الأحوال المعيشية لشرائح كبيرة من المواطنين تبدو قاسية بعد أكثر من ثلاث سنوات من الثورة، شهدت خلالها زيادة كبيرة لمعدلات الأسعار، وتراجعاً لمعدلات التوظيف، وحالة التراجع فى النمو الاقتصادى مقابل زيادة للنمو السكانى بفارق يقترب من 1%. وظل الشعب يحلم منذ قيامه بالثورة الأولى بتحقيق أهدافها فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وحتى الآن وبعد ثورة 30 يونيو مازالت هذه الأهداف لم تتحقق، ليعيش الفقراء من المصريين ظلماً متعدد الأبعاد من انشغال الحكومة بالملفين السياسى والأمنى، على حساب الملف المعيشى لهؤلاء وظلم وقسوة عدم تحقيق ما يحلم به هؤلاء من العيش الكريم بعد ثورتين. وفى ظل توالى الأحداث خلال الفترة الماضية تحمل الفقراء الكثير، وحتى الآن على أمل، ولكن الخوف من فقدان هذا الأمل، وإن كانت هناك شرائح من الفئات العليا لم تتأثر كثيراً اقتصادياً فإن الشرائح محدودة الدخل أصبحت أكثر هشاشة، والفئات الفقيرة أصبحت أكثر عرضة للتحالف مع الشيطان مقابل صراع البقاء. وقد كشفت الأرقام الرسمية للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن بعض الحقائق فى الأوضاع المعيشية للمواطنين، ومعدلات إنفاقهم، ومنها نحلل ما يجب أن تعمل عليه الدولة لتحسين أوضاع رعاياها، بما يستحقون، فهناك نحو 70.4% من دخل المواطنين، والأسر المصرية تأتى من العمل سواء أجوراً ومرتبات بنحو 44.7% أو من الأنشطة الزراعية بنحو 10.2% أو الأنشطة الأخرى بنحو 15.4% أما الدخل من الممتلكات مثل الممتلكات المالية أو غير المالية فإنه لن يتجاوز 2.5% من إجمالى الدخل، ونحو 10.4% من القيمة الإيجارية للمسكن. أما الأسر التى تعيش على التحويلات من المنح والهبات فى الدخل ومعظم هؤلاء من الفقراء فإن هذه النسبة تبلغ 16.7% من إجمالى الدخل، وهذه الأرقام تبين أن الغالبية العظمى من دخول المواطنين فى مصر تعتمد على العمل فهم «موظفون فى الأرض»، بخلاف نسبة ضئيلة دخولها من الممتلكات. وقد أشارت الأرقام إلى ارتفاع متوسط الاستهلاك الفعلى للأسرة فى الريف إلى نحو 30 ألف جنيه فى الحضر، ونحو 22.6 ألف جنيه فى الريف بمتوسط عام يبلغ نحو 26 الف جنيه لإجمالى الجمهورية، فى حين ان متوسط الدخل السنوى للفرد لإجمالى الجمهورية نحو 7 آلاف جنيه بمتوسط 8.7 ألف فى الحضر، ونحو 5.8 ألف فى الريف، وبالنسبة للأسرة فإن متوسط دخل الأسرة نحو 30 ألف جنيه فى إجمالى الجمهورية. ووفقاً لبحث الدخل والإنفاق لعام 2012/2013 فإن متوسط الإنفاق الاستهلاكى السنوى الفعلى للاسرة بلغ 25.8 ألف جنيه بما يعادل 2150 جنيهاً شهرياً، وهذا بالطبع ما يفوق دخل كثير من المواطنين أو أرباب الأسر، وهو ما يكشف جانباً من حجم المعاناة التى يعانيها الشعب، والتى ازدادت كثيراً خلال السنوات الثلاث الماضية من اندلاع الثورتين، ومن الأرقام ما يوضح حجم معاناة المصريين. وهناك قضية لا أفهم كيف تنظر إليها الحكومة ووزارة المالية تحديداً، وهى أن حجم الإعفاء الضريبى للدخول فى المجتمع 9 آلاف والحد الأدنى للأجور وفق ما تم اقراره بنحو 1200 جنيه شهرياً، فإن حجمه السنوى يبلغ 14.4 ألف وبالتالى فإن الفئات عند حد الفقر لا يتم إعفاؤها ضريبياً، ولا يتم النظر إليها وكان من المتوافق أن يكون حد الإعفاء متوافقاً مع الحد الأدنى للأجور الذى أقرته الحكومة نفسها واعترفت به، أما هذا الاختلاف فقد يجعل هناك ازدواجية فى سياسات ومعايير الحكومة حول مستويات الدخل والمعاملات الضريبية، وهذا بالطبع أمر غريب يتطلب تفسيراً واضحاً ومقنعاً. كما تظهر الأرقام أن الكثير من حجم الإنفاق يذهب بصفة أساسية إلى الطعام والشراب بمتوسط نحو 41% من الإنفاق فى الحضر، وبمتوسط نحو 37.6% تعادل 9.9 ألف جنيه لإجمالى الجمهورية، ويبلغ الإنفاق على الدخان متوسط 1063جنيهاً بنسبة 4.1%، والملابس والأقمشة والأحذية نحو 1416 متوسط إجمالى الجمهورية بنحو 5.4% أما الإنفاق على المسكن ومستلزماته