الحكوما عاوزانا نختار يانموت تحت الجبل ياينفونا في آخر الدنيا.لحدنا والصخور هتطحنكوا أما الفلل والإبراج اللي بالملايين مافيش مشكلة.. كلمات وعبارت تمثل منطق سكان الخطر في هضبة المقطم التي تلقي بصخورها دائما علي مواطنين شاء قدرهم ان يسكنوا الموت المتربص بالفقراء في العشش والحجرات فقط فيما فرد جناحيه في كثير من إرجاء الهضبة لاحتضان الأبراج والفيلات والمنتجعات. سكان الرزاز وتبة فرعون والشهبة وغيرها من المناطق في المقطم لا يتمسكون بالعيش هنا للاستمتاع ب«الفيو الساحر» للقاهرة من أعلي لكنها كما قال عم سيد «أرضنا اللي عمرناها وأكل عيشنا.. ونموت لو سيبنا الجبل». بغض النظر عن الخطأ الشائع وإطلاق اسم الجبل علي هضبة المقطم إلا ان الحياة في هذا المكان يحيط بها الغموض وتحوي متناقضات صارخة فطبيعة المكان والبشر الذين سكنوه ومازالوا يتمسكون بالعيش فيه حتي لو كان علي «جثثهم» هذه الجملة التي سمعتها من العديد من الرجال والنساء حتي الأطفال وأنا اتنقل بالسيارة وأحيانا سيرا علي الأقدام في هذا المكان كان لابد ان أعرف السر في البقاء رغم ان الحكومات المتعاقبة وخاصة في اعقاب كوارث سقوط الصخور كانت تعرض وتمنح البدائل التي كانت إما تقابل بالرفض المباشر أو التحايل باستلام البديل بل والاتجار فيه ثم العوة السريعة لأحضان المقطم في تحد واضح ورفض لسياسة الدولة في التعامل مع هذه القضية. رغم ان الصخرة التي سقطت مؤخرا من هضبة المقطم لم تسفر عن وقوع خسائر إلا انها تعد جرس إنذار لكارثة يمكن ان تعيد إلي الأذهان ذكري كارثة الدويقة وصخرة منطقة الزرايب التي راح ضحيتها العشرات من سكان المنطقة التي وصفها أكثر من تقرير علمي بانها الأكثر خطورة علي خريطة العشوائيات في مصر فالجبل لا يكف عن اسقاط ما ينوء بحمله من كتل صخرية تسقط علي الأهالي الذين يتمسكون بالإقامة في الجبل رغم خطورته التي اكتشفنا أثناء حديثنا معهم غير أنهم «مقتنعين» بما تسوقه الحكومات المتعاقبة من أسباب وعلي حد تعبيرمحمود عبد النبي من سكان تبة فرعون بمنشية ناصر «اشمعني هناك مش خطر؟ سألته عن قصده فأردف قائلا: منطقة الفلل اللي بيبنيها رجال العمال والتي تباع فيها الفيلا بالملايين والأبراج التي ترتفع امام أعيننا أليس هناك خطر؟ وقال رجال الأعمال عينهم علي المنطقة لانها «سرة البلد» وأغلي حته فيكي يا بلد، الناس في تبة فرعون وشهبة والحرفيين وزرزارة يسكنون في أماكن لا تستطيع تصنيفها حجرات بعضها من طوب وبعضها من حجارة والأسقف عبارة عن عروق خشبية أو صفيح مدعمة ببطاطين قديمة وهي متناثرة بشكل عشوائي بعضها يلتصق ببعض في شكل عرضي في حضن الحجر فيما يتراءي من علي بعد مسافة بسيطة بعض هذه الكيانات في شكل هرمي كأنها جزء من الجبل آثار الأمطار صنعت ما يشبه القناة أو مجري السيل الذي اختفت بداياته فيما انتهت داخل حجرات الأهالي الذين أكدوا انهم اختبأوا من الأمطار داخل خزان المياه أسرعت رجاء سيدة في بداية الخمسينيات من عمرها جذبتني من يدي في إصرار علي مشاهدة الحجرة التي تسكن بها «في الخارج حفرة في الأرض محاطة بالطوب شكلت أربعة حوائط في مساحة لا تذيد عن مترين علي الأكثر «هنا الحمام» وكله هنا مشغل الصرف ترانشات أما الحجرة فأثاثها عبارة عن سرير متهالك وبوتاجاز مسطح قديم وبعض الملابس مبعثرة هنا وهناك فالناس هنا في الأغلب فقراء وارزقية كثيرون منهم يتمسكون بالبقاء حتي ولو ماتوا تحت الصخور ويعتبرون الجبل روحهم واذا تركوه تنتهي حياتهم وكما قال سيد «مش همشي لو علي جثتي».. إحنا وجدودنا اللي عمرنا الجبل وجاي بتوع البزنس ياخدوه علي الجاهز ممكن يصلحوا الأماكن اللي بيقولو خطر إحنا مستعدين نشد الجبل