فى ظروف بالغة الدقة، تأتى الخطوة الثانية من خارطة المستقبل، فى ظل استمرار إصرار الجماعة الإرهابية على مواصلة عدائها للشعب، ومحاولاتها المستميتة لهدم الدولة المصرية؛ ومن ثم فإن بلوغنا مرحلة الانتخابات الرئاسية يشكل إشارة واضحة، للداخل والخارج على السواء، تؤكد قوة وعزيمة الإرادة الشعبية الحرة، وقبولها التحدى فى سبيل إنجاز كافة الخطوات الساعية نحو بناء دولة ديمقراطية حديثة، منوط بها تجسيد الطموحات الثورية التى عبرت عنها الملايين فى الخامس والعشرين من يناير، وكررت المطالبة بها فى الثلاثين من يونيو. غير أن فى ذلك جملة من المحددات التى ينبغى أن تظل حاكمة للمسيرة الثورية، تحول دون انحرافها بعيدًا عن مسارها الطبيعى الذى خطته وارتضته لها الملايين، وراحت من أجله أرواح الشهداء، وعانى فى سبيله كافة أبناء الوطن جراء تبعات ما حفلت به المرحلة الانتقالية من صعوبات وأخطاء، أضافت إلى معاناة الناس، حتى بات «البعض»، من أصحاب النفوس المغرضة، يفاضل بين الأوضاع قبل ثورة يناير المجيدة وبين ما يعيشه الناس الآن، فى ظل معاناة هى بالقطع واجبة لجنى استحقاقات الثورة. ولعل فى الانتخابات الرئاسية، باعتبارها الخطوة التى نحن الآن بصددها، ما يمكن أن يؤكد على جدارتنا بامتلاك ثورتنا المجيدة، تلك الثورة التى راح البعض، من بقايا نظام مبارك المستبد، ينسبها إلى جهات خارجية، بوصفها مؤامرة أجنبية!، بينما هى فى الواقع إرادة شعب أراد أن يزيل نظامًا فاسدًا، فأزاله ولن يسمح له بالعودة تحت أى ظرف، بعد ما فشل على مدى عدة عقود فى النهوض بأمته رغم ما تمتلكه من مقومات هائلة، كانت كفيلة بتحقيق مختلف الآمال التى عبرت عنها الثورة، لو أن النظام الحاكم كان معنيًا بتبنى الطموحات المشروعة للشعب. وعلى سبيل التأكيد على ثورية المرحلة الراهنة من عمر الوطن، تخلو الساحة من مرشح رئاسى ينتسب إلى نظام مبارك الفاسد، مثلما أفلس نظام الإخوان الإرهابي، ولم يعد صالحًا للاشتراك فى فعاليات المشهد الوطني، فعجز عن إيجاد من يمثله فى الانتخابات الرئاسية، ولو على سبيل إثبات وجوده فى الشارع المصري. من هنا فإن الانتخابات الرئاسية، باتت ساحة ثورية بالأساس؛ ومن ثم يجدر بنا أن نرسى بها قواعد جديدة، ندعم بها كافة التوجهات الرامية إلى تجسيد المبادئ والقيم الثورية النبيلة، والتى عبر عنها الدستور الذى حمل من التعديلات ما جعل منه دستورًا جديدًا، هو بمثابة برنامج عمل وطني؛ ومن ثم لا يصح لمن صنعه أن يتجاوزه فى أول استحقاق وطنى يأتى فى ظله. فلا ينبغى أن تفتح الانتخابات الرئاسية، بما تحفل به من فعاليات وممارسات، مجالًا للتشكيك فى صدق توجهاتنا نحو ديمقراطية حقيقية. بل أن علينا أن نؤكد بها شرعية خارطة المستقبل فى التعبير عن الإرادة الشعبية الحرة التى رفض البعض الاعتراف بها، بعد ما حررت القرار الوطنى من التبعية، وأعادت للشعب المصرى اختياراته التى نهض ثائرًا فى الخامس والعشرين من يناير لتحقيقها. فى هذا الإطار، لا ينبغى السماح للمنافسة الرئاسية، أن تشكل معول هدم يفتت الإرادة الشعبية، ويضعف من تماسكها فى مواجهة أعدائها. دون أن يعنى ذلك مصادرة حق كل وطنى شريف فى الترشح للرئاسة، فمصر الثورة جديرة بتجربة ديمقراطية جادة. كذلك لا يصب فى صالح التجربة المصرية استمرار الثقافة السياسية البائدة، والداعية إلى ممارسات من شأنها إلحاق الضرر بمصداقية خارطة المستقبل. وكون المرحلة الراهنة تجربة جديدة على الشعب المصري، لا يبرر الاستمرار فى أخطاء شكلت ملامح رئيسة فى الحياة السياسية المصرية قبل ثورة يناير، واستمرت بشكل أو بآخر فى الانتخابات الرئاسية الأولى التى أعقبتها. فليس يدفع بنا إلى موقع متقدم على طريق الديمقراطية، العودة إلى ممارسات سيئة الذكر، لطالما عانى الوطن فى ظلها، وتراجعت كثيرًا خطواتنا على طريق الديمقراطية؛ فليس لنا فى تشهير أنصار مرشح بالمرشح المنافس، وقد خلت الساحة إلا من وجوه ثورية، وإن اختلفت الرؤى، وتباينت المنابع الفكرية. كذلك لا مجال لمحاولات الترهيب والترغيب، وقد باتت المسئولية الوطنية مشتركة، وأضحت المهمة ثقيلة لا تفرط فى جهد كل وطنى حريص على نجاح ثورته. ولا حاجة إلى مساندة مؤسسات الدولة لمرشح بعينه، وقد طرح نفسه راعيًا لمبادئ ثورة أعلت من شأن الحرية والمساواة والعدالة. وفى هذا الشأن لا نداء نوجهه إلى محترفى «الطبل والزمر»، وقد خابت مساعيهم غير مرة فى اقتناص مآربهم، فكيف بهم فى مواجهة من تعهد بحمل أمانة الثورة، بينما «الدرس» ما زال ماثلًا... شاهدًا على حتمية انتصار الثورة المصرية. «الوفد»