لعله يظهر فى صورة مقبضة، تبعث تعاريجه على الوحشة، ويثير حجمه الهائل على مرمى البصر ذعراً داخلياً، خاصةً إن كنت مصاباً بفوبيا المرتفعات، عن الجبال نتحدث، تحديداً عن جبل فى الناحية الشرقية للقاهرة، المقطم، الذى كان مجرد جبل مثله ككثير من الجبال المترامية فى أعماق الصحارى المصرية، لكنه بات قبلة يحج إليها الرائح والغادى، إذ غزته البيوت، وسكنه البشر، غابت عنه ظلمة المطاريد والعابرين، وصمة الجبل الأزلية، وبات مستقراً للأهالى والمحلات، غمرته نشوة الحياة. من يركب الميكروباص أو الأتوبيس، فإنه يصعد طريقاً شق فى عرض الصخور، هى صخور تشعر لوهلة أنها ليست جامدة. هذه الصخور تتكلم، تنوء بحمل ثقيل، تاريخ ممتد منذ نشأة الأرض وحتى الآن، الصخور وحدها تعرف الحقيقة، شهدت التاريخ كما هو دون زيف تناقل الأجيال، ووحدها تمر بها فى طريقك دون أن تسبب لك ضيقاً. رقيقة، عرض عليها الخالق الأمانة فى بداية النشأة، لكنها شعرت بثقل الحمل وصعوبته، فأبت أن تحملها. صخور قاسية، لكن الأمانة أقسى. حملها الإنسان، ولكنه كان جهولاً ظلوماً. ما إن تفارق السيدة عائشة، حتى تبدأ فى صعود الكوبرى، متجهاً للمقطم، اللون الأصفر للصخور يحدق بك من كل جانب، جرافيتى لألتراس أهلاوى على طول الطريق للتذكير بالحقوق والمطالبة بالقصاص، فنادق واستثمارات وحدائق آخذة فى النمو، العمران دب فى الجبل، وشهقة الحياة سكنت الصخور، تبدو محلقاً فى أفق، كأن طائرة تأخذ مشهداً رأسياً للقاهرة من علٍ. القاهرة من الأعالى أفضل كثيراً، المنازل المتراصة كأنها عشش صغيرة الحجم، العلو يصبغ الأشياء بقلة حجم وحسن منظر، تبدو مآذن السيدة عائشة وزينب والسلطان حسن والقلعة، مناظر أسطورية، تحمل الراكب لعالم آخر، يحلق فيه بخياله وواقعه، يغيب الزحام فى الأعالى، تشق السيارة طريقها كسكين فى قطعة من الزبدة. يقول السائق أكرم عبدالستار إنه بدأ العمل فى خط السيدة عائشة - المقطم منذ ما يربو على عشرين عاماً، جرب العمل فى أماكن عديدة، لكن الراحة سكنت قلبه فى المقطم، نسيم المقطم يشفى الروح، المكان الذى يبتعد عن القاهرة وصخبها وتكدسها، يحبه السائق أكرم ذو الثلاثة وخمسين عاماً. يحكى عن بدايته، وقتما كان المقطم غير مأهول بالسكان مثلما هو الحال عليه الآن، كان الوضع مقتصراً على أصحاب الفيلات و«الجناين»، المقطم فيما مضى كان جنة الطبقات الاجتماعية العليا، قبل أن يقصده الآخرون، اختناق المناطق الأخرى، دفعهم للبحث عن الجبل، العلو الشاهق شاسع الفراغ بدلاً من الدنو القاصى عامر الزحام، هكذا يصف السائق الذى يقول إنه لا يمل المشوار اليومى، الذى ارتفعت أجرته مؤخراً لتصير جنيهاً والنصف، بعد أن كانت جنيهاً، الركاب لم يعترضوا كثيراً، ركاب المقطم راضون لا يرغبون فى اختلاق المشكلات أو الدخول فى مشاحنات قد تؤرق يومهم، يبحثون دائماً عن الهدوء، مكان سكنهم وطّأ لهم ذلك. يستعين عم أكرم على تزجية الوقت بالفكاهة، يلقى نكتة على الجالسين بجواره، يقول إنه أحياناً ما يقبل الراكب ذلك، لكن مؤخراً بات الأمر صعباً، وخيم على الركاب ضيق نفس، فأخذ يلتزم الصمت أو يكتفى بإدارة الكاسيت لسماع الأغانى، التى غالباً ما تكون لأم كلثوم. الطريق السلس المعتاد لم يعد كذلك، خاصةً بعد أحداث مكتب الإرشاد الأخيرة، يقول عم أكرم إنه بات أحياناً يضطر لسلوك طريق آخر ليقى نفسه عناء اختناق الطريق، يندهش أن الثورة وصلت للمقطم، ويصر إن الإخوان هم من فعلوا ذلك بأنفسهم، «كان عندهم فرصة يبقوا ملوك، بس اختاروا يكملوا مسيرة اللى قبلهم». يمضى عم أكرم فى طريقه، يقف كل حين لينزل راكب فى شارع 9، أو يحمل آخر يذهب للسيدة عائشة. للذهاب للمقطم لا بد أن تركب من السيدة عائشة ميكروباص، أو من مدينة نصر من الحى السادس، كما توفر الهيئة أتوبيسات للذهاب من ميدان التحرير وأماكن أخرى، يؤكد عم أكرم أن الركاب يفضلون خط السيدة عائشة - المقطم؛ لأن فيه زيارة تاريخية للمساجد رغماً عنهم، والمصريون يحبون ذلك. أثناء نزوله من الكوبرى، تعترض طريقه سيارة تقودها سيدة، يقول إن ثمة حوادث كثيرة تحدث فى المكان بسبب رعونة السائقين فى المنحنيات، منحنى الجبل خطير، غلطته ب«موتة»، تستمر السيدة فى اعتراض طريقه، ينفث غضبه، يصرخ فيها: «حرام عليكِ يا ست، سيبينى أعدى، حتقرفونا فى البيت وفى الطريق». اخبار متعلقة «النافورة».. ميدان يسكنه المشاهير صالون شهرى ل«علاء الأسوانى وأحمد فؤاد نجم وثروت الخرباوى» قلنا الخير على قدوم الواردين .. لقينا الأذى من مكتب الإرشاد كورنيش المقطم.. هنا ملتقى العشاق وجسر التنهدات من مصر الجديدة إلى المقطم.. الثورة تطارد خصومها دير القس سمعان الخراز بمنشية ناصر . . عالم سحرى حدوده الارض والسماء مساكن الزلزال.. الحياة على شمال المقطم الهضبة الكبيرة.. معجزات وكرامات الإعتداء على «قنديل» وتعذيب مدمنين وسرقة وتثبيت الجرائم تعددت الجرائم والمنطقة واحدة المقطم.. الحتة المقطوعة