بعد ثورة 25 يناير، كنت من أشد الناس إيماناً بأن النظام الرئاسى فى مصر يجب أن يبدأ فى الزحف قدماً نحو سيطرة الفرد وتدخله فى تحقيق مصيره وبالتالى أن يكون نظامنا فى الحكم برلمانياً ولكن ما هى إلا شهور قليلة وبعد الاختلاط بالشارع والاقتراب من النخبة وجدت أنه مازال أمامنا مشوار طويل حتى نستطيع تقدير قيمة النظام البرلمانى والعمل به لأننا للأسف جميعنا نسقط تحت ديكتاتورية العوام, وقراراتنا تتأثر بما قد تمليه بعض القوى التى تحاول إثارة القلاقل فى الشارع. وعندما أثير فى لجنة الخمسين لتعديل الدستور المصري أن نظام الحكم في مسودة الدستور الجديد هو نظام شبه رئاسي، يعطي صلاحيات واسعة لرئيس الوزراء في إدارة الحكومة والسلطة التنفيذية وجدتنى أرفض هذا الاقتراح جملة وتفصيلا وعلى الاقل فى الوقت الحالى الذى لا نستطيع الفصل فيه بين الغث والسمين، خاصة أنه لتعيين رئيس وزراء جديد، يتعين على رئيس الجمهورية الحصول على موافقة أغلبية مجلس النواب على الاسم المطروح لهذا المنصب، وهو ما يعني بشكل غير مباشر أن يكون من الكتلة صاحبة الأغلبية في مجلس النواب. ونحن للأسف حتى الآن لا نعرف ماذا ستفرز الانتخابات القادمة من برلمان ربما يكون للإخوان والتيار المتأسلم وجود فيه بنسبة لا يحمد عقباها وخاصة أننا مازلنا حتى الآن نعانى من الرشاوى الانتخابية للإخوان فى القرى والنجوع وبالتالى قد يصبح البرلمان متناحراً لا يقدر على اتخاذ القرار الصائب. وفى حالة التطبيق شبه الرئاسى لن يكون من حق الرئيس إقالة رئيس الوزراء دون الحصول على موافقة أغلبية مجلس النواب وسيكون تعيين الوزراء ذوي الحقائب السيادية بالتشاور مع رئيس الوزراء، إلى جانب أنه لا يحق للبرلمان سحب الثقة من رئيس الجمهورية، حيث إن موافقة أغلبية الثلثين من النواب على سحب الثقة تعني الذهاب إلى استفتاء على بقاء الرئيس في منصبه.. وهذا يعنى أننا سنكون فى حالة من التشاحن والاضطراب التى نحن فى غنى عنها الآن!.. إن النظام المختلط الذى نفكر فيه مثل النظام الفرنسى، الذى يتقاسم فيه رئيس الدولة الصلاحيات التنفيذية مع رئيس الوزراء وهذا النظام تم تأسيسه في فرنسا، وأخذت به البرتغال، فنلندا، الجزائر، وغيرها. دعونا من السقوط فى سفسطائية «برلمانى، أم رئاسى، أم مختلط». القضية يجب ألا تكون سبباً للجدل والصراع والتشيع، فعلى كل دولة أن تختار النظام السياسى الذى يناسبها وفقاً لظروفها، وتبعا للمرحلة التى تمر بها، وعاداتها وتقاليدها فالعبرة فى النهاية ليست فى اختيار نظام بعينه ولكن أيهما يتلاءم مع ظروفنا, لذلك فأنا اميل الان للنظام الرئاسي الذى تكون فيه السلطة التنفيذية مستقلة عن السلطة التشريعية، ولا تقع تحت محاسبتها ولا يمكن أن تقوم بحلها. وفيه رئيس الجمهورية هو صاحب السلطة التنفيذية والمسئول عن السياسة الخارجية، ورئيس الجمهورية ينتخب من قبل الشعب، وليس من قبل البرلمان، والوزراء الذين يختارهم رئيس الجمهورية يخضعون لرئيس الجمهورية خضوعا تاماً، وهم خاضعون له كذلك في أثناء مباشرتهم لأعمالهم وفي عزلهم مع وضوح الفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية، التنفيذية، القضائية)، ولا يصح الجمع بين الوزارة وعضوية البرلمان. وإذا كان من مميزات هذا النظام أنه لا يحق للسلطة التنفيذية إعداد مشروع الميزانية، فالبرلمان هو الذي يعد الميزانية العامة للدولة عن طريق لجانه الفنية فإن من عيوبه أنه لا توجد رقابة من جانب البرلمان على رئيس الجمهورية والوزراء، وأن رئيس الجمهورية غير مسئول سياسياً أمام البرلمان، وإذا كان يجوز للبرلمان أن يوجه أسئلة أو استجوابات للوزراء، فإنه لا يجوز له مساءلتهم سياسياً وطرح الثقة بهم للتصويت وإقالتهم. إن غالبية أنظمتنا العربية كانت قد اتخذت (النظام الرئاسي) شكلاً للحكم، ولكن تعسف غالبية القابضين على السلطة في هذه الأنظمة جعل المطالبة من قبل الشعوب بتغيير هذا النمط من الحكم إلى (النظام البرلماني)، معتقدين أن هذه الصيغة هي الأقرب إليهم، وتبعد الحكام عن التفرد والتسلط بالسلطة، لكن ما نشاهده من تطبيقات بعد مايسمى ب (الربيع العربي) في الدول التي جرى فيها التغيير، نجدها مازالت تشرئب أعناقها إلى الرمز (الرئيس)، ذلك لأن المواطن العربي مازال ينظر إلى رئيس الدولة باعتباره هو الذي ينبغي أن يلجأ إليه الشعب. وفى الواقع فإننا يجب الاستفادة من تطبيق النظام الرئاسى الأمريكى فمجلس الشيوخ ومجلس النواب لديهما صلاحيات واسعة تقلص كثيرا من صلاحيات الرئيس، كما أن الجمعيات الأهلية والحقوقية ووسائل الإعلام أكثر نشاطا وتتمتع بحرية أكبر مما يشكل نوعاً من الرقابة المدنية. وأخذ واضعو الدستور الامريكي بمبدأ الفصل بين السلطات لمنع تحكم إحدى السلطات في غيرها، والقضاء على الاستبداد المحتمل.. وفى الواقع أن الشعب سيحصل على فوائد كثيرة من مبدأ استقلال رئيس الجمهورية في أداء عمله، وأن إفلات الرئيس من المسئولية لا يقاس بتلك الفوائد التي يحصل عليها الشعب، مع ان مثل هذا الهروب قد يقع في النظام البرلماني الذي يسأل فيه رئيس الوزراء عن جميع تصرفاته أمام السلطة التشريعية، وبالرغم من القاعدة الشعبية التي تستند إليها مشروعية اختيار رئيس الدولة إلا أن نجاحه في مهامه وصلاحياته يتوقف على حكمته وكياسته في القيادة بل وقدرته على كسب المؤيدين في البرلمان والسعي إلى تكوين أغلبية برلمانية تدعمه في سياساته وقراراته.. ونحن فى أشد الحاجة الى هذا النظام الرئاسى الآن حتى نخرج من عنق الزجاجة. BEST REGARDS