منذ عشرات السنين وقطاع الغزل والملابس الجاهزة من أوضاع متردية لم تفلح جهود الحكومات المتعاقبة في إصلاحها وكأن أوضاعها المتدنية استعصت على الحل.. التقيت المهندس عبد الغني الأباصيري عضو غرفة الصناعات النسيجية ونائب رئيس جمعية مستثمري 15 مايو.. شخصية متزنة يعلو صوتها دائما في الحق، يتمتع بسمعة طيبة في الوسط الصناعي، أعرفه منذ عشر سنوات ولم ألحظ عليه ذات مرة أنه يتحدث عن مشاكل مصانعه وينصب كل حديثه دائما حول أوجاع الاقتصاد والصناعة المصرية بصفة عامة وصناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة بصفة خاصة، يرى أن الفلاح هو عصب الزراعة خاصة القطن، وأن حقوقه لاتزال مهضومة، يؤكد أن شركات قطاع الأعمال في حاجة ماسة الى هيكلة في الإدارة.. يوافق على دخول القطاع الخاص في شراكات مع قطاع الأعمال العام. يشدد على أن صناعة النسيج في مصر لاتزال تعاني من ألف مشكلة ومشكلة.. مع عضو غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات ونائب رئيس جمعية مستثمرين 15 مايو كانت السطور التالية. بداية سألت المهندس عبد الغني الأباصيري عن أسباب تردي صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة فقال: - أود أن أقول أولاً إن هذه الصناعة كانت ولاتزال عصب الاقتصاد المصري، ويكفي أنها تساهم بنسبة 25٪ على الأقل في المجال الصناعي ككل، أما أسباب تدهورها فهى متعددة للغاية، وأرى أن في مقدمة هذه الأسباب عدم حصول الفلاح الذي يعد عصب الزراعة على حقوقه الكافية الى الآن. وكيف يحصل الفلاح على حقوقه من وجهة نظركم؟ - لابد أن يكون هناك التزام من جانب الدولة بشراء المحاصيل منه، بما فيها القطن بأسعار مجزية، فلا يعقل مثلاً أن يتم استيراد القطن قصير التيلة بأسعار تتراوح بين 1000 و1200 جنيه للقنطار، ونشتريه منه بسعر 1000 جنيه، يضاف الى ذلك أنه لابد من توفير البذور اللازمة له للتوسع في الزراعات بما فيها القطن قصير ومتوسط التيلة. تلاحظ من فترات طويلة أن المصانع تعتمد بالدرجة الأولى على استيراد القطن من الأسواق الخارجية رغم الشهرة العالمية الواسعة التي كان يتمتع بها القطن المصري.. كيف تفسرون هذه المعادلة؟ - المصانع في مصر تعتمد بالدرجة الأولى على القطن قصير ومتوسط التيلة وتصل نسبة استهلاك المصانع فيها الى نحو 97٪، بينما تستهلك المصانع 3٪ فقط من طويل التيلة الذي تنتجه مصر ونعتمد ونتوسع في إنتاجه رغم أن المصانع تعتمد بالدرجة الأولى على قصير التيلة، ولا يعقل أن نستورد نحو 200 ألف طن سنوياً من قصير التيلة بملايين الدولارات، و100 ألف فقط يتم توفيرها من الإنتاج المحلي، ونحن في استطاعتنا ومؤهلون ونمتلك الإمكانات للتوسع في زراعة قصير ومتوسط التيلة وتوفير هذه الملايين للخزانة العامة للدولة، ولكن على ما يبدو أن الحكام في مصر كان لهم رأي آخر، وهو عدم التوسع في زراعة قصير التيلة والاعتماد على الطويل إرضاء للولايات المتحدة!! مللنا من صرخات شركات قطاع الأعمال الخاسرة والفاشلة وإضرابات عمال غزل المحلة كانت شاهد عيان على فشل هذه الشركات في إصلاح أحوالها وهياكلها التمويلية.. كيف ترى مشكلة شركات قطاع الأعمال وأين تكمن الحلول؟ - قطاع الأعمال العام به نحو 22 شركة تعمل في قطاع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة ويتقاضى الموظفون بها مرتبات وحوافز شهرية تصل الى 70 مليون جنيه، وكل شركة يعمل بها علي الأقل نحو 12 ألف عامل، وهى مكبدة بالديون ولن تستطيع النهوض في ظل أوضاعها المتردية، والحلول كما أراها أنه لابد من إحلال إدارات هذه الشركات وتعيين إدارات جديدة بفكر جديد تكون ملزمة بالنهوض بهذه الشركات، وإن لم تحقق الطموحات المرجوة ترحل، الأمر الآخر تحديث خطوط الإنتاج بهذه الشركات وتدريب العمالة وتوفير الحوافز المجزية لهم في حالة وجود زيادات في الانتاج، بمعنى أن يكون الحافز مرتبطاً بالانتاج، الامر الثالث أن الحكومة لابد أن تدرس بجدية السماح للقطاع الخاص بالدخول في شراكات مع هذه الشركات على أن يكون للقطاع الخاص حرية الادارة بفكره الحديث. إذاً أنت تستبعد فكرة الخصخصة لهذه الشركات؟ - الظروف التي تمر بها البلاد والإضرابات العمالية، والمطالبات الدائمة والمستمرة بزيادة المرتبات والحوافز.. كل هذه العوامل وغيرها من العوامل الأخري تجعل من بالغ الصعوبة تطبيق الخصخصة على هذه الشركات وأنا أستبعد فكرة الخصخصة تماماً، وكما قلت لكم إنه من الممكن أن تنجح هذه الشركات بتغيير هياكلها الادارية والتمويلية خاصة أننا نمتلك خبرات كبيرة في هذه الصناعة بما فيها بعض الخبرات الموجودة في قطاع الأعمال العام ومن غير المتصور أن دولة مثل الهند تعمل بقطاع الغزل والنسيج فيها نحو 90 مليون عامل وأصبحت الهند من أكبر الدول المنتجة في هذه الصناعة، ونحن في مصر نمتلك الموارد البشرية الهائلة والمؤهلة للنهوض بهذه الصناعة، كما كانت في الماضي. وكيف يمكن لهذه الصناعة أن تستفيد من الطاقات البشرية التي يتم تخريجها سنوياً من المدارس الفنية والمعاهد والجامعات؟ - أنت لمست قضية في غاية الخطورة وهى قضية التعليم والأعداد الغفيرة التي تتخرج سنوياً في المدارس الفنية والمعاهد والجامعات ويصل عددهم سنوياً لأكثر من 850 ألف خريج وهذه الطاقات الشابة ينبغي على الحكومة أن تخضع برامج دقيقة جداً للاستثمار فيها مع الاهتمام الشديد بالمدارس الفنية وتوفير برامج تدريبية متقدمة لخريجيها. بصفتك أحد كبار المستثمرين بمدينة 15 مايو الصناعية.. لماذا لم تأخذ هذه المدينة شهرة واهتماماً مثل العاشر و6 أكتوبر وغيرهما رغم المساحات الشاسعة من الأراضي بها؟ - لك أن تتصور أن هناك مصانع أخذت موافقات وأراضي من 3 سنوات للتشغيل ولم يتم الى الآن توصيل المرافق والبنية الأساسية لها وهو ما يجعل المستثمرين يطفشون من المدينة، هناك مصانع في 15 مايو يعمل بها 12 ألف عامل، ولدىَّ عمال في مصانعي يقدر عددهم ب 1200 عامل، ورغم هذه الأعداد الهائلة من العمالة بمصانع 15 مايو لاتزال المدينة تعاني من عدم وجود الغاز، وانقطاع الكهرباء والنقص الكبير في السولار بالاضافة الى انتشار السرقات ونتعشم خيراً في شخص المهندس محمد القصري رئيس جهاز المدينة الجديد القادم من مدينة بدر وهو شخصية جادة ومشهود لها بالكفاءة والنزاهة. لا يزال التهريب موجودا، والبضائع المهربة تغزو وتغرق الأسواق المصرية، والحكومة وأصحاب المصانع عاجزون عن إيجاد الحلول.. ما تعليقكم علي ذلك؟ - هناك مغارة اسمها السماح المؤقت والدروباك ومغارة أخري اسمها المناطق الحرة الخاصة والعامة «70 منطقة تقريبا» هاتان المغارتان هما السبب المباشر في التهريب والكثير من المشاكل التي تعاني منها الصناعة.. هناك بعض الناس يعملون بطرق غير شرعية بنظام السماح المؤقت، كنا نطالب بأن تكون فترة الأقمشة الواردة للمصانع بنظام السماح المؤقت والدروباك 6 أشهر وتجدد إذا كانت المدة غير كافية، وفي حالة عدم التزام المصدر يتم عمل قضية جنحة له، ولكن هذا لم يحدث لأن السياسات المائعة سمحت للمصدر بدفع غرامة وعمل مصالحة لتخسر الدولة ملايين الجنيهات بهذا النظام وتدخل جيوب أصحاب المصانع بسبب نظام السماح الموقت والدروباك المعيب! أما فيما يخص المناطق الحرة الخاصة والعامة فنستطيع أن نؤكد أنها بوابات للتهريب وتعد «بلد خارج البلد»! هل أنت مع استمرار الحكومة في دعم صناعة الغزل والنسيج؟ - لا مفر من استمرار دعم صناعة الغزل والنسيج، فلدينا صادرات بنحو 2 مليار دولار و80٪ منها صادرات لأمريكا وهناك شركات كبيرة محترمة تحقق أرقاماً طيبة ومنها مجموعة «كايرو قطن سنتر» المملوكة لرجال الأعمال البارز مجدي طلبة، ولكن جزءاً كبيراً من الدعم يحصل عليه شركات لا تستحقه، فمن غير المتصور أن يتم استيراد كميات هائلة من القماش المستورد الكامل وتتم إعادة تصديره ويأخذ المصدر 10٪ دعماً من الحكومة دون إدخال أي قيمة مضافة عليه وهذا لا يصح والمفروض أن يتم منح الدعم علي القيمة المضافة حتي تتمكن الصناعة المحلية من المنافسة في الأسواق الخارجية خاصة أن دولاً مثل الصينوالهند والبرازيل تدعم وتساند صناعة الغزل والنسيج لديها بمنتهي القوة، ونطالب وزير الصناعة والتجارة بأن كل من يعمل بالأقمشة المستوردة لا يأخذ الدعم إلا علي القيمة المضافة. ما السبب في تدفق الواردات من الغزول وكيف يمكن زيادة الصادرات من الملابس؟ - نستورد غزولاً تقدر بنحو 200 ألف طن سنويا من دول الهند وإندونيسيا وڤيتنام والصين بسعر يتراوح بين 2.5 دولار للكيلو المغزول الي 3.5 دولار وهي كميات كبيرة لأننا لسنا منتجين للغزول وهي مشكلة كبيرة بسبب الضعف الشديد لإنتاجنا من الأقطان قصيرة التيلة وسبق أن طالبنا وزارة الزراعة بالتوسع في زراعته أو زراعة 50 ألف فدان دون جدوي في الوقت الذي تستورد فيه دولة مثل أوزباكستان بذرة القطن طويل التيلة من مصر، وسبق أن التقيت رئيس الاتحاد الأوزباكستاني للصناع وقال لي بالحرف الواحد: «نزرع 95٪ من احتياجاتنا من الأقطان قصيرة ومتوسطة التيلة، و5٪ من الأقطان طويلة التيلة ببذرة مصرية»! كيف تري حكم مجس الدولة بعودة أعضاء غرفة الصناعات النسيجية الي الغرفة وعودة الغرفة لممارسة عملها؟ - الحكم الصادر من مجلس الدولة يقضي بعودة ال10 أعضاء الفائزين بالتزكية وهو قرار صائب وتاريخي لأن إيقاف الانتخابات وعدم إعلان النتيجة كان ظالما ولكن ما أحب أن أشير إليه ويستعصي علي الفهم كيف يكون هناك مجلس إدارة لاتحاد الصناعات دون أن يكون فيه فرد واحد يعمل في مجال صناعة الغزل والنسيج؟ الأمر الآخر كيف يتم تعيين رئيس لجنة من الصناعات الهندسية لإدارة غرفة الصناعة الهندسية؟ كل هذه الأوضاع المقلوبة لو استمرت فلا تسألني مرة أخري عن أسباب انهيار الصناعة!!