لحظات كاشفة تلك التي يعيشها الوطن، ويرقبها العالم من حولنا بمزيج من المشاعر والآمال المعبرة عن حقيقة مصالحهم المرتبطة بالأوضاع في مصر. فقد أبي الشعب المصري إلا وأن يؤكد علي تفرده بين الأمم، كاشفاً عن أسباب ريادته للمسيرة الإنسانية عبر آلاف السنين، وما خلفته من خبرات إنسانية تراكمت فوق أرض الوطن، فشل الغزاة والطغاة في استيعابها، فليس يقوى علي صناعة حضارة ما زالت تحتفظ بدهشة العالم سوى هذا الإنسان المصري، وليس يقدر علي نزع مكنونه الحضاري كل متآمر أو خائن سعي إلي شق الطريق بين الشعب المصري ومكانه الطبيعي في مقدمة المسيرة الإنسانية. لحظات كاشفة بالفعل لأسباب استهداف القوى الاستعمارية الجديدة لمقدرات هذا الشعب، بعد أن ظل حاكماً للتوجه الإقليمي رغم معاناته جراء أنظمة حاكمة بالية استبدلت الطريق نحو مواصلة تقدمه الحضاري، بجملة من المصالح الذاتية الضيقة. من هنا كانت خطورة الشعب المصري مؤكدة علي كل القوى الاستعمارية متى استرد مكانته الطبيعية؛ ومن ثم كان الحرص بالغاً علي محاصرته بكثير من أسباب تشتيت قواه، وإضعاف مقدراته، وإن استلزم الأمر قذفه بأنظمة فاسدة، والمساهمة في إحكام قبضتها علي الحكم، لتنهض بالوكالة بكافة أعمال القوى الاستعمارية الجديدة. فليس من شك أن ما شهده الشارع المصري من مظاهر احتفالية، هو أمر يُشير بجلاء إلي تفرد الشعب المصري، وقد تناول الاستفتاء علي الدستور الجديد، باعتباره عيداً قومياً جديداً، ورسالة واضحة الدلالة للعالم وهو يرقب مجريات ثورتنا المجيدة. رسالة تؤكد إصرار الشعب المصري علي مواصلة السير قدماً نحو إنجاز طموحاته الثورية، فآمال الشعوب كلها مشروعة، وواجبة النفاذ ولو بعد حين، لا تعوقها مؤامرات القوى الدولية والإقليمية، ولا تضل طريقها خلف قيادات خانت الوطن، واستباحت الدين خطاباً كاذباً في مجتمع الدين منه القلب والعقل، بكافة رسالاته السماوية، فكان حقاً أن يخيب مسعى كل متاجر بالدين، خيبة سابقيه ممن احتكروا الوطن، واحترفوا المتاجرة بمقدراته، ترسيخاً لأقدامهم فوق إرادة شعبه الحر. رسالة تطمئن كافة المجتمعات المُحبة للسلام بأن الشعب المصري سيجابه الإرهاب بالوكالة عنهم، وسينهض بدوره التاريخي في مواجهة أعداء الإنسانية، فما كانت مصر للتنظيم الدولي للجماعة الإرهابية إلا مدخلاً منطقياً، تنفذ منه إلي كافة مكونات المنطقة، في سبيل تجسيد الحلم الوهمي في خلافة ترتد بالعالم المعاصر، عبر مسافات زمنية بعيدة، إلي مناطق تاريخية تجاوزتها المسيرة الإنسانية، وباتت تصطدم مع كل ما حققته الإنسانية من تطور أفضي إلي «الدولة» بوصفها الكيان القانوني الأنسب القابل للبقاء في ظل مستجدات المشهد الدولي. رسالة بموجبها يتحتم علي القوى الدولية والإقليمية مراجعة سياساتها المعادية لإرادة شعوب المنطقة، وإدراك حقيقة الوزن النسبي للدولة المصرية، متى ارتكزت علي إرادة شعبية حقيقية. «الوفد»