قيمة إقامة المهرجانات فى الوقت الراهن فى مصر أنها تؤكد صلابة البلد فى مواجهة الإرهاب الأسود الذى يلاحق مصر من فترة لأخرى وما نتج عنه من استشهاد بعض جنودنا وضباطنا من أبناء القوات المسلحة أو الشرطة. لذلك عندما تحرص دار الأوبرا المصرية على إقامة مهرجان الفلكلور الثانى بدار أوبرا دمنهور، فهذا يؤكد أن أهل مصر جميعاً ضد الإرهاب ما عدا فلول التنظيم الإرهابى فهم فقط الخارجون عن وحدة الصف، وهذه هى الرسالة الحقيقية التى يجب أن يعيها الغرب، ويحسب للأوبرا بقيادة دكتورة إيناس عبدالدايم وفريق عملها حرصهم على إقامة حفلات ومهرجانات الأوبرا بشكل دورى ومنتظم بما يعكس أيضاً اهتمام الدولة بالفنون الرفيعة، وبما يؤكد للعالم أن كل ما يبثه الإعلام المدفوع الأجر ضد مصر غير صحيح وأن وجود مئات الأشخاص الخارجين علي القانون لن يرهبنا، وأن الدولة تسير بخطى ثابتة نحو استكمال مشروعها ونحو بناء دولة ديمقراطية هدفها المساواة بين الناس فى كل شيء بما فيها وصول الفنون الرفيعة للناس أينما يتواجدون. وما شهده مهرجان الفلكلور الثانى من اهتمام أهل البحيرة والمحافظات المحيطة، حيث كانت الحفلات كاملة أو فى بعض الأحيان اضطرت إدارة المهرجان لوضع مقاعد إضافية فى بعض الأيام لاستيعاب التدفق الهائل من الجماهير، اليوم الأول شهد حضور أربعة محافظين وهم محافظو الإسكندريةوالغربية وكفر الشيخ والبحيرة وعدد من القناصل يمثلون اليونان ولبنان وبريطانيا، وهذا الحضور يعكس أن الوطن مازال يقف على قدميه وأن الإرهاب لا يمثل قلقاً إلا لمرتكبيه لأنهم مطاردون من قبل الشعب كله. أيضاً قيمة اقامة مهرجان للفنون الشعبية يضم دولاً مختلفة جاءت تقدم تراثها الاستعراضى والغنائى تؤكد سعى الدولة نحو استيعاب هذا الفن الذى كاد يندثر بسبب إهماله، وجاء هذا المهرجان ليبرهن على أهمية أن ندعم هذا الفن، ونوفر لفرقنا التى تذهل العالم عندما تخرج له غطاء آخر من الأهمية تقدم من خلاله فنوننا. هذا المهرجان الثانى الذى اختتمت دورته مساء الخميس الماضى شهد بعض الفرق المصرية وأخرى أجنبية. من مصر شاركت أجمل ما فى هذه الفرق أنها تعكس الواقع المصرى بكل مفرداته فهى تقدم البيئة المصرية من مطروح والوادى الجديد والإسماعيلية، وبمجرد أن تشاهد إحدى هذه الفرق تشعر أن أعضاءها تشبهون أصدقاء لك من إحدى هذه المحافظات أو أنهم يشبهونك أو يشبهون قريباً لك لو أنك من إحدى هذه المحافظات فى زيها وغناها وحركتها وطريقة الكلام، وأحياناً تجد نفسك ترقص وتغنى معهم إن لم يكن فى العلن يكون من داخلك، وعندما تشعر بهذه الحالة بالتأكيد تكون الرسالة قد وصلت، ولهذا تجد أن معظم الفرق المصرية وصلت للعالمية، ولها جماهير فى بقاع كثيرة من العالم، بدليل كم الدعوات التى تصل لهذه الفرق، ومدى الإقبال عليها عند زيارتها لأى دولة. فى مهرجان الفنون الشعبية أو الفلكلور الثانى بدمنهور جاءت فى أول الأيام فرقة النيل للآلات الشعبية بقيادة الفنان الكبير عبدالرحمن الشافعى، وكما قلت هذه الفرقة تخاطبك بلهجة أهل مصر الأصليين فى الغناء الذى يذكرك بمحمد طه وجمالات شيحة وكل من ينتمون للون الشعبى فى الغناء، فرقة معجونة بطين مصر، تعتمد فى موسيقاها على الآلات الشعبية مثل الربابة والعفاطة والناى والمزمار والسلامية والطبلة والدف.. أما الأصوات فهى لا تشبه أحداً إلا أجدادنا الذين بنوا وزرعوا وحصدوا حتى أصبحت مصر دولة عظمى بتراثها، لذلك عندما تستمع لهم.. سوف تسبح