«دمية حمراء وعدد من الصور التذكارية»، هذا ما تبقى ل «نسمة» من بناتها الثلاث اللاتي لقين حتفهن حرقاً داخل غرفة نومهن في قرية الواصفية بالإسماعيلية..مأساة إنسانية في قرية مصرية أبطالها زوجة شابة وزوجها في العقد الثالث من العمر فقدوا بناتهم الثلاث بين عشية وضحاها حرقاً، وبقي الطفل الرابع يصارع الموت.. مأساة تعكس الأوضاع المتردية والحرجة التي طفت على السطح بسبب انقطاع التيار الكهربائي.. مأساة أبطالها بسطاء فقدوا أعز ما يملكون والأجهزة التنفيذية في المحافظة لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم. (علا 10 سنوات.. وعلياء 9 سنوات.. وحبيبة 5 سنوات) أصغر ضحايا لأزمة الكهرباء التي يعاني منها الشعب المصري.. قتلوا في حريق ناتج عن ماس كهربائي بسبب تعدد فترات انقطاع التيار الكهربائي فصهر اللهيب أجسادهن النحيلة وأحرقت النيران جلودهن الناعمة.. هكذا عبر أهالي العزبة وهم يروون مأساة الأسطى خالد الحلاق وزوجته نسمة. «كراسات وشنط الأطفال مبعثرة على أرضية المنزل المحترق، أثاث متفحم قضت النيران عليه، جدران اكتست بالأسود بعدما التهمتها النيران»، هذا حال المنزل البسيط لم يستطع أن يقاوم لهيب النيران لبنائه البدائي من الطوب الأبيض وسقفه المصنوع من سبايت القش. عيون زائغة لا تهدأ لحظة ودموع متحجرة تأبى أن تنهمر وهي تروي لنا تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة أطفالها.. أثار الحروق مازالت بارزة على كف الأم وعلى أنحاء جسدها لا تؤلمها قدر ما يؤلمها أنات طفلها الرضيع «علي» الذي يعاني من الحروق هو الآخر ومحتجز بأحد المستشفيات الحكومية بمدينة المنصورة وقلبها المفتور على بناتها الثلاث.. وبصعوبة بالغة قالت: «كانت الساعة الثامنة مساء وكانت الكهرباء في هذا اليوم انقطعت عدة مرات ووقتها قمت بإطعام أطفالي الأربعة وجبة العشاء وقامت علياء وعلا – بناتها – بتجهيز حقائب المدرسة على ضوء الشمعة بعدما فشلتا في إعداد الواجب المدرسي بسبب قطع الكهرباء وخلدا إلى النوم داخل غرفتهما.. وبعد أن اطمأننت عليهم قمت بالخروج إلى محل بيع الحلويات الصغير المجاور للمنزل لأباشر العمل به، وبعد نحو 10 دقائق من تركي للأطفال استنشقت رائحة حريق، وشاهدت الدخان يتصاعد وعندما هرولت إلى منزلي فوجئت بالنيران تخرج من سطح منزلي وظللت أصرخ حتى تجمع الأهالي وحاولوا أن يقوموا بكسر باب المنزل ولكنهم فشلوا، فقمت بالصعود أعلى المنزل وقمت بكسر سقف غرفة أطفالي المصنوعة من الخشب وحاولت إنقاذهم». لم تستطع «نسمة» أن تكمل مشهد عثورها على أطفالها محترقين لأنها طبقاً لرواية الجيران سقطت مغشيا عليها.. لكن ساعات بعد نقل الأطفال الأربعة إلى المستشفى لفظت «علا» 10 سنوات، أنفاسها الأخيرة وتم تشييع جثمانها ظهر اليوم التالي، وأثناء تشييع الجنازة جاءهم خبر وفاة الشقيقة الثانية «علياء» 9 سنوات، وتم بالفعل تشييع جنازتها عصر ذلك اليوم، وبعد خمسة أيام تقريباً لحقت الابنة الصغرى «حبيبة» 5 سنوات بشقيقاتها.. ومازال الابن الأصغر «علي» عامان ونصف العام، محتجزاً بالمستشفى يعاني من حروق متفرقة بالوجه والقدم والبطن من الدرجة الأولى والدرجة الثالثة. وتقول الأم: «البلد ده مبيروحش فيها غير الغلابة.. المستشفى رفضت استقبال أولادي بحجة أنه لا يوجد مكان لهم وتم تحويلهم لمستشفى بورسعيد العام ورغم ذلك مات أولادي.. وأقوم شهرياً بدفع 80 جنيهاً فاتورة الكهرباء على تليفزيون وثلاجة متهالكين في المنزل ويقطع علينا الكهرباء لساعات، وفي النهاية يموت أولادي بسبب الكهرباء».. وقالت: «لا تقطعوا الكهرباء عنا فهناك أطفال يقتلون بسبب ذلك وأنتم لا تشعرون، وعندما سألتها عن حالة علي الصحية وضعت رأسها على وسادتها وقالت مفضلش غيره ادعوا لي يفضل باقي لي». «ليلة مظلمة لم يقطعها سوى لهيب النيران المنبعث من منزل خالد زوج نسمة»، هكذا كان لسان حال الجيران وهم يروون تفاصيل هذه الليلة التي استمر فيها انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة زوجة خال نسمة، تقول: «الكبير والصغير بكى على الأطفال الثلاثة، جنازات مهيبة شهدتها القرية في تشييع جثامين الفتيات الثلاث اللاتي ماتوا تباعا متأثرات بجروحهن».. وقالت: «ارحمونا من انقطاع الكهرباء الغلابة بس هم اللي بيدفعوا ثمن أزمة الكهرباء».. وأكدت جارة أخرى أن الكهرباء في هذه الليلة انقطعت لأكثر من ثلاث مرات وفي كل مرة كان الانقطاع يتجاوز الساعة والنصف الساعة، وأكثر من ذلك.. وقالت: إن ماساً كهربائياً بسبب انقطاع التيار كان السبب وراء الحريق. ويقول حسن أحمد حسن، جار الأسرة المنكوبة: «إن التيار الكهربائي كان مقطوعاً وأن الأم كانت في الخارج وعندما عادت ظلت تصرخ وتقول ولادي جوه بيتحرقوا».. ويضيف: تمكن الأهالي من كسر سقف غرفة الأطفال، وقامت الأم بالقفز للداخل لإنقاذ أطفالها.. وأضاف: ظاهرة انقطاع التيار هنا في القرية تمتد يومياً لأكثر من خمس ساعات في فترة المساء دون مراعاة لأية ظروف.