تشهد مصر في الفترة القريبة القادمة الانتخابات الرئاسية الثانية عقب ثورة 25 يناير،والأولى عقب ثورة 30 يونية مما يعكس حجم التطورات والتغيرات التي شهدتها مصر في فترة زمنية قصيرة في طريقها نحو رسم ملامح المستقبل الذي يتطلع إليه الشعب المصري،كما تأتي هذه الانتخابات الرئاسية في فترة تتسم بعدم الاستقرار والتحديات والمصاعب التي تواجه مصر على مختلف المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية، فضلا عن الضغوط والتهديدات الإقليمية والدولية ومهددات الأمن القومي المصري ويضاف إلى هذه التحديات والمصاعب خطر الإرهاب الأسود الذي بدأ يطل بوجهه الكئيب في الآونة الأخيرة في أنحاء مختلفة من الوطن، ويترتب على ذلك أن هناك تحديات ومصاعب ربما غير مألوفة من قبل تواجه الرئيس القادم وتجعل هناك ضرورة للتوحد والتماسك الداخلي والتكاتف من الجميع أفراد وقوى سياسية ومؤسسات لمواجهة هذه التحديات بنجاح ،وفي اعتقادي أن أهم المطالب من الرئيس القادم تتمثل فيما يلي:- أولا: البرنامج الرئاسي للمرشح ويقصد بذلك الخطة أو الإطار الذي يطرحه المرشح الرئاسي أمام الشعب، والذي يتمثل في الاستراتيجية التي يعمل المرشح الرئاسي على تحقيقها في حالة نجاحه، ويتطلب الأمر في هذا البرنامج التركيز على القضايا والمشاكل الجماهيرية الملحة وتوضيح كيفية مواجهتها والتعامل معها، وأن يتسم هذا البرنامج بالشمولية والبساطة معا، بمعنى البعد عن التعقيد والتراكيب والمصطلحات التي قد يصعب فهمها على المواطن العادي، وأن يتسم البرنامج بالواقعية وعدم الإسراف في الوعود أو الآمال الزائفة، لأن المرشح الرئاسي الذي يفوز في الانتخابات سيصبح مسئولا عن تحقيق هذا البرنامج على أرض الواقع وتحويله إلى سياسات يشعر بها المواطن من الناحية الواقعية ويشعر بتأثيرها الإيجابي على حياته اليومية وأموره المعيشية، وأن ينطوي هذا البرنامج على تبني المبادئ والأهداف الكبرى والهامة للثورة والتي خرج الشعب المصري لتحقيقها مرتين في خلال عامين والنصف من الزمان، ولعل من المفيد أيضا عند فوز المرشح وتوليه رئاسة البلاد بالإرادة الشعبية أن يعمل على تحويل برنامجه الانتخابي إلى التزامات عليه أمام الشعب ووفقا لتوقيتات زمنية محددة وبحيث يشعر الشعب بالإنجاز المتحقق على أرض الواقع خلال هذه التوقيتات الزمنية وعبر الفترة الرئاسية والتي تقدر بأربع سنوات. ثانيا: مواجهة المشاكل الأمنية، وربما يعتبر ذلك من أهم المطالب الشعبية من الرئيس المقبل بعد أن عانى الشعب خلال السنوات الأخيرة من عدم توافر الأمن بالدرجة الكافية أو المطلوبة سواء على مستوى الأمن الجنائي أو على مستوى الأعمال الإرهابية التي تزايدت في الفترة الأخيرة ولذلك يكون توفير الأمن بمعناه الشامل من القضايا الهامة والملحة وذات الأولوية التي يتعامل معها الرئيس القادم وخصوصا أن الأمن يرتبط ارتباطا وثيقا بالجوانب الاقتصادية، فنحن في حاجة إلى الأمن وتوافره لجذب الاستثمارات الخارجية سواء العربية أو الدولية ولدفع عملية التنمية ويصعب أن تأتي الاستثمارات بالمعدلات المطلوبة في مناخ من