بخيالك فى ريف مصر العظيم بين السواقى وجداول الماء والزرع الأخضر.. إنها الفطرة التى نشأنا عليها. ثم جاءت فرقة مطروح للفنون الشعبية فى اليوم الثانى لتقدم لك فلكلور الصحراء الغربية بعاداته وتقاليده فى الزواج فى رقصة «الفرح» وبالتين والزيتون والبطيخ والشعير أهم محاصيلها الزراعية فى رقصة «الحصاد»، بملابس عبارة عن الشنة والجرد والجلابية البيضاء التى تمثل الزى الرسمى لأهالى محافظة مطروح، وجاء غناء سلومة عبدالله مطرب الفرقة الأول منذ سنوات طويلة بلهجته البدوية على خلفية موسيقية بطلتها آلة «المقرونة» وهى إحدى آلات النفخ المصنوعة من الغاب.. والفرقة قدمت أداء استعراضياً جيداً يعكس تلك البيئة التى تمثل شمال غرب مصر والممتدة من غرب الإسكندرية حتى مدينة السلوم على حدود ليبيا. فرقة رضا شاركت فى ثالث أيام المهرجان، وشهدت إقبالاً جماهيرياً كبيراً جاء على خلفية تلك الفرقة العريقة التى تؤدى استعراضات تعكس احترافيتها فى الأداء، وهى تجمع كما هو معروف رقصات تمثل ربوع مصر مثل الحجالة وبحرى وتابلوه شرقى وآخر صوفى. إلى جانب هذا قدمت فرق الإسماعيلية استعراضات تعكس ثقافة مدن القناة على آلة السمسمية. واختتم المهرجان بالفرقة القومية للفنون الشعبية، وهى إحدى الفرق التى أرخت لتاريخ الفلكلور المصرى بكل ما يحمله من عبق، وهذه الفرقة دائماً فى حالة منافسة مع شقيقتها رضا، لكنك فى النهاية تشعر أن لكل منها شخصيته المستقلة بذاته حتى لو تشابهت بعض الرقصات. أداء الفرق المصرية بالفعل يؤكد أن مصر تمتلك تراثاً ثقافياً وفلكلور لا يمكن مقارنته بأى دولة أخرى على مستوى العالم، الفرق المصرية تبدو دائماً مختلفة لكل فرقة شخصيتها التى تكونت عبر سنوات طويلة من الإبداع الذى خلفه أجدادنا وآباؤنا، وهنا تكمن عظمة تلك الفرق فهى ذاكرة مصر الحقيقية، هى التى تذكرنا بالعادات والتقاليد وكيف كان يفكر المصرى عبر عصور مختلفة، ودليل عظمة مصر أن الفرق الأجنبية المشاركة، خاصة القادمة من مصر تقدم نموذجاً مختلفاً من الفنون الاستعراضية، لكن الموسيقى والآلات الشعبية والحركة الاستعراضية تبدو قريبة من بعضها إلى حد كبير، والفروق بينهم بسيطة جداً. من الخارج جاءت فرق «كونونا» من رومانيا، ومن بلغاريا فرقة «ديتستفو»، ومن الإمارات جاءت فرقة «فرسان المقابيل الحربية» وهى تقدم الشكل الاستعراضى البسيط ممزوجاً بغناء المجموعة، ومن العراق جاءت فرقة «نينوى». ما يؤكد أن رسالتنا وصلت إلى الغرب من خلال مثل هذا المهرجان الوليد أن مدير الفرقة البلغارية، واسمها «سلافا» أكدت أن الدعوة عندما وصلتها للمشاركة فى المهرجان تصورت أنها عندما تهبط من الطائرة على أرض مصر سوف تجد سيارات الجيش تملأ الشوارع كما صور لها الإعلام الغربى المضلل، لكنها اكتشفت أن الشوارع آمنة تماماً، وأنها كانت تسير من مقر إقامتها بالإسكندرية إلى مسرح سيد درويش بالإسكندرية على الأقدام، كما أنها عندما سافرت إلى دمنهور وجدت جمهوراً كبيراً حريصاً على مشاهدة العروض وشوارع مكتظة بالناس، وجماهير متعطشه للفن، بما يؤكد - حسب كلامها - أن الأوضاع فى مصر مستقرة إلى حد كبير. وعن سر اختيار أعضاء الفرقة من الاطفال علقت سلافا: «نحن نزرع في نفوس الطفل تقاليدنا وعاداتنا من خلال الرقص والغناء التقليدي الفلكلورى، وهنا يخرج الطفل طاقاته من خلال الفنون بدلاً من أن يتجه فيما بعد للمخدرات».. وأضافت: هدفنا بناء إنسان ومواطن صالح ينفع نفسه والمجتمع.