ما هو تعريف الأمن القومي المصري؟، هل هو تأمين الحدود الجغرافية أو الحدود الاستراتيجية؟، هل هو تأمين حياة كريمة آمنة للمواطن؟، هل هو وضع مصر على خريطة العالم؟. قبل التورط في تحديد تعريف مبسط أو معقد لمفهوم الأمن القومي، خاصة في ظل العولمة التي نعيشها، وانتقال المعلومات في ثانية عبر القارات والدول، هناك بعض الأسئلة يجب طرحها، أول هذا الأسئلة وأهمها: ما هو الحجم أو الصورة أو المكانة التي نريدها لدولتنا؟، هل نرغب في دولة ذات سيادة لا تعتدي ولا يعتدي عليها؟، هل نريدها تلعب دورا إقليميا أو دورا قاريا أو عالميا؟، هل نريدها رائدة وقائدة أم دولة ظل تحتل الدرجة الثانية أو الثالثة؟. السؤال الثاني في الأهمية، والذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالأول: ما هي قدراتنا البشرية والجغرافية والاقتصادية؟، هل الاقتصاد يساعد واعتماد الدولة علي ذاتها؟، هل الاقتصاد يوافق حجم الدولة المرتقب أو المأمول؟. أغلب تعريفات الأمن القومي القديمة ارتبطت بشكل أو بآخر بقدرة الدولة على حماية حدودها، وتأمين حاكمها ونظامه، فقد كان ومازال البعض ينظر للأمن القومى بأنه حماية جغرافية الوطن داخليا وخارجيا، والحاكم الذى ينجح فى حماية أمن بلاده هو الذى يحافظ على حدودها من العدو الخارجى وعلى كرسيه من المعارضين له، وقد أدى هذا المفهوم أو التعريف إلى قيام الحكام بفرض قيود على شعوبها باسم الأمن القومى، فقاموا بالحد من حرياتهم فى التعبير وفى المشاركة السياسية وفى تشكيل الثروة، وعاشت الشعوب خاصة فى العالم الثالث مكبلة بقيود لا حد لها تحت مسمى الأمن القومى. وبعد انتشار وسائل الاتصال شعر المواطن بأن الأمن لم يعد فى ردع الغازى الخارجى والمعارض الداخلى، بل إن الأمن الحقيقي هو أن تعيش آمنا اليوم وغدا، لا تشعر بالحرمان أو العجز أو الخوف فى بيتك وفى المدينة أو القرية التي تعيش فيها وفى وطنك، والأمان المقصود هنا هو توفير المسكن والعمل والطعام والتعلم والانتقال، والعلاج، والحماية، والعدالة الناجزة، وحرية التعبير، وحرية الاعتقاد، وحرية ممارسة شعائره الدينية، والمساواة.. الخ، وهذا بالطبع لا يتوفر سوى مع اقتصاد قوي ومع جيش وشرطة أقوي وفى ظل حكم ديمقراطي ودولة مدنية. وأكبر دليل على ذلك أن حجم الدولة ومكانتها على خريطة العالم أصبحت تقاس بمدى قدرتها على توفير احتياجات المواطنين من التعليم والمسكن والمأكل والعلاج والحريات .، وليس بقوة جيشها وشرطتها وأجهزتها الاستخباراتية فقط، فماذا يعنى أن تمتلك جيشا وجهاز أمنىاً وشرطة أقوياء وشعبك لا يجد قوت يومه؟، هذا يعنى فقط أن الحاكم حول البعض من شعبه لحماية كرسيه ودولته التى يحكمها، فقد تحول الشعب إلى مجموعة من العبيد، بعضها يحمى الحاكم من عدوه الداخلى والخارجي، والبعض الآخر يدعو الله خوفا ورعبا أن يبقى على الحاكم ويحفظه. والقدرات البشرية والجغرافية والاقتصادية والتعليمية لأى بلد أصبحت الركائز الأساسية التي يجب أن ننطلق منها لتحديد حجم الدولة، سواء في الوقت الراهن أو المستقبل، خاصة أن هناك فرقاً كبيراً بين الدولة التي تستورد التكنولوجيا وتعمل علي توطينها، وبين الدولة التي تنتج التكنولوجيا وتصدرها، والفرق واضح أيضا بين الدولة التي تنتج ثقافتها والدولة التي تعيش علي ما يجود به الغير، الأولي وضعت نفسها في خريطة العالم، والثانية غارقة في الظل والمعونة، الأولي تملي شروطها وتفرض سياساتها، والثانية ركنت في بيت الطاعة لكي تضمن قوت يومها.