فإنه يتجاوز 4736 جنيهاً بنسبة 18.1%، والأثاث والتجهيزات المنزلية والصيانة نحو 1072جنيهاً بنسبة 4.1%، ويبلغ الإنفاق على خدمات الرعاية الصحية 2416جنيهاً بنسبة 9.2% وفقاً لإحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء منذ عام تقريباً ونعلم جميعاً أن هناك زيادةً كبيرةً قد طرأت على هذا البند تحديداً نظراً إلى زيادة أتعاب الأطباء بأكثر من الضعف تقريباً، كما طالت زيادة الأسعار الكثير من البنود على الإنفاق فى الفترة الأخيرة بخلاف أوجه الإنفاق على السلع والخدمات المتنوعة الأخرى، إضافة إلى فروق الإنفاق بين الريف والحضر على سبيل المثال، فان الإنفاق على التعليم فى الحضر يتجاوز 5.4% من حجم الإنفاق، ويبلغ فى الريف 2.5%، كما يختلف الإنفاق على الانتقال بين الريف والحضر أيضا، ويتضح وضع الغلاء من أن إنفاق المصريين على الثقافة والترفيه كان أقل أوجه الإنفاق وبلغت 2%. وقد بلغ حجم الإنفاق 37.2% من دخل الأسرة على الدروس الخصوصية و29% على اللحوم تشير إلى حجم كارثة التعليم فى مصر، ومتاعب المواطنين من هذه الخدمة التى تتطلب حلاً جذرياً يخفف العبء من على كاهل أولياء الأمور، ولكن للأسف رؤى وزراء التعليم فى الحكومات حتى ما بعد الثورتين، وإلى الآن لا ينكر هذه الظاهرة الخطيرة، حتى وزير التعليم الحالى يقول إن الدروس الخصوصية موجودة فى كل دول العالم، ونسى أن كل دول العالم لا يوجد بها تعليم متردٍ فى المستوى والمضمون والإنفاق مثل ما يحدث عندنا، وهو بالطبع ما يزيد أعباء المواطنين. وإذا قسمنا إنفاق الأسرة على قسم الطعام والشراب، فإن الأرقام المتاحة تشير إلى أن الإنفاق على الخبز والحبوب بلغ 1319 جنيهاً، وبلغ الإنفاق على اللحوم نحو 2882 جنيهاً والأسماك 663.6 جنيه، وبلغ الإنفاق على الألبان والجبن و البيض 1293جنيهاً وعلى الزيوت والدهون 652.7 جنيه، وعلى الفاكهة 686.7 جنيه، والخضراوات 1431 جنيهاً والباقى إنفاق على السكر والمنتجات الغذائية الأخرى، وعلى المشروبات، وبالتالى فإن معدلات الإنفاق على الخضر تتجاوز 14.6% من حجم الإنفاق، ويأتى الخبز فى المرتبة الثانية بنحو 13.4% والألبان بنحو 13.2% والزيوت 6.6% والأسماك 6.8%، وقد يكشف هذا الإنفاق العلاقة بين الأسعار والسلع والوزن النسبى لها فى الأسر المصرية وأولويات أى منها بالنسبة للمواطنين، وهذا يكشف أيضاً الكثير من مستويات المعيشة لجموع المصريين والتى تأثرت كثيراً، وزادت معاناتها نتيجة أحداث الثورة الأخيرة. وتشير البيانات إلى أن 6.1% فقط من السكان يزيد إنفاقهم على 12 ألف جنيه 93.9% أقل من الألف جنيه شهرياً بين طبقة الأغنياء والغالبية العظمى من المواطنين، حيث تشير الأرقام إلى أن 23.6% من الأسر تنفق سنوياً من 25 إلى 35 ألف جنيه فى الحضر، وهى تقترب من ربع السكان، بينما 6.2% فقط من الأسر تنفق 50 ألف جنيه، فأكثر وهناك نحو 5.6% يقل إنفاقها السنوى عن 10 آلاف جنيه، ترتفع فى الريف عنها فى الحضر، كما أن أعلى نسبة للإنفاق تقع فى فئة الإنفاق السنوى من 6 آلاف إلى أقل من 7 آلاف بنحو 21% من جملة سكان الحضر، بينما أعلى نسبة من الأفراد فى الريف تقع فى فئة الإنفاق السنوى 3 آلاف إلى 4 آلاف جنيه بنسبة 23%، وبالتالى فإن الفئات الأكثر غنى نسبتها قليلة جدا مقارنة بالفئات الاخرى الأقل دخلا وبالتالى الأقل انفاقا والحقيقة المرة ان اوضاع كثير من المصريين بعد ثورتين أصبحت بالغة الصعوبة وبالغة التعقيد والقسوة وكثير منهم لا يستطيعون مواجهة الاسعار ومصاعب الحياة اليومية وزادت شريحة الفئات الفقيرة والأكثر فقرا كما هبطت بدورها الفئات الوسطى والأكثر غنى بما يشير الى تراجع كبير واضح فى مستويات المعيشة لمعظم الفئات وتأثر الفئات الفقيرة بدرجة كبيرة وبالتالى فإن الحكومة يجب ان تسرع فى التدخل لوقف تدهور مستويات المعيشة وضبط اوضاع السوق بأسرع ما يمكن حتى لا تنعكس على الأوضاع الاجتماعية ومستويات الجريمة والعنف.