٫ عانت القارة السمراء من مختلف أنواع الاستغلال والفقر والتهميش وذلك علي الرغم من امتلاكها كافة المقومات الأساسية التي تؤهلها للعب دور أكبر علي الساحة العالمية فموقعها الاستراتيجي وسط قارات العالم وتحكمها في طرق الملاحة للتجارة الدولية جعلها محل صراع بين الدول الكبري منذ عقود خاصة في الحقبة الاستعمارية الأوروبية كمناطق للنفوذ بين كل من المملكة المتحدة وفرنسا، وما تلا ذلك من صراع بين كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا ومحاولات واشنطن الحثيثة لوقف المد الشيوعي بتلك المنطقة آنذاك إلا أن هذا الصراع قد انحسر بعد انهيار المعسكر الشرقي وظهور الصين كمنافس اقتصادي وتجاري. أدت الصراعات التجارية بالإضافة إلي دور الصين المتنامي في أفريقيا إلي تبادل الاتهامات بين الولاياتالمتحدةوالصين ، حيث تتهم الولاياتالمتحدةالصين بأنها تمارس استعمارا من نوع جديد في القارة السمراء، وأن الصين تقدم مساعدات بمليارات الدولارات إلي أنظمة تقوم بانتهاكات حقوق الإنسان وذلك مقابل حصولها علي موارد الطاقة، واتهمتها وأنها تقوم باستغلال الموارد الطبيعية للبلدان الأفريقية دون أن تنقل إليها التكنولوجياالحديثة علي التوازي، وقد نفت الصين تلك الاتهامات وقالت إنها تهدف إلي مساعدة أفريقيا عبر تعزيز قدراتها علي تحقيق التنمية الذاتية وأن تجارتها قائمة علي تحقيق المصالح المشتركة لكلا الطرفين وأنها لا تقوم بالتدخل في الشئون الداخلية للدول التي تستثمر الشركات الصينية. التنافس الدولي ويري الدكتور محمود أبو العينين أستاذ العلوم السياسية والعميد السابق لمعهد البحوث والدراسات الأفريقية -جامعة القاهرة - أنه في الفترة الأخيرة فترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة نجد أن هناك نوعا من التكالب الدولي الجديد علي أفريقيا سواء من الجانب الغربي أو من الجانب الشرقي أيضا وأن هناك عدة عوامل اججت هذا التكالب، العامل الأول هو أحداث 11 سبتمبر 2001 الذي أدي إلي بلورة استراتيجية أمريكية لقيادة العالم ضد الإرهاب بما في ذلك أفريقيا والعامل الثاني الأوضاع في القارة الأفريقية ذاتها والتي تفجرت فيها الصراعات الداخلية والحروب الأهلية مما شكل بنية خصبة للتدخلات الاجنبية وأخيرا مصادر الطاقة من بترول وغاز حيث دخلت أفريقيا مع الألفية الجديدة عصر إنتاج وتصدير البترول بكميات كبيرة ومؤثرة فأصبح لدينا أكثر من 20 دولة أفريقية تنتج وتصدر البترول والغاز فهذه هي العوامل الرئيسية التي شجعت علي المنافسة العالمية علي أفريقيا خاصة في مجال الطاقة والموارد والأسواق. كما أشار إلي التنافس بين القوي الدولية الرئيسية ونقصد الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وبعض القوي الآسيوية الأخري كالهند وغيرها فعلي سبيل المثال في ظل قانون الأجواء (قانون الفرص والنمو الأفريقي) وتعديلاته ازداد حجم التجارة الأمريكي مع أفريقيا حيث نما حجم التجارة من 37.5 مليار دولار عام 2001 إلي 125مليار دولار عام 2011 ثم قفز مابين عام 2011 و2012 إلي 150 مليار دولار النسبة الأكبر منها تتركز علي البترول والغاز أما بالنسبة للصين فقد ركزت علي النفط فيما عرف بدبلوماسية النفط الصينية فالطلب الصيني علي النفط يشكل 40 % من حجم الطلب العالمي وأيضا تضاعف الطلب في أفريقيا علي المواد الأولية المعدنية كالألومنيوم والنحاس والنيكل والحديد حيث تفرد الصين استثمارات كبيرة في أفريقيا لهذه المواد. وفي خضم هذا التنافس بدأت الولاياتالمتحدة تضع استراتيجيات للسيطرة علي المناطق الرئيسية للبترول في افريقيا مثل خليج غينيا الذي يطلق عليه جنة البترول وبدأت منذ فبراير 2007 تخصص قيادة عسكرية خاصة بأفريقيا من أجل حماية مصالحها وهي «الأفريكوم» وبدأت التوجيهات لوزير الدفاع الامريكي لتفعيلها ابتداء من 2008 بالتشاور مع الدول الأفريقية وتحويل مقرها الراهن من شتوتجارت في ألمانيا إلي مكان آخر داخل أفريقيا كما بدأت بتطوير مناطق عمليات الحرب علي الإرهاب وخاصة في منطقتي القرن الأفريقي والساحل الأفريقي. وبطبيعة الحال نجد أن الولاياتالمتحدة تنظر إلي الصين علي أنها منافس خطير وتمثل تهديدا لمصالحها في العالم بأكمله وفي أفريقيا بصفة خاصة فهناك عدة أسباب ترجح التفوق الصيني علي الولاياتالمتحدة في أفريقيا بصفة خاصة من بينها أنها تعد دولة من دول العالم الثاني، كما أنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية ولا تعرض مشروطيات مثل الولاياتالمتحدة حينما تقدم المساعدات والمنح ثالثا أنها تشارك بقوات لحفظ السلام في مناطق النزاع الأفريقية علي عكس الولاياتالمتحدة رابعا أن العلاقات الصينية الأفريقية تسير وفقا لتوصيات المنتدي الصيني الأفريقي الذي يسمح للدول الأفريقية بعرض طلباتها وانتقاداتها كل عامين علي الجانب الصيني وذلك علي عكس الولاياتالمتحدة. وأضاف أن التنافس الصيني الامريكي علي أفريقيا في ظل عدم وجود إرادة أفريقية مشتركة تفرض علي الجميع احترام استقلال القارة وتكاملها ووحدتها ومصالح شعوبها فسوف يكون التكالب والتنافس علي حساب أفريقيا وليس لصالحها كما يمكن أن يكون مقدمة لإعادة استعمار القارة. علامات استفهام فيما يري الدكتور إبراهيم نصر الدين أستاذ العلوم السياسية بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة أن الحديث عن تنافس بين الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية من جهة وبين الصين من جانب هو غير حقيقي ويوجد عليه علامات استفهام كثيرة لأنه في فترة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي كانت الصين تصنف الاتحاد علي أنه العدو رقم واحد بما يعني أنه كان ثمة تنسيق بين الصينوالولاياتالمتحدة لمواجهة الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت وهذه المواجهة تمت علي أراضي أفريقيا، فمعظم حركات التحرير التي ساندتها مصر والاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت قامت الصين وبعون أمريكي بشق هذه الحركات الوطنية، حيث خلقت من الحركات الأم حركات أخري تقوم بالاقتتال فيما بينها، أما في الوقت الراهن فنجد أن الصين كانت موجودة بقوة ولها نفوذ في السودان فهل اتخذت حق النقض « الفيتو» ضد القرارات التي أصدرتها الولاياتالمتحدة في مجلس الأمن ضد الرئيس البشير ؟ كما أن الصين هي التي تنفذ معظم المشروعات في أثيوبيا من بنية أساسية وأثيوبيا تخضع في نفس الوقت للمظلة الأمريكية وبدون دعم الولاياتالمتحدة للنظام هناك سيسقط لذا فإن كل مايجري داخل أثيوبيا من نفوذ صيني هو بموجب الموافقة الأمريكية. المصالح المشتركة كما أن الصين قامت بشراء ما قيمته 3 تريليونات دولار من سندات الخزانة الأمريكية وهذا يعني أن الصين تشكل سندا قويا وأساسيا لاقتصاد الولاياتالمتحدة ولو قامت بسحب هذا المبلغ من الممكن أن ينهار الاقتصاد الأمريكي فالصين تنسق طوال الوقت مع الغرب بعيدا عن الضجة الإعلامية المثارة عن انتقادات الولاياتالمتحدة وأوروبا للصين لدعمها أنظمة لاتحترم حقوق الإنسان فالصين تعمل لتحقيق مصالحها دون تصادم مع الولاياتالمتحدة وهي تعمل أيضا علي إنشاء البنية الأساسية. كما أوضح أن الصين لايوجد لديها بعد سياسي في تعاملها مع القارة الأفريقية بمعني أنها تتعامل مع كل النظم فلا مانع لديها أن تتعامل مع أنظمة ديكتاتورية أو تلك التي تمر بمرحلة تحول ديمقراطي والذي يعني الصين في ممارساتها أنها تريد أن تصبح قوة اقتصادية كبري، أما المسألة السياسية فهي مؤجلة لما بعد.