فى إطار دعم ومساندة الوفد للمشير عبد الفتاح السيسى رئيسًا، لا ينبغى أن يقتصر الحديث حول ما قدمه الرجل وبات بموجبه مستحقًا لنيل محبة الملايين فى كافة ربوع الوطن، فليس فى ذلك ما يمثل دعمًا حقيقيًا يستند إليه السيسى متى بدأت مسئوليته ومارس عمله كرئيس لمصر. فلا شك أن حب الملايين للسيسي، حب مُبرر، وله منطقه الذى لا ينكره عليه أحد، وربما لم يكن الرجل من الساعين فى هذا الاتجاه، قدر ما وضعته الأقدار أمام مسئولية تاريخية، أنجز منها الجزء «الأقل»، وبقى عليه النهوض بأعباء ضخمة، متى تولى مسئولية قيادة مصر. فليس من شك أن مصر، بأوضاعها الراهنة، ليست هى التى تركها نظام مبارك، وليست كذلك ما بقى من حكم الإخوان، بل هى نتاج ثورة شعبية عارمة اندلعت فى الخامس والعشرين من يناير، وفرضت حضورها على المشهد مرة أخرى فى الثلاثين من يونيو، تأكيدًا على صدق العزم والإصرار على تحقيق مطالبها فى بناء دولة ديمقراطية حديثة؛ ومن ثم فإن الرئيس القادم، ليس أمامه إلا تجسيد ذلك، وليس له أن يتراجع بأحلام الثورة تحت وطأة أى ضغوط، سواء من الداخل أو الخارج. ولعل أكبر التحديات التى سيواجهها السيسى رئيسًا، ما يمكن حصره فى مواجهة محاولات عودة الأنظمة التى أسقطتها الثورة، فى الخامس والعشرين من يناير، وفى الثلاثين من يونيو، على حد سواء. وهى محاولات ستتخذ لنفسها طرقًا شتى، وأدوات متعددة، ساعية فى اتجاهات متباينة. فى هذا السياق، لا ينبغى لنا أن نخلط بين حقوق المواطنة، وحقوق الشعب فى حماية ثورته، وما رتبته له من مكتسبات، هى بالأساس ملك للأجيال القادمة، دونها تنحصر التركة الملقاة إليهم فى جوانب سلبية، لا نستحق بموجبها بعض السطور البيضاء فى كتب التاريخ المستقبلية. وفيما يتعلق بعودة جماعة الإخوان، فقد باتت بعيدة المنال، عصية على كل وسيط يسعى بين الشعب وقاتله؛ ومن ثم لا يتبنى الحاكم نهجًا ثوريًا إذا ما عمد إلى إعادة الجماعة إلى المشهد السياسي، فدون ذلك مراجعات واجبة، ولسنوات طويلة، تتيح لهم موقعًا بين صفوف الرأى العام أولًا قبل أن تسمح لهم بالتفاوض مع القائمين على إدارة شئون الدولة، ولعل فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، ما يبرهن على قدر ما يحوزونه من قناعات فى المجتمع المصري. أما نظام مبارك الفاسد، المنتشى بسقوط الإخوان وقد عدهم، زورًا وكذبًا، نتاج ثورة يناير المجيدة، وما هم إلا صنيعة فساد نظام مبارك، فقد حكم نحو ثلاثة عقود، مرت طويلة رتيبة دون حركة فى الاتجاه الصحيح صوب بناء نظام ديمقراطى حقيقي، وهو ما يعد اللبنة الأولى والأساسية فى طريق كل تنمية مستدامة، على الصعيدين الاقتصادى والاجتماعي، فماذا بقى لدى هؤلاء من «جهد وطني» يمكن أن يدفع بالوطن إلى الأمام؟!، لا شئ بالفعل فى حوزتهم سوى مصالحهم التى باعدت الثورة بينهم وبين إنمائها على حساب الشعب، وهو ما ينبغى أن يؤكد الرئيس القادم على القضاء عليها تمامًا، وبالتالى لا يصح استمرار إتاحة «الفرصة» أمام رموز هذا النظام، بدعوى أن الوطن فى حاجة إلى مشاركة كافة أبنائه، استنادًا إلى «كراهة» نهج الإقصاء الذى اتبعه الحكم الإخوانى. فحقيقة الأمر أن الوطن لم يعد فى حاجة إلى خطوات مترددة، تتأرجح بين مختلف مكونات المجتمع بحثًا عن مناخ، قد يظنه الحاكم، مريحًا إذا ما خلا من المعارضين، والطامعين؛ ومن ثم فإن الرغبة فى احتواء الكل فى طيات الحكم، ما هى إلا درس تاريخى ثبت فشله. فليست الأمم تنهض باتفاق بين مكوناتها، وبينهم الطامع والخائن والفاسد، قدر ما تتقدم الدول بإعلاء شأن ما تملكه من قيم سياسية متحضرة، تتسق بها وطبيعة المتغيرات الجذرية التى طالت المجتمع الدولى المعاصر، الأمر الذى يتأكد بإعمال المعايير المتعارف عليها فيما سبقنا من تجارب ديمقراطية ناجحة، دون النظر إلى ما قد يتصوره البعض، أو يسعى البعض إلى تصويره، باعتباره استبعادًا لبعض مكونات المجتمع المصري، فليس الأمر إلا عملية فرز وطني، وفق معايير وطنية موضوعية، نُعلى بها من شأن المبادئ الثورية التى نادت بها الملايين، بوصفها المالك الحقيقى للثورة، وما الرئيس القادم إلا خادمها. «الوفد»