حينما تباطأت الحكومة في إصدار قانوني التظاهر والإرهاب، كيلت لها الاتهامات من كل جانب وصوب، تارة ينعتونها بالحكومة المرتعشة، وتارة أخري بالمترددة، وتارة ثالثة بالبطيئة، وما إلي ذلك من اتهامات عدة قصد منها وصم الحكومة بالعاجزة عن التصدي للإرهاب ووقف الفوضى في البلاد. وبعد إصدار الحكومة قانون تنظيم حق التظاهر، قامت الدنيا ولم تقعد، ثم كيلت للحكومة الاتهامات مره أخري، ونعتت بأنها ضد الثورة والثوار، وأن الشرطة ستعود مرة أخري لبطشها وتعسفها، وأن الحكومة ضد الحريات وما إلي ذلك من اتهامات لا أول لها ولا آخر. ومع الأسف الشديد، كان أول من خالف قانون التظاهر هم بعض شباب ثورة يناير، الذين أصروا علي عدم تقديم طلب الحصول علي التصريح اللازم للتظاهر، وقاموا خرقا للقانون بالتظاهر في ميدان طلعت حرب، ثم انتقلوا إلي مجلس الشوري، وحدث اشتباكات بينهم وبين رجال الشرطة، تم علي أثرها القبض علي مجموعة منهم وقدموا للنيابة العامة التي أمرت بحبسهم. ومن الأمور العجيبة، أن أول من اعترض علي قانون التظاهر، هي أمريكا، ثم الأمين العام للأمم المتحدة، ثم المفوضة عن الاتحاد الأوروبي. هؤلاء جميعا ومعهم بعض الصحف الأجنبية المأجورة كانوا أسرع في الاعتراض علي قانون التظاهر من شباب مصر أنفسهم ورجال الإعلام. وكأن دول الغرب هي التي أوعزت للمخدوعين من شباب مصر، للتظاهر والاحتجاج ضد هذا القانون. أقول هذا لأني علي يقين من أن شباب مصر الوطنيين حقا، فاتهم أن لدينا الآن أجهزة استخبارات عالمية تعمل بجد ونشاط في مصر، من أجل هدمها وإشاعة الفوضى فيها. وأهم تلك الأجهزة التي تعبث في مصر الآن، هي أمريكا وإسرائيل وألمانيا وإنجلترا وفرنسا وتركيا، كل هؤلاء يعملون علي إشاعة الفوضى للوصول إلي رفض الدستور الجديد، وبالتالي هدم خارطة الطريق. من هنا، فإني أرجو من شبابنا أن يعي ان العملاء الآن في مصر كثيرون جدا، وأن إسرائيل والغرب لن يهدآ لهما بال حتي تعم الفوضى البلاد، علي أمل أن يعود الإخوان مرة أخري إلي الحكم، وبالتالي يتمكنون من تنفيذ مخططهم المسموم وهو تقسيم وتفتيت مصر. وأني أسأل شبابنا، لماذا كل هذه الأحداث المؤسفة التي وقعت بسبب هذا القرار بقانون، بالرغم من أنه سوف يعرض مرة أخري علي مجلس النواب الجديد في خلال الثلاثة أشهر القادمة ليقول فيه كلمته الأخيرة إما بإلغائه أو تعديله أو الإبقاء عليه؟ ومن الملفت للنظر أيضا، تلك الحالة من الفوضى التي أعقبت صدور الحكم علي الأربع عشرة فتاة المنتميات للإخوان. صحيح ربما يكون هذا الحكم شديدا وقاسيا، ولكن ربما أيضا تكون العقوبات التي وقعت بحقهن هي العقوبات المنصوص عليها للتهم الموجهة ضدهن، والقاضي متي اقتنع بارتكابهن لهذه الجرائم فلابد له أن ينزل عليهن العقاب المنصوص عليه قانونا، وربما أيضا قد يكون تشدد القاضي في حكمه راجعا إلي أن يكون حكمه هذا عبرة لكل من تسول له نفسه المساس بأمن مصر وأمان شعب مصر. وفضلا عن ذلك كله فلم يكن هناك ما يدعو أبدا لمثل ما تم من تظاهرات واحتجاجات، فالقاضي يعلم أن حكمه ابتدائي وقابل للطعن عليه بالاستئناف ثم النقض. وقد تم بالفعل تحديد جلسة الاستئناف يوم السبت بعد باكر. خلاصة القول، إن الأحكام لها حرمتها وقوتها واحترامها، كما لها طرق طعن قانونية، وهذا هو السبيل الوحيد لإعادة النظر فيها. أما التظاهر والاحتجاج وتهديد القاضي الذي أصدر الحكم بالترويع والترهيب، فهذه كلها أمور تدعو إلي الفوضى وعدم احترام القانون والأحكام. وفي تقديري أن تلك الاحداث التي وقعت في أعقاب هذا الحكم من احتجاجات وتظاهرات، مفتعلة بقصد إشعال الفتنة بين صفوف الشعب وإشاعة الفوضى في البلاد. أعود فأقول.. إذا كان القرار بقانون المنظم لحق التظاهر ليس نهائيا وسيعاد النظر فيه مرة أخري أمام مجلس النواب القادم، وإذا كان الحكم الصادر من محكمة سيدي جابر الجزئية قابلا للطعن بالاستئناف ثم بالنقض ثم لرئيس الدولة الكلمة الأخيرة فيه. كل هذا في تقديري يثير الشك والريبة بداخلي، مما يجعلني أقول إن في مصر كثيرين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب. عاشت مصر حرة، وعاش رجالها الوطنيون الأوفياء.