عندما لوح وزير التموين والتجارة الداخلية السابق د. محمد أبو شادي وهو يقوم بأعمال وزارته بالتسعيرة الجبرية والعودة إليها!، في مواجهة جشع التجار وتحكم حيتان الأسواق الكبار في أقوات الناس!، كنت من أوائل الذين لم يعولوا كثيراً علي تهديدات الوزير وأي تأثير لها علي الأسعار التي يفرضها قراصنة السوق سواء كانوا من تجار الجملة أو القطاعي، والذين عبروا جميعاً «عن سخريتهم» من تهديدات الوزير، مؤكدين أنهم لن يلتزموا بأي تسعيرة جبرية!، وظهر الذين يخالفون الوزير في تصوراته، ممن كتبوا معتبرين أن التسعيرة الجبرية من خصائص النظام الشمولي في ميدان التجارة وتناقضها مع مبدأ حرية الاقتصاد بعد تحولنا إلي سياسة الانفتاح، في حين أكد بعض آخر أن التسعيرة الجبرية يمكن أن تؤدي إلي سوق سوداء رائجة للصناعة عالية الجودة، واختفائها تماماً من عروض التجار علي الجمهور!، ليشهد السوق عرض البضائع الأقل جودة أو التالفة فقط!، فكان أن لجأ الوزير إلي ما أسماه بالأسعار الاسترشادية التي تبنت وسائل الإعلام نشرها!، لكنها - هي الأخري - لم تحظ بأي اهتمام أو عمل بها من جانب الباعة!، وبقي السوق علي ما هو عليه من اشتعال الاسعار وارتفاعها المتعمد من جانب التجار والوسطاء!، إلي أن استقالت وزارة الدكتور حازم الببلاوي، فكان وزير التموين والتجارة الداخلية الجديد د. خالد حنفي مسارعاً إلي إلغاء «التسعيرة الاسترشادية» ووقف العمل بها. وقد نشرت جريدة «الوفد» أمس تصريحا للوزير السابق د. محمد أبوشادي يحمل هجوماً علي الوزير الذي خلفه د. خالد حنفي، وقد اتهم وزير التموين السابق خلفه بأنه قد «انحاز» لرجال الاعمال ضد مصلحة المواطن البسيط!، والدليل الذي ساقه الوزير السابق علي صحة اتهامه للوزير الحالي أن وزارة التموين تدرس إلغاء حظر تصدير الأرز للخارج!، مما يؤكد انحياز الوزير الحالي لطبقة رجال الأعمال ومصالحهم، بغض النظر عن معاناة الشعب، وأضاف الوزير السابق في تصريحه ل «الوفد» قائلاً: «وهذا ما حاربت من أجله كثيراً، لأنه من غير المعقول تصدير الأرز للخارج، والسوق المحلي يعاني نقصاً شديداً خاصة أصحاب البطاقات التموينية، فالعجز الشهري يصل إلي 80٪ في حصة البطاقات التموينية البالغة مليوناً و200 ألف طن سنوياً». ويثير وصف الوزير السابق للتموين الوزير الحالي بانحيازه لطبقة رجال الأعمال ومصالحهم علي حساب مصالح بسطاء المواطنين الكثير من الشجون!، فمنذ أن فرض الحظر علي تصدير الأرز إلي خارج البلاد ورجال الأعمال الذين يعتبرون تصدير الأرز المصري إلي الخارج عماد نشاطهم وأرباحهم الطائلة لا يتوقفون عن مواصلة الاحتجاج الدائم علي منع تصدير الأرز!، وهناك من يتبني منهم تجارة تهريب الأرز الذي تضبط منه كميات معدة للتهريب!، وكانت أنفاق غزة التي هدمتها قواتنا المسلحة بأعدادها الكثيفة هي ممر رئيسي للأرز وغيره من البضائع المصرية التي توفر بتهريبها ربحية عالية لمهربيها وتجارها داخل غزة، وقد أدي تصدير الأرز المصري وتهريب بعضه إلي أن يباع الأرز الحر في السوق بأسعار عالية، ولم يبق متاحاً غير الأرز «الكسر» الذي يتم توزيعه ببطاقات التموين!، وليت هذا الأرز بنوعيته الرديئة يتوفر!، بل فيه هذا العجز الفاضح الذي أشار إليه الوزير السابق!، وإذا كانت هناك نية لترشيد زراعة الأرز وتخفيض استهلاكات المياه اللازمة لزراعته، فإن الذين يعملون في تجارة الأرز داخلياً، ويريدون التوسع في بيعه بالخارج ليحصلوا علي عملات صعبة لا يعنيهم أمر زراعة الأرز وما يلزمها من المياه التي تعاني مصر أزمة فيها، بقدر ما يعنيهم فقط فتح باب التصدير أمامهم، مما يجعل وزير التموين الحالي أمام مواءمة صعبة بين حاجة الداخل ومصالح البعض من الخارج!