اختلال الأمن أو عدم الاستقرار، وكذلك فإن نمو وازدهار السياحة وهي المصدر الهام من مصادر الدخل القومي تحتاج إلى توافر الأمن والاستقرار وكذلك نمو الصادرات والاستثمارات المحلية كلها ذات صلة وثيقة بمدى توافر الأمن. ثاثا: مواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ومن هذه المشاكل والقضايا مكافحة العشوائيات ومكافحة البطالة وتوفير الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي والاهتمام بالشباب وكبار السن وحماية الكرامة الإنسانية وتحقيق العدالة الاجتماعية وغيرها من القضايا الهامة الاقتصادية والاجتماعية التي نادت بها ثورة 25 يناير و30 يونية وتبناها الدستور الجديد وأصبح من المرغوب فيه أن تتحول إلى واقع يشعر به الشعب ويتأثر به تأثرا ايجابيا، وفي اعتقادي أنه قد يكون من القضايا الملحة إعطاء أهمية خاصة للشباب وقضاياه ومشاكله، فالمجتمع المصري من المجتمعات الشابة حيث تصل نسبة الشباب فيه إلى قرابة 50% ولذلك يكون من الضروري التعامل مع مشاكل الشباب وقضاياه بأكبر درجة من الجدية، ويمكن في هذا الإطار تبني مشروعات قومية يكون الشباب محركها الأصلي ومن ذلك على سبيل المثال استزراع المناطق الصحراوية ،وتعمير سيناء أي تصبح سيناء مشروعا قوميا وهو يحقق العديد من الأهداف السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية ويساعد ذلك على علاج مشكلة بطالة الشباب كما يساعد أيضا على علاج مشكلة التكدس السكاني في الوادي والدلتا. رابعا: التعامل مع مشكلة مياه نهر النيل ،وهي من أكثر القضايا خطورة والحاحا والي يتعامل معها الرئيس القادم، فنهر النيل هو شريان الحياة لمصر منذ فجر الحضارة وبدونه تتحول مصر إلى صحراء جرداء وهو نهر دولي تحكمه اتفاقات دولية ويجب عدم السماح بأي شكل من الأشكال بتهديد حصة مصر من مياهه بالإرادة المنفردة لدولة أخرى، ويحتاج هذا الملف الذي يؤثر على الأمن القومي المصري بشكل مباشر وحاد إلى تحرك سريع وحاسم من الرئيس القادم لأن مرور الوقت ليس في المصلحة المصرية ويتطلب الأمر التحرك على المستويات السياسية والاقتصادية والمالية والعربية والأفريقية والدولية وكافة الخيارات المتاحة للحفاظ على أمن مصر المائي وأمنها القومي. خامسا: الحفاظ على هيبة الدولة وقدرتها سواء في الداخل أو الخارج، ففي الداخل تطبيق القانون بطريقة حاسمة وتحقيق العدالة الناجزة والوقوف في وجه المخالفات التي تنتهك القانون مثل البناء المخالف، والبناء على الأراضي الزراعية، وعدم احترام قوانين المرور وضبط الأسواق وتلويث مياه النهر وغير ذلك من الأمور مع ضرورة الحفاظ على التوازن المطلوب بين دولة تكفل حقوق وحريات مواطنيها من جانب، وتكفل احترام قوانينها من جانب آخر وعندما تتحقق هيبة الدولة في الداخل فإن ذلك يعطيها قوة ومصداقية في المجال الخارجي. ويمكن القول أخيرا إن الرئيس القادم لمصر يواجه العديد من القضايا والمشاكل والتحديات ولابد من مساندة الشعب والمؤسسات السياسية والقوى الاجتماعية لكي يعمل الجميع في منظومة واحدة لتحقيق أهداف الثورة وتحقيق طموحات الشعب المصري.