أصبح اليورو أخطر تهديد لمستقبل أوروبا كلها، فالوحدة فى العملة تربط معاً كل الاقتصاديات المتنافرة، بينما يوافق السياسيون على حزمات مساعدات الواحدة تلو الأخرى، مما يمهد الطريق لوضع عبء على الأجيال الأوروبية القادمة ويعيد الاتحاد الأوروبى إلى الوراء بعقود. وتواصل مجلة دير شبيجل الألمانية قولها: إنه فى الأشهر 14 الماضية تبنى السياسيون فى دول منطقة اليورو حزمة مساعدات الواحدة بعد الأخرى، داعين إلى لقاءات قمة محمومة، متناسين أن الأمور لا يمكن أن تسير هكذا، حيث لم يعد اليورو القديم موجوداً فى شكله المقصود ولم يعد الاتحاد النقدى الأوروبى مجدياً، ومن ثم فإننا نحتاج إلى خطة إنقاذ بديلة. وتشرح دير شبيجل سبب الأزمة بكونه إدارياً فى المقام الأول، حيث سعى المسئولون إلى ترضية الجماهير، قائلين إنه لا توجد فقط سوى أزمة ديون للحكومة فى دول يورو قليلة وأنه لا توجد أزمة تخص اليورو نفسه بدليل ثبات اليورو نسبياً أمام عملات أخرى مثل الدولار كما زعموا. وترد سبيجل على هذا بأن الأمر لو لم يكن متعلقاً باليورو لكانت أزمة اليونان مشكلة معزولة من الصعب تحملها فى اليونان ومن السهل تحملها فى أوروبا، لكن المشكلة أن اليونان جزء من دول اليورو، مما يجعل ديون أثينا مشكلة لكل شركائها ويفرض تهديداً على العملة المشتركة. ولو تخلت بقية دول أوروبا عن اليونان فإن الأزمة يمكن أن تخرج عن السيطرة فتنتشر من دولة إلى أخرى، ولن يكون بهذا لدى المستثمرين ضمانة بأن أوروبا لن تسحب دعمها عن البرتغال أو أيرلندا لو وقعت الأزمة، وسيبيعون حينئذ سنداتهم الحكومية، مما يخفض سعر هذه السندات ويرفع فرق السعر ويجعل تلك الدول مضطرة إلى جلب رأس المال بدفع معدلات فائدة عالية، مما سيفاقم مشكلاتهم بالفعل، وربما لا يستطيعون الحصول على مال مطلقا ومن ثم يصبحون مفلسين. وتشير شبيجل إلى أن مؤسسى اليورو لم يكونوا يتوقعون هذه الأزمة ولذا فإنهم لم يقوموا بتضمين أية بنود خاصة بها فى مجموعة تشريعات الاتحاد النقدى الأوروبى، والمشكلة أن اليورو يجمع الدول القوية مع الأخرى الضعيفة على السراء والضراء ولا يوجد مخرج وليس ثمة قواعد يمكن اتباعها فى هذه الظروف الطارئة، والمشكلة الأخرى هى أن القرارات التى سوف يتم اتخاذها لحل المشكلة ستخرج من اجتماعات سرية وليس عن طريق برلمان وتصويت ديمقراطى، فأثناء اللقاءات السريعة بين المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسى وفى اجتماعات البنوك المركزية وراء الكواليس تُطبخ السياسات ثم تُسلم إلى البرلمانات للموافقة عليها حتى لو كان الأعضاء غير فاهمين لها أصلا. كما أن هذه القرارات التى يتخذها السياسيون لا تؤثر فقط على مواطنى الدول المتأزمة بل تؤثر أيضاً على مواطنيهم كالألمان مثلاً لأن هذا يمكن أن يزيد من الديون التى تظل مسجلة عليها للمستقبل البعيد. وقد تسببت أزمة ديون اليورو بالفعل فى طرد حكومتى أيرلندا والبرتغال ويمكن أن تلحق بهما قريباً الحكومتان الأسبانية واليونانية، كما أن آنجيلا ميركل يمكن أن تخسر أغلبيتها البرلمانية عند التصويت المرتقب على إجراءات المساعدات. وتختتم مجلة دير شبيجل بقولها: إن أوروبا الآن منقسمة نصفين واحد يحتاج بشدة إلى المال والآخر يترقب دفع هذا المال مما يجعل الأوروبيين جميعاً غاضبين، والمثال على هذا هو أن 60 بالمائة من الألمان يعارضون حزمة مساعدات جديدة لليونان فيما يخرج المواطنون الأسبان واليونان إلى الشوارع محتجين على سياسات التقشف ويضربون سيارة الليموزين الخاصة برئيس وزرائهم جورجيوس بابانديرو بالبرتقال وهم يصرخون "أيها اللصوص الخونة ماذا فعلتم بأموالنا" حتى استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.