انطلاقاً من مبادئه وثوابته الراسخة عبر تاريخه الطويل، بالقطع يقف الوفد في مواجهة كافة محاولات استنساخ أنظمة فاسدة، لطالما عاني الشعب جراء ممارساتها وسياساتها، وعجزها عن إنجاز يدعم شرعيتها، حتى أسقطتها الملايين الثائرة في الخامس والعشرين من يناير، وفي الثلاثين من يونيه. ولا تنفصل عن ذلك جهود الوفد لوقف محاولات استدعاء مرحلة زمنية، ولت وما عادت تصلح للتعبير عن متطلبات المرحلة الراهنة من عمر الوطن، وما تضمه من أجيال تتطلع إلي مستقبل أفضل، هي صانعته، تتجاوز فيه تجارب سابقة عجزت عن وضع أسس صحيحة لبناء حياة سياسية ديمقراطية، تستند إلي تعددية سياسية حقيقية، يتم من خلالها تداول سلمي للسلطة، حصداً لكافة الجهود الوطنية في سبيل استنهاض الأمة علي طريق التنمية الشاملة. فليس من شك أن الأجيال الحالية، صاحبة الثورة المصرية المجيدة، تملك حق إنتاج نظام سياسي جديد، يعبر عن طموحاتها وأحلامها المشروعة، ويتبني منظومة القيم الحاكمة لمفهوم ثورة شعبية نهضت تنادى بالحرية والعدالة الاجتماعية، دون أن يسعي البعض إلي فرض أيديولوجياته عليها، أو احتجازها في إطار ضيق من تجارب سابقة، وإن كانت لا تخلو من حس وطني، إلا أنها افتقدت القدرة والرؤية الواضحة نحو بناء حياة سياسية ديمقراطية، كان لها، إن توفرت، أن تدفع بالوطن بعيداً عن جملة من المخاطر التي أحاطت بأمننا القومي، اغترب بسببها الوطن عن مكانته المستحقة. حقيقة الأمر أن التجربة الديمقراطية المصرية شهدت انقطاعاً طويلاً، ما أدى إلي طمس ملامحها علي مدى عدة عقود؛ ومن ثم فإن جهداً حقيقياً لم يُبذل باتجاه البناء علي ما كان للتجربة الديمقراطية المصرية من أركان، بعد أن تم تشويهها بانتظام، ولأغراض مشتركة، عبر أنظمة تتابعت علي حكم الوطن. فقد بات جلياً، فيما حولنا من تجارب دولية نجحت في تحويل كثير من المجتمعات إلي مقدمة الصفوف، ابتعاداً عن مستويات معيشية مقاربة لما نحن فيه، وأزمات نعيش أجواءها منذ عدة عقود، إن التنمية الاقتصادية لا يمكن الوثوق في تحقيقها بعيداً عن تنمية سياسية جادة وحقيقية، تستند إلي إرادة سياسية واعية بحقائق الأمور، ومدركة لحقيقة مفادها حتمية تطبيق المفهوم الشامل للتنمية، بمضامينه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية علي السواء؛ كصيغة وحيدة غلفت كافة التجارب الناجحة. من هنا فإن نهضة اقتصادية منشودة، قادرة علي تحقيق الطموحات الثورية في بلوغ مستوى معيشي أفضل، في ظل عدالة اجتماعية واضحة، هي أمر لا ينفصل عن تنمية سياسية أكيدة، تتوارى أمامها كافة الدعاوى الرامية إلي استعادة أنظمة فاشية، تراجعت في ظلها كافة قيم الديمقراطية. من جهة أخرى، فإن مواجهة ما يُحاك ضد الوطن من مؤامرات، لا ينبغي أن تشكل مدخلاً مناسباً يسمح بتمرير مناخ داعم لاستدعاء حقبة زمنية استندت شرعيتها إلي مواجهات خارجية، دون إنجاز حقيقي في الداخل يؤسس لنظام سياسي قادر علي البقاء بقيمه ومفاهيمه الداعمة لكافة حقوق الإنسان التي اعتلت حناجر الثوار مُطالبة بحياة كريمة حرة. وعلي ذلك، فإن الوفد يحذر من محاولات البعض إعادة إنتاج أنظمة أسقطتها الثورة المصرية، مثلما يؤكد أن المرحلة الجديدة التي نحن بصدد المرور إليها عبر استحقاقات خارطة المستقبل، هي مرحلة لا يمكن مواجهة تحدياتها، دون جهد شاق علي طريق ترسيخ دعائم ما نبنيه من مكونات دستورية لنظام سياسي ديمقراطي، يندرج بموجبه الوطن في إطار المجتمع الدولي المتحضر، بنظام سياسي جديد يصنعه جيل الثورة، وترسخه الأجيال القادمة، دون مواجهة احتمالات العودة إلي الخلف. «الوفد»