ما بين الحين والآخر أجدنى مدفوعا إلى الجنوح تجاه ما يحدث فى افريقيا والحروب الخفية بين القوى الاستعمارية الجديدة للاستيلاء على مقدرات تلك القارة البكر، لنهب ثرواتها لذلك فهى مسرح للصراع والتنافس الدولي بين القوى الكبرى المتمثلة في الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول الاتحاد الأوربي، بالإضافة إلى اللاعبين الدوليين الجُدد مثل الصين وإسرائيل ورغم أن معظم المحللين يرون ان فرنسا خارج تقسيم التورتة الافريقية إلا أن ما حدث فى ليبيا ومالى يؤكد أنها ما زالت تزاحم القوى الأخرى لالتهام جزء من الثروة الافريقية. ويستوقفنى «الهجوم الساحر»، أى القوة الناعمة المتزايدة لبكين للحصول على نفوذ سياسى واقتصادى فى القارة، فالصين التزمت بمساعدات ومشاريع تنمية فى أفريقيا قيمتها 75 مليار دولار. وفى السنوات الأخيرة امتلأت مكتبات العالم بعناوين عن أفريقيا رسمت الخطوط الخفية لتلك الصراعات الدولية التى تتخذ كل الوسائل والسبل للسيطرة عليها وفى ظل ما يحدث الآن وجدتنى ارجع الى كتب: مجازر.. الحروب السرية للقوى الكبرى في أفريقيا للمؤلف: بيار بيان، وكتاب النفط والدماء.. الاستراتيجية الأمريكية تجاه إفريقيا للباحثة د. نجلاء مرعي، وكتاب صعود الصينوالهند في إفريقيا للكاتب سيريل أوبي، لعلى أفهم ما يدور! فالطريف أنه بينما تقوم الحكومة الصينية بنشر معلومات قليلة جداً عن أنشطتها فى مجال المساعدات الخارجية وخاصة افريقيا من منطلق انها أسرار دولة، نجد أن ثمة اتفاقا بين صناع السياسة فى الولاياتالمتحدة على أن إفريقيا تحتل موقعا مهما فى منظومة المصالح الأمريكية فى العالم فهذه القارة تملك معابر تجارية وموانئ بحرية مهمة على المحيطين الهندى والأطلنطى، مما يجعلها منطقة مهمة للولايات المتحدة تمارس فيها عمليات توسيع انتشارها العسكرى الذى يمثل إحدى أدوات القوة الأمريكية عالميا. هذا بالإضافة لوجود ثروات تعدينية ومواد خام بأنواعها المختلفة (نفط، كوبالت، نحاس، ذهب الخ)، تمثل مطمعا للشركات الأمريكية، فضلا عن وجود أسواق إفريقية كبيرة ناشئة تصل إلى 750 مليون نسمة أمام حركة التجارة والاستثمارات الأمريكية، كما أن هناك ارتباطا ثقافيا وتاريخيا وسياسيا بين السود الأمريكيين والأفارقة، حيث يوجد ما يقرب من 30 مليون ناخب أفرو أمريكى، ومن هنا فإن القارة حاضرة بقوة السياسات الأمريكية، وقد كان لا بد أن يكون للسودان حظ من هذا الاهتمام الأمريكي الذي يتضح في التدخل السافر، وإثارة النزاع داخل المنطقة كوسيلة للسيطرة والتحكم المستقبلي في البترول، وخصوصًا أن التنافس على أشده على المصالح البترولية في غرب إفريقيا بين الهندوالصين، كما أن الفترة التي شهدت اتفاق ماشاكوس عام 2002م تمثل حالة تطبيقية للتدخل الأمريكي في السودان لحل مشكلة الجنوب، بهدف السيطرة على النفط السوداني في هذه المنطقة، وتفاقم أزمة دارفور في السودان ودور الولاياتالمتحدة فيها، وخصوصًا أن الاهتمام الأمريكي بها ليس للأوضاع الإنسانية، وإنما ينصب على المواد الخام، واتخاذ هذه الأوضاع كذرائع واهية تمهّد لها السبيل للتدخل والسيطرة على البترول في هذه المنطقة، وصولاً إلى انفصال جنوب السودان باعتباره محصلة من محصلات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه السودان . على الجانب الآخر نجد سياسة إسرائيل فى أفريقيا تتركز على الحصول على نصيبها من المياه الموزعة بين مصر ودول حوض النيل والمياه التي تستفيد منها مصر بنسبة كبيرة هي السبب الحقيقي وراء الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة التي تجاور السودان شرقا وخاصة أوغندا التي تتقاسم معه حدودا مشتركة تبلغ 435 كم. من المعلوم أن إسرائيل توفر السلاح للدول الإفريقية بالإضافة إلى التدريب العسكري، وتفيد الخبرة التاريخية أن إسرائيل تتعامل مع الأشخاص الأفارقة وذوي النفوذ أو الذين لهم مستقبل سياسي فاعل في بلدانهم. ولعل حالة الرئيس الكونغولي الراحل موبوتو سيسيكو تطرح مثالاً واضحاً؛ فقد تلقى تدريباً إسرائيلياً، ثم أصبح رئيساً للدولة بعد ذلك بعامين. ومن المعروف أن إسرائيل تلعب دوراً غير مباشر في صراع المياه بين دول حوض النيل استفادت من نفوذها الكبير في دول مثل إثيوبيا وكينيا ورواندا.. فإسرائيل ومنذ نشأتها تتعامل مع قضية المياه من منطلقات جيو سياسية، فأطماعها تعدت مياه النيل ولان الصين تميل الى النهج البرجماتى لذلك خلقت عداء قويا مع الدول الأوروبية وأمريكا، فى ظل سيطرة الصين على الحكومات الأفريقية، حتى إن الدول الأوروبية اعتبرت أن الحكومة الصينية تنافسها من خلال الرشوة والفساد، وانتهاك المعايير الدولية، بينما بدأت الولاياتالمتحدة تستشعر الخطر الصينى على مصالحها فى القارة. فى نفس الوقت نجد تنافسًا محمومًا يدور بين الصينوالهند على التواجد فى قارة أفريقيا والاستفادة من الموارد الطبيعية، والفوز بعقود تنفيذ مشروعات البنية التحتية العملاقة هناك.، والحصول على إمدادات الغاز والنفط الإفريقية الكامنة فى السودان. وللاسف ان تلك الدول على استعداد أن تفعل أى شئ من أجل هيمنتها على أفريقيا وظهر هذا جليا مع ما فعلته الولاياتالمتحدة تجاه النزاع القائم بين الصومال وإثيوبيا، في أغسطس عام 1980م، بمعاهدة تسمح للقوات الأمريكية باستخدام المرافئ والمطارات في الصومال مقابل مساعدة اقتصادية، وعسكرية بقيمة 40 مليون دولار، والتدخل في النزاع في السودان و في موزمبيق وكينيا للسيطرة على شرق أفريقيا. والتدخل في النزاعات القبلية في رواندا وبورندي للسيطرة على منطقة البحيرات..ففى افريقيا لا صوت يعلو فوق صوت المصلحة، ومن أجلها كل شىء مباح من اللعب بالبيضة والحجر الى سفك دماء ملايين الابرياء.