"الشعب يريد إسقاط النظام" .. هو هتاف ردد صداه أرجاء الوطن العربى فى عام 2011 المنصرم .. حتى سطرته كتب التاريخ تحت مسمى عام الثورات العربية، بعد أن ضاق الشعب التونسى بانحطاط أحوال المعيشة والركود الاقتصادى الذى طال الجميع ، خرج الشعب ساخطاً على النظام، حتى نجحوا فى الإطاحة بالرئيس التونسى السابق زين العابدين بن علي، على أثره هبت الثورة المصرية معلنة رفضها لقمع الأنظمة الاستبدادية حتى خلعت مبارك من مقعد الحكم قبل إكمال مدته التى ترجى من أجلها شعبه. ولم تمر أيام معدودة حتى انتقلت عدوى النضال إلى الشعب الليبى وخرج الشعب فى الشوراع ناقمًا على رئيسه الذى أودى به القمع والاستبداد إلى القتل على أيدى أبناء شعبه، وتليها الثورة اليمنية التى أجبرت بن صالح على التنحى والهرب فى النهاية ليثبت الشعب العربى أن النضال من شيمه الأساسية. مطلع الثورة الليبية عرفت ثورة 17 فبراير التى انطلقت إثر احتجاجات شعبية فى بعض المدن الليبية ضد نظام العقيد معمر القذافي، اندلعت شرارة تلك الاحتجاجات على شكل انتفاضة شعبية شملت بعض المدن الليبية ، قادها الشباب الليبيون اللذين سئموا الفساد المستشرى فى كافة أنحاء البلاد وسئموا الخوف وانتهاك حقوق الإنسان، وأن الإصلاح الاقتصادى المرجو لن يتحقق، بدأت مظاهرات واحتجاجات سلمية، لكن مع تطور الأحداث وقيام الكتائب التابعة لمعمر القذافى باستخدام الأسلحة الحية الثقيلة لقمع المتظاهرين، تحولت إلى ثورة مسلحة تسعى للإطاحة بمعمر القذافى الذى قرر القتال حتى اللحظة الأخيرة، وبعد أن أتم المعارضون سيطرتهم على الشرق الليبى أعلنوا فيه قيام المجلس الوطنى الانتقالى. ما قبل الثورة تداعيات ثورة 17فبراير الليبية تعود إلى التسعينيات بعد ظهور مجموعات إسلامية مسلحة وخاصة فى مدن درنة وبنغازى وقعت على إثرها أعمال قمع وتعذيب من قبل الأجهزة الأمنية والمسؤولين فى الدولة، وصلت إلى حد ارتكاب مجزرة ضد معارضين ، كما أن حرية التعبير كانت مقيدة إلى حد كبير. ومع أن ليبيا تجنى سنويا عشرات مليارات الدولارات من تصدير النفط "إنتاج ليبيا النفطى الذى يبلغ 1.6 مليون برميل يوميا"، الأمر الذى جعل احتياطيها الإستراتيجى من النقد الأجنبى يتجاوز 100 مليار دولار، إلا أن كثيرا من الليبيين يشتكون من تردى أحوالهم المعيشية، وحصلت مظاهرة بمدينة البيضاء هى الأولى من نوعها بليبيا على الأوضاع المعيشية بتاريخ 14 يناير، وتقول تقديرات إن معدل البطالة وصل إلى 15%، فى حين أن الفقر بلغ مستوى كبيرا. مجزرة سجن أبو سليم فى 29 يونيو 1996 م قامت قوات خاصة بمداهمة سجن بوسليم، وفتحت النيران على سجناء عزل موقوفين لانتمائهم لجماعات إسلامية، وقتلت نحو 1200 سجين، وظلت تلك القضية أمرا ممنوع الحديث عنه فى ليبيا حتى عام 2009 م عندما أعلن سيف الإسلام نجل القذافى أن مسؤولى الشرطة وسجن بوسليم سيقدمون للمحاكمة بسبب تلك الحادثة. ومنذ ذلك التاريخ ينظم أهالى الضحايا فى بنغازى وقفات ومظاهرات أسبوعية كل يوم سبت للمطالبة بتحقيق عادل ومستقل فى القضية وتحقيق مطالبهم، وكانوا فى مرات عديدة يتعرضون للمنع وقد تولى المحامى فتحى تربل الدفاع فى هذه القضية. طالب أهالى الضحايا ومنظمات حقوق الإنسان طيلة سنوات بالكشف عن مصير السجناء، إلا أن نظام معمر القذافى بقى يتكتم على الجريمة وينكر حدوثها ويمنع أى حديث عنها، حتى العام 2009 م عندما بدأ بإبلاغ أهالى القتلى نبأ وفاة أبنائهم. عندما تمرد المعتقلون للمطالبة بشروط اعتقال أفضل وبمحاكمة عادلة وبالحق فى تلقى زيارات ، قام النظام القمعى والوحشى بتنفيذ أقسى جريمة فى حق الشعب الليبى وذلك بإقامة مجزرة للمعتقلين وإبادتهم فى غضون ساعتين ، استخدمت فى هذه المجزرة رمانات (قنابل يدوية) وبنادق الكلاشنكوف ورشاشات الأغراض العامة والغدارات وغيرها.ومنذ ذلك الحين يتولى فتحى تربل الذى اعتقل سبع مرات منها عندما كان طالبا، تمثيل مجموعة من عائلات بنغازي، خسرت أفرادا أثناء المجزرة. اندلاع الثورة كل تلك الأحداث ساهمت فى تفاقم الغضب الليبى شهر الذى قاد للصراع المسلح وحملَ الثوار فى يوم الخميس 17 فبرايرالأسلحة الحية للمرَّة الأولى، إذ كان ذلك فى مدينة البيضاء ومحيطها عندما انشقت "كتيبة الجارح" التابعة للحرس الجمهورى الليبى وبدأ جنودها بتبادل إطلاق النار معَ الجنود الموالين للقذافي، وبذلك اندلعت معركة البيضاء. فأخذ ثوار البيضاء السلاح من بعض مخازن الذخيرة واتجهوا به إلى موقع كتيبة الجارح فى مدينة شحات المُجاورة للبيضاء ولمساندة المُنشقين بالقتال، ومن ثم إلى مطار الأبرق الذى دارت به معارك، حيث تمكنوا الثوار من الاستيلاء على بعض الطائرات التى وضعت فيه، وتدمير مهابط المطار فى 18 فبراير 2011. فى الوقت نفسه ونتيجه لمحاولات نظام القذافى لقمع الثورة بجبل نفوسة الغربى بالآلات الحربية الثقيلة تكاتف الثوار المنتفضون بمدن كيفرن والزنتان وجادو ونالوت وتسلحوا بالعتاد لمواجهة تلك الآلات الثقيلة ولاحقاً فى 21 فبراير هاجمت كتائب القذافى المطار لانتزاعه من أيدى الثوار، لكنهم نجحوا فى إسقاط طائرة عمودية، فنشبَ أوَّل اشتباك مسلَّح فى الثورة الليبية الذى انتهى بإلقاء القبض على العقيد معمر القذافى فى إحدى مواسير مياه الصرف الصحى وقتله على يد أبناء شعبه. ومن وقتها وعلى مدار عامين كاملين منذ انلاع الثورة، استمر الصراع المسلح بين قبائل ليبيا وميليشيات جيش القذافي، دون تحديد للهوية الليبية الجديدة، لتختم تلك النهاية بمصير مجهول لشعب مناضل.