترتبط بعودة المفاوضات مرة أخرى بين مصر وصندوق النقد، وأكد أن الوفد المصري الذي شارك في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين الأخيرة، لم يتطرق نهائياً للحديث عن قرض الصندوق لمصر، وأضاف وزير التخطيط أن مصر حاليا ليست في ضرورة ملحة لهذا القرض، مشيرا إلي أنه لا عودة للحديث عنه إلا بعد تشكيل مجلس الشعب المقرر انتخابه الفترة القادمة. اتفق مع وزير التعاون الدولي في الرأي وزير المالية هانى قدرى دميان الذي قال إن مؤشرات الاقتصاد المصري بدأت في التعافي، وأننا لا نحتاج الاقتراض من صندوق النقد الدولي بالوقت الراهن. وأشار وزير المالية في تصريح سابق له أن مصر لن تطلب قرضًا من صندوق النقد الدولي على الإطلاق، ولا سيما قبل انتخاب رئيس الجمهورية، قائلا نحن نعلم لماذا نطلب القرض، وماذا سيكون رد الصندوق، لذلك وضعنا خططًا بديلة تمكننا من الاستمرار دون طلب قرض من صندوق النقد الدولى. خبراء الاقتصاد أثاروا حالة من الجدل حول موقف الحكومة الحالية حيال التفاوض مع الصندوق حيث قال الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدي المصري للدراسات الاقتصادية، إن حكومة «محلب» جريئة في اتخاذ القرارات الاقتصادية خاصة القرار الخاص بتخفيض عجز الموازنة إلي 10 % من الناتج المحلى الإجمالى، لتسهيل مفاوضات الحصول علي قرض الصندوق في الفترة القادمة، وذلك من خلال القرارات الخاصة بتخفيض دعم الطاقة والمزمع تطبيقها قريبا، وهو القرار الذي ترددت في اتخاذه جميع الحكومات الانتقالية السابقة. وأضاف «عبده» أن احتياج مصر لقرض الصندوق ليس للاحتياج النقدي فقط لكنه رسالة طمأنه لباقي المؤسسات العالمية بسلامة وضع مصر الاقتصادي، ومع ذلك فهو يري أن مصر حاليا ودون هذا القرض، ومن خلال عدة قرارات، وخطوات اقتصادية وسياسية أصبحت في موقف جيد داعم لسلامة وضعها الاقتصادي أمام العالم وايضا المؤسسات الاقتصادية، مضيفا أن دعم الدول العربية الشقيقة لمصر، كان له عامل كبير في مقدرة مصر علي اتخاذ هذه القرارات، لذلك والحديث مازال ل«عبده» فإن قرار إرجاء عودة التفاوض مع الصندوق لما بعد انتخاب مجلس الشعب هو قرار جيد، ولن يؤثر علي وضع الاقتصاد المصري الحالي. وأضاف رئيس المنتدي الاقتصادي المصري أن الخطط التي تم عرضها حاليا من قبل الحكومة حول تخفيض عجز الموازنة، وتحقيق حد أدني من العدالة الاجتماعية والتي سيتم تحقيقها علي أربع مراحل خطة جيدة، ولكن الالتزام بتطبيقها وفقا للجداول الزمنية المحددة لها، هو الأهم، وهو الضامن الوحيد لخروج مصر من أزمتها الحالية. الدكتور مجدي الششتاوي، المستشار الاقتصادي السابق بالولايات المتحدةالأمريكية، يرى أن قرض الصندوق له أهمية كبري لأنه يختلف عن أي قرض آخر، فهو يسمح بفترة سماح لا تتاح بالقروض الأخري، كما أن فوائده تكاد تكون معدومة، وشروطه ميسرة، مضيفا أن أي قروض تحصل عليها الدولة الآن تتحملها الأجيال القادمة، لذا يجب التدقيق جيدا قبل اختيار القروض التي نحصل عليها. ويضيف الخبير العالمي أن قرض الصندوق يحمل في طياته الكثير من الآليات والفرضيات التي تدعم وضع مصر الاقتصادي، بعيدا عن كونه عامل ضخ سيولة، قائلاً: إن الدول العربية التي تدعمنا الآن وتقدم لنا مساعدة كبيرة لن تستمر في تقديم هذه المنح والمساعدات طويلا، لذا يجب أن نسترجع ثقة المؤسسات المالية العالمية في اقتصادنا لنجذب الاستثمارات العالمية، ونمنح الثقة في التعامل معنا، وهذا ما يوفره لنا حصولنا علي قرض صندوق النقد. ويشير « الششتاوي» إلي أن الصندوق لا يمنح قروضه إلا بعد الاطمئنان علي الوضع الاقتصادي للدول التي يمنحها هذه القروض، فهو يحتاج إلي ضمانات لإمكانية سداد هذه القروض في المستقبل، وإلا تعرض هو نفسه لمخاطر، مضيفاً أن الأوضاع الاقتصادية الحالية في مصر ليست مستقرة علي كافة القطاعات، وحصولنا علي قرض الصندوق هو الضمانة الوحيدة التي أمامنا لكسب ثقة العالم في سياستنا الاقتصادية، وبالتالي نتحرك بخطي سليمة وصحيحة نحو التقدم والخروج من الأزمة الحالية.