قرار الحكومة بهدم مبنى الحزب الوطنى المحترق على كورنيش النيل وضمه إلى المتحف المصرى هو عودة الحق إلى أصحابه، وعندما تم إنشاء المتحف المصرى فى التحرير عام 1901 كانت هذه الأرض التي يشغلها مبنى الحزب الوطنى حاليًا ملكًا لهيئة الآثار، وتم تحويلها إلى ميناء خاص بالمتحف المصرى علي نهر النيل لاستقبال المراكب المحملة بالآثار من الأقصر وأسوان وصعيد مصر القادمة إلي المتحف بالتحرير لعرضها أو تخزينها، وكانت تقام فى هذا الميناء احتفالات رسمية وشعبية لاستقبال المومياوات الملكية والفرعونية المكتشفة والقادمة للمتحف، بمشاركة فرق الموسيقى العسكرية والخيالة وكان يحضرها كبار الشخصيات والمسئولين، وبعد قيام ثورة 23 يوليو عام 1952، تم استقطاع هذه الأرض من هيئة الآثار، واستغلتها مؤسسات مختلفة إلى أن استولى عليها الحزب الوطنى وحولها إلى مقر لأمانته العامة. وعندما قامت ثورة 25 يناير ضد استبداد وفساد نظام مبارك، احترقت معظم المبانى التي كان يشغلها الحزب الوطنى بسبب الغضب الشعبى العارم، وصدر حكم إدارى بحل الحزب الوطنى ومصادرة جميع مقراته، ومنها مبنى الأمانة العامة علي كورنيش النيل، فى هذا المبنى اتخذت قرارات وأعدت مشروعات قوانين سيئة وحيكت مؤامرات كانت من أسباب قيام ثورة 25 يناير، لأنها كانت فى خدمة النظام، وترسيخ أركانه علي حساب الشعب، هذا المكان كان الاقتراب منه أو التصوير ممنوعًا إلا بإذن من قيادات أركانه، فيه زرعت بذور توريث الحكم التي أبطلتها ثورة الشعب فى 25 يناير، وفيه أيضًا تم وضع خطط تزوير الانتخابات، وبزغ فيه نجم أحمد عز الذى استحوذ علي مفاتيح الأمانة العامة بعد أن كون مع جمال مبارك نجل الرئيس الأسبق تكتل الحرس الجديد، لإقصاء الحرس القديم من امثال صفوت الشريف وكمال الشاذلى وزكريا عزمى، ومن هذا المبنى حاول جمال مبارك القفز على السلطة بعد أن أحكم سيطرته علي عقل والده بمساعدة أمه سوزان مبارك.. بدأ الحرس القديم ينهار أمام جبروت جمال ودهاء عز ومرض مبارك، واكتشف المصريون أنهم غرباء فى بلدهم، وأن هناك شيئًا يدبر فى الخفاء، وأن هناك محاولات للدفع بابن الرئيس إلي سدة الحكم، وفى ظل تدنى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وزيادة حدة الفقر والجوع والمرض والبطالة، وسيطرة عصابة من رجال الأعمال علي أكثر من 80٪ من خيرات البلد ضرب أحمد عز ضربته للاستيلاء علي جميع مقاعد البرلمان للحزب الوطنى فى نهاية عام 2010، حيث جرت انتخابات لن يستطيع الشيطان ضمان نتيجتها بهذه الطريقة وكانت ضربة النهاية حيث قامت الثورة بعد جلسات قليلة عقدها هذا البرلمان الذى كان يتحدث فيه نواب الحزب الوطنى إلي أنفسهم، وسقط النظام الفاسد أمام ثورة الشعب، وتحول مبنى الحزب الوطنى إلى صنم تسابق الثوار على تحطيمه واندلع حريق كبير فى مبنى الكورنيش فتحول إلي أطلال شاهدة على أحط عصور الديكتاتورية والفساد. هل كان سيستمر هذا المبنى المحترق النشاز فى مكانه الحيوى علي كورنيش النيل شاهدًا على عصر الفساد، محافظة القاهرة فكرت فى تحويله إلي حديقة عامة، ثم كان هناك تفكير فى تحويله إلي جامعة، أو إلى فندق، أو مبنى إدارى، أرض هذا الموقع تقدر بالملايين، الحكومات السابقة بعد الثورة لم تصل إلى قرار بشأن هذا المبنى الذى زاغت عليه عيون رجال الأعمال، وقطعت حكومة محلب الطريق على الطامعين فيه وكانت علي حق عندما قررت إعادة الحق لأصحابه، وخصصت هذا المكان بعد هدمه لتوسعات المتحف المصرى، بتحويله إلي حديقة تضم إلي المتحف المصرى وتكون جزءًا منه يتم استغلالها فى عرض القطع الأثرية المكدسة بمخازن المتحف وحديقته الحالية. إن قرار الحكومة صائب لإنقاذ المتحف المصرى من الخطر فى حالة استمرار هذا المبنى العشوائى، أو بيعه لاستثمار أرضه، مطلوب أن تضم الحديقة التى ستنشأ علي أرض هذا المبنى لوحة تذكارية عن ثورة 25 يناير، وعن تاريخ هذا المبنى الذى حكمت منه مصر أكثر من ثلاثين عامًا من فوق فسقط الحاكم على جذور رقبته.