خلق الله الإنسان وبقية المخلوقات - الحيوانات والطيور والأسماك والحشرات - ولكن دعنا نتأمل جيداً في الفرق الجوهري بين الإنسان وباقي المخلوقات ونسأل أنفسنا هل يستفيد ويفيد الإنسان من هذه النعمة الربانية؟.. فالإنسان مثل بقية المخلوقات إلي أدوار عادية مثل الحصول علي المأكل والمشرب والإنجاب والحركة والنوم والتيقظ ولكن الله فرق بين الإنسان وبقية المخلوقات إذ إنه منح الإنسان جوهرة لكي يجعله كإنسان وليس كأي مخلوق آخر.. هذه الجوهرة هي العقل البشري الذي منحه الله لنا جميعاً كآدميين لكي نفكر جيداً في كل الأمور الدنيوية ونتصرف ونسلك سلوكاً عقلانياً ونتذكر في كل لحظة كلمات الله وتوجيهاته إلينا لكي تكون حياتنا علي الأرض طيبة ولكي يسكننا الله جناته في الآخرة. علينا أن ندرك ونفكر جيداً ونسأل أنفسنا في كل لحظة هل نستفيد جميعاً مما منحنا الله إياه وهو العقل بالطريقة المثالية حتي تكون الحياة علي الأرض حياة جيدة مميزة لكي نسعد عند انتقالنا إلي الآخرة؟ هذا مدخل أناشد من خلاله من كل قلبي الإنسان المصري ذا الجوهرة التي أعطاها له الله في هذه الظروف الغريبة العجيبة الفوضوية، علي كل المستويات أن يسأل نفسه دائماً أبداً هل تفكيري صادق؟.. هل روحي جيدة؟.. هل تصرفاتي مميزة علي كل المستويات من أجلي ومن أجل الجميع؟.. إذا لم يكن كذلك علي كل إنسان أن يغير نفسه ويفكر ثم يفكر فإذا فعل الإنسان هذا سيكون قدوة لأولاده الذين سيقلدونه ويتشربون المياه النقية والعادات الجيدة والسلوك الرائع والفكر الجيد، فالأجيال الصغيرة هي مسئولية الكبار ليس في المنزل فقط بل في كل مكان وبذلك سيكون الجيل القادم جيلاً جيداً تشرب كل شيء رائع وتعلم ما هو مفيد للجميع ستنتقل هذه الروائع إلي الأجيال القادمة وبذلك سيصبح المجتمع المصري مجتمعاً جيداً ونكون جميعاً سعداء.. هذا الأمر يحتاج إلي وقت ولكن علينا جميعاً أن نقتنع بهذا ونبدأ جميعاً لصالحنا كلنا. وعلينا نحن الكبار أن نبدأ بأنفسنا حتي نكون قدوة للصغار الذين يتعلمون منا كل شيء ونجعلهم أيضاً أن يستفيدوا بالجوهرة التي أعطاها لهم الله، دون بقية المخلوقات، فالحياة الصادقة، الحياة المتدينة ليست بالقول أو بالمظهر بل بالفكر الجيد والتصرف الصادق والروح المميزة، وهذا سينعكس إيجابياً علي الجميع، علي كل إنسان أن يبدأ ويصر علي هذا ويذكر الله في كل لحظة من أفكاره وتصرفاته، صدقوني إذا بدأنا نفعل هذا سنكون جميعاً أسعد السعداء.. أكرر وأقول إن العقل أساس السعادة علي الأرض فعلينا أن نستفيد منه لصالحنا جميعاً. أحد رموز التحضر والتفكير العقلاني هو الشارع وسلوك الجماهير علي كل المستويات، وفي كل مكان، بكل أسف علي التفكير الأناني والسلوك السيئ اللاعقلاني نجد أن الشارع المصري الآن يدل علي إغفال العقل وإزاحة الضمير وهذا خطأ في حقنا، هل يعقل أن يسير الشباب وسط العربات، كما احتل الباعة الأرصفة وأجزاء من الشارع؟.. هل يعقل أن تري الشوارع مليئة بالقاذورات وبقايا السجائر؟.. هل تسمح بالموتوسيكلات أن تسير بدون أرقام وفي الاتجاه المعاكس؟.. هل نسمح أن تنطلق الميكروفونات بأصواتها في كل مكان فليس من حق أحد أن يجبر آخر أن يسمع ما يسمعه هو؟.. كل هذا غير متواجد في دول العالم المتحضر.. أين المسئولون عن كل هذا؟ هناك أيضاً من يدخنون أمام الناس وأولادهم غير مدركين أنه ليس من حقهم نشر التلوث للغير، فالتدخين بسبب سرطان الوجه والرئة والحنجرة والفم - كما يقول المتخصصون - هناك من يقذفون بالقاذورات في الشارع، لماذا لم تكن هناك عقوبات وغرامات لهذا حتي يمتنع الناس عن فعل هذا؟.. يجب أن يكون هناك فريق خاص للرقابة بدقة وبعدالة ودون أية مجاملات لأي سبب حتي يتعود الناس علي السلوك المتحضر بعد العقوبات والغرامات والأجيال ستتوارث هذا التحضر. إن من يقوم بأي عمل أناني غير متحضر إنما يسىء لنفسه وسينعكس ذلك بالطبع عليه وعلي أولاده دون أن يدري وسيندم حينما لا ينفع الندم.. المؤسف أن هؤلاء الناس لا يفكرون إلا فيما يحبون أن يفعلوه فقط وهذا ضدهم ولكنهم غير مدركين لذلك. إننا نعلم أن مصر بها نسبة كبيرة من غير المتعلمين والذين لا يعرفون القراءة والكتابة، ولذا يجب علي كل محافظة أن تقوم بتنظيم دورات عملية سريعة لإقناع الناس لكي يمتلكوا سلوكاً متحضراً لصالحهم ولصالح أولادهم، وهذا الأمر ليس مستحيلاً. يجب أيضاً علي كل المستويات وفي كل مكان أن تكون هناك متابعة للسلوك الجيد المتحضر لا سيما في المدارس والجامعات والمصالح والشركات، وبالطبع في المنازل والفنادق. إننا نحتاج لوقت ولكن إذا تحمسنا جميعاً لصالحنا جميعاً فسوف يصبح سلوكنا علي كافة المستويات يحكمه الجوهرة التي منحها الله للإنسان دون باقي المخلوقات. د. جورج تكلا أستاذ الأدب الإنجليزي