احتل خبر وفاة الزعيم الافريقي «نيلسون مانديلا» في الخامس من الشهر الحالي ديسمبر 2013 صدارة الاخبار في كل وسائل الاعلام العالمية، مما أصبغ ملامح روحانية وقاسية على زكراه الزاخرة والمليئة بالأعمال المجيدة، مثل تعزيز حقوق الانسان والمساواة وحقوق الاطفال والضعفاء والفقراء، والكفاح من أجل الديمقراطية وغيرها، حتى لقبوه «بقديس العالم». هذا ما تعرفه شعوب العالم عن ملهم الحريات في القارة السمراء وأشهر محارب للعنصرية في التاريخ الحديث، ولكن هناك حقائق خفية ومحطات مؤثرة في سيرة هذا القائد والمناضل التاريخي العظيم لا يعرفها الكثيرون نسلط الضوء عليها في هذا الملف تتصل بمعركته مع الايدز الذي التهم فلذة كبده ومليوني شخص من شعبه، وهى معركة لم تقل ضراوة عن نضاله ضد التفرقة العنصرية التي كادت تختطف وطنه. ومن «صانع المشاكل» وهو اسمه قبل أن يتم استبداله الى «نيلسون» إلى «المومبار» أكلته المفضلة أو رفيقه أثناء رحلة النضال وفترة الزعامة تتبلور العديد من الخفايا في مسيرة «قديس العالم» الذي يواري التراب يوم الأحد المقبل. الحقيقة الأولى: ولد «نيلسون دوليهالها مانديلا» في 18 يوليو 1918 في بلدة «مافيزو» في مقاطعة «أوماتوتو» بمحافظة «كيب» «بالاتحاد الجنوب افريقي» آنذاك، والذي استقل وتحول الى دولة «جنوب أفريقيا»، وكان اسمه الحقيقي «دوليهالهالا داليبونجا مانديلا» واسمه الأول كان يعني «صانع المشاكل» واسم الدلع «ماديبا» وتبدل اسمه الى «نيلسون» عندما التحق مانديلا بالصف الأول في المدرسة حيث رأت استاذته «ماديجانجي» أن اسم «نيلسون» باللغة الانجليزية أفضل من اسمه الافريقي «دوليهالهالا» وقال «مانديلا» في كتابه «الطريق إلى الحرية» إنه لا يعلم لماذا لقبته استاذة اللغة الانجليزية باسم «نيلسون» قضى مانديلا 27 عاماً في السجن بدأت في 1968 حتى 1982 في جزيرة «روبين أيلاند»، قضى «نيلسون مانديلا» فترة اعتقاله الأولى «مع الشغل» كما تقول الأحكام القضائية المصرية، ظل يعمل فيها بالفأس في تكسير وتحطيم الحجارة، وعلى الرغم من تلك المعاناة الشاقة الا أنه نجح في الحصول على درجة علمية في «القانون» بل وكان زعيماً معارضاً في حركة «مناهضة التمييز العنصري». الحقيقة الثانية: تعود «مانديلا» في فترات اعتقاله الطويلة على الأكلات الفقيرة، فأصبح يفضل أكل «أمعاء الحيوانات» وهو يعني «الممبار» في الأكلات المصرية، على الرغم من تعدد سفرياته حول العالم وإقامته واستضافته في القصور والفنادق العالمية، ووجوده علي مآدب الطعام لرؤساء وزعماء دول العالم، المليئة بأطيب وأفخر الأطعمة، إلا أنه كان يفضل أكل الأطعمة البسيطة جداً، وأذاع عنه أولاده الخمسة وأحفاده هذه الحقيقة في أحد ذكريات احتفالات أعياد ميلاده. الحقيقة الثالثة: قضى مانديلا فترة محبسه الأولى من 1968 إلى 1982 ليس كأي سجين سياسي معارض، فكانت السلطات تعاقبه داخل المعتقل عقاباً اضافيا بجانب عقابه بالحبس، فلم يكن مسموحاً له بالزيارة سوى لشخص واحد كل عام لمرة واحدة فقط، كما لم يكن مسموحاً له بارسال أو استقبال أية رسائل مكتوبة الا كل 6 أشهر. الحقيقة الرابعة: تزوج مانديلا 3 مرات كانت الأولى في عام 1944 من «ايفيلين ماس» الناشطة الحقوقية والسياسية، وانجب 3 أطفال، ثم توالت الزيجات حتى وصل عدد أولاده الى خمسة، توفى ابنه «ماكاجاتو» في عام 2005 بعد اصابته بمرض «الايدز»، ثم توالت الوفيات من عائلة وأقارب مانديلا المصابين بنفس المرض إلى ثلاثة، مما دفعه إلى تكوين جمعية لمكافحة مرض الايدز قبل عام 1994 على مستوى دولة جنوب أفريقيا، حيث كان يحصد المرض 800 متوفي كل صباح يوم جديد، وكان مانديلا قد أعلن في أحد مؤتمراته في عام 1994 أن وفاة ابنه «ماكاجاتو» بمرضه دفعه دفعاً شديداً الى الاعتراف بوضوح بحقيقة وجود المرض مثله مثل الغدة النكافية والملاريا والسرطان، وغيرها من الأمراض المنتشرة في جنوب أفريقيا، وبذل نيلسون مانديلا الزعيم الافريقي جهوداً مضنية وواسعة في جمع التبرعات على مستوى ومن المنظمات العالمية وأولاها الأممالمتحدة، ونجح بالفعل في وقاية الأجيال الجديدة من الأطفال الذين ينتجون من مرض بالايدز. الحقيقة الخامسة: كان مانديلا زعيماً سياسياً وانسانياً، ولكنه كان فناناً ومرهف الأحاسيس، فعلى الرغم من معاناته في حياته داخل غياهب السجون والمعتقلات، الا أنه كان يفضل قراءة الشعر ومن أشهر وأفضل بيوت الشعر لديه قصيدة «اينفيكتس» للكاتب الانجليزي «وليام ايرنست هينلي»، وكانت القصيدة حماسية تشجع على مقاومة الصعاب وتخطى المحن، ولازمت هذه القصيدة مانديلا في فترة اعتقاله الأولى من عام 1968 حتى 1982، وتحولت معاني القصيدة الى سيناريو وقصة فيلمية بانتاج للسينما الأمريكية في عام 2009، وقام الممثل الأمريكي الأسود الشهير «مورجان فريمان» بتجسيد شخصية نيلسون مانديلا في هذا الفيلم الذي حمل نفس اسم القصيدة الشعرية «اينفيكتس» والتي تعني «لا تجعلونا ضحايا» أو التحرر من دور أو معاناة «الضحية» الى دور المنتصر الأقوى. وأعلنت الأممالمتحدة عن تحويل يوم 18 يوليو الى اليوم الدولي لنيلسون مانديلا بعد أن كان اليوم العالمي للحرية والعدالة والديمقراطية، كما أصدرت قراراً رقم 64/13 بانشاء صندوق «67 دقيقة» باسم نيلسون مانديلا كوسيلة للاحتفاء باليوم الدولي الخاص به، ويدعو الصندوق إلى تخصيص 67 دقيقة من أوقاتنا كبشر لمساعدة الآخرين المحتاجين للعون في كافة أشكاله، وذلك كرمز وأسوة بالزعيم الانساني مانديلا، والذي خصص 67 عاما من حياته لخدمة الانسانية كمحام لحقوق الانسان، وسجين الضمير وصانع السلام الدولي، بالاضافة الى كونه أول رئيس منتخب ديمقراطياً لدولة «جنوب افريقيا الحرة».