بدء زي بدء لابد من توضيح مفهوم الأمن القومي، وتطوره، هل لمصر لاسيما بعد الثورة رؤية مُحددة له؟ أولاً: مفهوم الأمن القومي
في البداية كان مفهوم الأمن القومي يقتصر على البُعد العسكري، لذا كان يُعرف بأنه مُجرد حماية للدولة من أي تهديد أو عدوان على حدودها وأراضيها.
لكن مؤخرا طرأ على مفهوم الأمن القومي تطور ليُصبح يضُم كافة الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية والحضارية، والتقدم التقني والتكنولوجي..، لهذا أصبح مفهومًا منظوميًا يهدف بشكل أساسي إلى تحقيق التنمية الشاملة لكافة مُقدرات الدولة وثرواتها، وبالتالي حماية الدولة من الاختراق الأجنبي من أي اتجاه.
أن تبني الرؤية الأكثر شمولاً للأمن بأنه يبدأ من أمن المواطن،حيث توافر الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وتحقيق مستويات الرفاهة، ثم الانتقال لمستوى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة لضمان تنمية قدرات ومُقدرات الدولة وهو ما يُحقق تأمين المستوي الأول والثاني السالف ذكرهم، أصبح هذا هو التعريف الإجرائي والعملي والاستراتيجي لمفهوم الأمن القومي الآن للدول المُتقدمة.
وإجمالاً في هذه النقطة يمكن القول أن الأمن القومي كمفهوم تطور فأصبح لا يقتصر على الجانب العسكري فقط، وأصبحت الدول ترى أن أمنها القومي يبدأ من تأمين قيمها وحضارتها وثقافتها المجتمعية من الاختراق، وتحقيق أمن المواطن، وتحقيق التنمية الشاملة المُستدامة كضمانة لفعالية الأمن القومي، علاوة على حماية الوطن وحدوده من العدوان والاختراق، ويعزى هذا التطور لعدة أسباب منها:
• أن الأزمات والمشكلات الدولية المُعاصرة أصبحت يغلب عليها الطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والتكنولوجي .
• تراجع صور الاستعمار والهيمنة والحروب في شكلها العسكري لصالح الهيمنة الاقتصادية والثقافية لاسيما بعد العولمة التي ربطت العالم وجعلته قرية صغيرة.
• اهتمام المجتمع الدولي بالفرد، وإعلاء قيمته وأمنه حتى أن مفهوم الأمن الإنساني أصبح من أهم المفاهيم على الساحة الدولية.
• لقد تطور مفهوم الأمن القومي حتى أصبح يرتبط ارتباط وثيق بالأمن الإنساني.
ثانيًا: هل لمصر لاسيما بعد ثورة 25 يناير رؤية خاصة لمفهوم الأمن القومي المصري؟
للأسف لا، وكأن مُفترضًا أن توضح مؤسسة الرئاسة مفهوم الأمن القومي المصري بعد الثورة، وأبعاده، وحدوده ، واستراتيجيات تحقيقه على كافة الأبعاد والمُستويات، وآليات ضمانه وحمايته.
بمعنى أخر، لم يتضح حتى الآن ما إذا كانت مصر الثورة تتبني المفهوم الواسع أم الضيق للأمن، لاسيما في ظل السياسات المُتعددة التي تُقلل الدعم عن الفئات الفقيرة والأكثر فقرًا والمُهمشة، و في ظل ارتفاع الأسعار ونسب التضخم، وتدهور سعر صرف الجنيه المصري. فهل بذلك وضوح لتبني مصر الثورة مفهوم الأمن القومي بصورته الواسعة الذي يبدأ بالتركيز على أمن المواطن ....؟ هل واضح ما هي المُهددات للأمن القومي؟، هل هناك خريطة واضحة لمن الشركاء والحلفاء ومن الأعداء ؟
عدم وضوح الرؤية يُعني عدم وجود خريطة واضحة للأمن القومي المصري بعد الثورة وهذه كارثة.
ثالثًا: ما هي المهُددات والفرص الحالية للأمن القومي المصري؟
ليس بإمكان أي خبير استراتيجي أن يقوم بمفرده برسم خريطة توضح مُهددات أمن قومي لوطن،بل يتم رمسها من خلال فريق مُتكامل من الخبراء المُتخصصون في كافة الأبعاد والتخصصات المُختلفة للأمن القومي، تتضافر أرائهم وأفكارهم وتحليلاتهم لرسم خريطة منظومية مُتكاملة لمُهددات الأمن القومي المصري.
وبالتالي جاء اقتراحي بضرورة تشكيل مجلس الأمن القومي كمؤسسة مدنية مصرية تهتم بصياغة وتحديد مفهوم الأمن القومي المصري ورسم خريطة للمُهددات والفرص و نقاط القوة والضعف، ووضع رؤى لآليات تخفيف ومقاومة المٌهددات و تفعيل واستغلال نقاط القوة لضمانه وفعالية الأمن القومي المصري.
وعن التصور لأهم مُهددات الأمن القومي المصري الآن فتتمثل عندي في:
• علي الصعيد الداخلي، تتمثل هذه المُهددات في: تدهور الأوضاع الاقتصادية، ومخاطر الفتنة الطائفية، الاحتقان والعنف السياسي، ضياع هيبة القانون وسيادته ونفاذيته، الانفلات الأمني، والفراغ المؤسسي.
• وعلى الصعيد الخارجي، تتمثل هذه المُهددات في: تخبط السياسة الخارجية المصرية وعدم وضوح من هم الحلفاء والشركاء ومن هم المنافسون للدور المصري في المنطقة.
وختاماً، يمثل هذا التحليل المتواضع جزء من مشروعي المقترح عن الأمن القومي المصري والذي يتم طرحه في هيئة محاضرات أكاديمية لطلاب الجامعات برعاية وزارة الشباب وأسال الله التوفيق.
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أوالقائمين عليه