لم يكن الغرب الأبيض بزعامة أمريكا «يفضل» أن يشهد العالم مناضلين من طراز «نيلسون مانديلا» المؤمن بأن «الثورة مستمرة» حتى يعود حق السود فى وطنهم جنوب أفريقيا كاملاً!، وكانت سياسة «الفصل العنصرى» التى تمارسها حكومة «بريتوريا» البيضاء مما تراه أمريكا وأوروبا حقاً أصيلاً للمستعمرين البيض فى أراضى جنوب أفريقيا بالكامل!، وحيث تذهب ثروات البلاد بكاملها الى البيض وحدهم!، فى ظل استخدام السود كعمالة تقوم على نظام «سخرة» مخجل لكل من عاصروا نظام «بريتوريا» فى القرن الماضى، ذلك أن أمريكا وتراث أوروبا كلها قد قام على أسس استعمارية أيمن منذ عرفت أوروبا عقيدة استعمار بلاد الآخرين فى كل أفريقيا بتقاسم المستعمرات بين فرنسا وبريطانيا بمقتضى معاهدات وتحالفات جائرة!، إما أمريكا فقد عرفت الفصل العنصرى الذى جعل السود فيها بغير حقوق تقريباً!، إلا حق سكن الأكواخ وبذل العرق يومياً بلا هوادة أو راحة مما اكتسبه البيض من حقوق عمالية كفلها لهم القانون!، وقد شهد نضال السود فى أمريكا زعيما أسود من طراز الراحل «مارتن لوثركينج» الذى لم يكن مؤمناً بالعنف فى نضال السود، بل كان يناشدهم صباح مساء أن «يحبوا أعداءهم، ولا يردون الصفعة بصفعة، بل عليهم الصلاة من أجل أعدائهم!، ومع ذلك فإن «مارتن لوثركينج» بعد صفحة مطولة من «النضال» على طريقته لانتزاع حقوق السود، قد فوجئ لعالم باغتياله على يد المخابرات المركزية الأمريكية!، ليخلفه قس أمريكى هو الأب «أبيرناثى» والذى كان يتبع نفس نهج «لوثركينج»!، فى حين أن ظهور مناضلين سود آخرين آمنوا بأن البندقية وحدها هى طريق وحيد لانتصار السود وكسبهم لقضيتهم مثل «راب براون» و«ستوكلىكارمايكل» قد شنت عليهم الحرب الشعواء لكى لا يلتف حولهم السود فى الولاياتالمتحدة الأمريكية!، وكان «القس» «أبيرناثى» هو الذى يتصدر واجهة النضال الأسود ضد الفصل العنصرى داخل المجتمع الأمريكى، والذى ظل سارياً حتى أواخر الستينيات. وظلت جنوب أفريقيا بنظامها العنصرى الذى استبعد السود حتى من السير أو التواجد فى الأنحاء والنواحى المخصصة للبيض وحدهم!، والتي كانت تتصدرها واجهات على محالها ومطاعمها تلفت الأنظار بعبارة «ممنوع الكلاب والسود»!، وكانت جنوب أفريقيا تحظى برعاية خاصة من أمريكا ودول أوروبا وصداقة حميمة مع إسرائيل، والتى كانت تتبادل تجارة الأسلحة مع جنوب أفريقيا، وظهر «نيلسون مانديلا» كزعيم لحزب السود الذىحاز على التفاف كاسح من السود حوله!، وكانت مرحلة الخمسينيات والستينيات تشهد مداً تحررياً منتصراً لعبت فيه مصر دوراً بارز لتقود حركات التحرر،وتحصل الجزائر على استقلالها عن فرنسا علي عهد الرئيس الراحل شارل ديجول، والذى قاوم وأصر على تصفية كل وآخر مظاهر الاستعمار الفرنسى للجزائر وانتزاعها من قبضة المستوطنين الفرنسيين، وكان «مانديلاً يملك الصبر والقدرة على الاحتمال بأكثر مما توقعه حكام جنوب أفريقيا البيض، الذين طاردوا «مانديلا» بإيداعه السجون لسنوات، سرعان ما امتدت الى حكم بالسجن مدى الحياة،، متهماً بالتحريض على العنف الذى خاض السود معركته فى بسالة نادرة!، وكان شرط السود أن يفرج عن زعيمهم «مانديلا»، الذى كان كلما تلقى عرضاً من خارج السجن بالإفراج عنه التفاوض رفض كل العروض متشبثاً بأن السود لهم حقوق لابد ان تعود اليهم كاملة أولاً، فلمالم يتوقف العنف، وجدت حكومة «بريتوريا» أنها لن تعرف استقراراً فى البلاد بدون أن يكون مانديلا وحزبه الأسود ركيزة هذا الاستقرار، الذى عرف الطريق الى جنوب أفريقيا بعد انتخابات خاضها مانديلا لحزبه ليفوز بزعامة ورئاسة جنوب أفريقيا دون أى تمييز بين البيض والسود!. ويلغت النظر بعد رحيل مانديلا عن دنيانا بعد عزله هذه «التعازى المنافقة» من جانب الغرب الذى راح يشيد بنضال الرجل وأسطورته الإنسانية!، كما أن دول هذا الغرب المنافق كانت تحمل للرجل تقديراً فى حياته!، ويحق لكل الشرفاء فى العالم أن يشعروا بالحزن النبيل لرحيل مانديلا، أما المنافقون فلا يصدقهم أحد.