لانه مش كله خطر وهيقع وقاطعه صلاح محمد من سكان المنطقة ممكن ينقلونا في حتة تانية في نفس الجبل لكن أكتوبر دي بعيدة ومالناش فيها أكل عيش وقال: أعطوني من قبل شقة في أكتوبر سيبتها وجيت ما فيش شغل والمواصلات غالية وحاسس إني رحت آخر الدنيا رجعت تاني وأشار صلاح الي البيوت الهرمية بالتبة وقال فيه ناس كتير بتيجي ساعة الحصر علان الشقق وبيقولوا فيه صخرة 600 طن هتقع وهي دي الخطر وتدخلت زينب في الحوار قائلة في رمضان اللي فات أب وابنه اتحرقواومافيش مطافي تلحق وأقرب مستشفي تحت يعني فيه استهتار بحياة الناس وانا قاعدة في أوضه نفسي في شقة بس قريب وتساءلت في استنكار «الحكومة عاوزانا يا أما نموت يا ينفونا في آخر بلاد المسلمين وقالت إحنا عايشين عيشة ما حدش يستحملها الصف ترانشات والمسة بناخدها من خرطوم من الخزان بتاع الشركة الكبيرة والكهربا مسروقة وممكن نروح في داهية وأشارت إلي الأسلاك العارية الممتدة الي الحجرات والتي تتسبب في الحرائق وصعك الأطفال خاصة عند هطول الأمطار أما فاطمة فتختلف مع جيرانها وتصرخ: ادوني شقة في أي حتة وأرحموا أمي المريضة التي اضطر لحماها فوق ضهري للذهاب للحمام خارج العشة ومشترك «ضهري اتقطم الشقق هنا للمحاسيب والواحد بياخد شقة واتنين ويسيبها وبييجوا يبنوا ساعة الحصر واللي يستحق ضايع» كلام فاطمة لم يعجب جيرانها الذين أكدوا رفضهم لمغادرة المقطم لكنهم طالبوا بشقق في نفس النطاق في المناطق التي تري الحكومة إنها لا تشكل خطورة وأعاد سيد وجهة نظره قائلا: إحنا مش مقتنعين ان فيه خطر الجبل مسطح كله هما رجال الأعمال اللي عينهم عليه والحي مسمي الشارع ده التجاري. أما محمود من سكان «الرزاز» قال: الحي هو الذي يرفض رفع الصخور وتكسيرها فهناك أربع صخور فقط هي التي قال إنها خطر لكن هما شايفين انهم يشردوا الأهالي أسهل وقال رفضنا ترك بيوتنا وحررنا محاضر ضد الحي في القسم وهو نفس ما فعله الحي ردا علي رفض الأهالي إخلاء البيوت في الوقت الذي عرض فيه الأهالي القيام بتكسير الصخور بانفسهم بل ان بعض الأهالي أكدوا انهم مسئولون عن انفسهم ومستعدون للتوقيع علي ذلك. مفاجأة.. د. أبوزيد راجح رئيس مركز بحوث الإسكان الأسبق: وزارة الإسكان أخفت دراسة علمية تحذر من البناء علي هضبة المقطم طالب الدكتور أبوزيد راجح خبير الإسكان ورئيس مركز بحوث الإسكان الأسبق بضرورة عمل دراسة جيولوجية حديثة لهضبة المقطم تضع في الاعتبار وضعها الحالي وتحدد نقاط الضعف فيها علي ان تكلف لها جهة علمية مثل جامعة القاهرة أو مركز بحوث الإسكان وقال الدكتور راجح من الأفضل ان نسارع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مضيفاً: كنت رئيس مركز البحوث والإسكان في الثمانينيات وطلبت منا وزارة الإسكان تقريراً عن مدي صلاحية هضبة المقطم من حيث الكثافة والمباني وكانت وقتها قليلة للغاية ولم يمتد إليها العمران كما هو الحال الآن وأوصينا وقتها إلي انه ليس من الصواب البناء بكثافة عالية فوق الهضبة نظراً لخطورة تساقط صخور حواف الهضبة وهي المنطقة الأشد خطراً وأوصينا بضرورة الرقابة علي استخدامه المياه لخطورتها علي الهضبة واشتمل التقرير الذي قدمناه لوزارة الإسكان علي التركيب الجيولوجي للهضبة ولكن لم يؤخذ به وسمع بإنشاء مبان بكثافة عالية جداً فوق احتمال جيولوجيا الهضبة وليس هناك أي حدود علي استخدام المياه خاصة ان هناك طبقات الحجر فيها ضعيف جداً ولا أدري ما هو مصير هذا التقرير الذي اختفي من الوجود. وقال راجح: من الواضح إننا مازالنا نعاني فجوة بين أهل العلم وجهات التنفيذ واختفاء التقرير من وقتها يؤكد ان القرارات السياسية لها انعكاسها علي التخطيط وامتداد المدن.