جيش الاحتلال يعلن مقتل أحد جنوده في اشتباكات بقطاع غزة    تشكيل مانشستر يونايتد المتوقع أمام توتنهام في نهائي الدوري الأوروبي    لينك و موعد نتيجة الصف الأول الثانوي الأزهري الترم الثاني 2025 برقم الجلوس    منظمات أممية تدعو إلى إدخال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    مساعدات عاجلة واستئناف «هدنة غزة».. تفاصيل مكالمة وزير الخارجية الإماراتي ونظيره الإسرائيلي    أسعار الفراخ اليوم الأربعاء 21-5-2025 بعد الهبوط الجديد.. وبورصة الدواجن الآن    ثلاثي الأهلي يجتاح قائمة الأفضل ب الدوري في تقييم «أبو الدهب».. ومدرب مفاجأة    الخارجية الفلسطينية ترحب بالإجراءات البريطانية ضد ممارسات الاحتلال في الضفة وغزة    مصرع طفلتين غرقا في ترعة بسوهاج    المستشار محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية اجتهاد وليس كتابا مقدسا.. لا شيء في العالم عليه إجماع    أفضل وصفات طبيعية للتخلص من دهون البطن    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفى والإعلامى (2)    بسبب المخدرات.. شاب يقتل والده خنقًا ويحرق جثته في بني سويف    سي إن إن: إسرائيل تستعد لضربة محتملة على المنشآت النووية الإيرانية    وزير دفاع سوريا: قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات يصب في مصلحة الشعب    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    واقف على باب بيت وبيقرأ قرآن، نجل سليمان عيد يروي قصة حلم شخصين لا يعرفهما عن والده    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    محافظ الدقهلية يشهد حفل تجهيز 100 عروس وعريس (صور)    الدولار ب49.86 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 21-5-2025    محمد معروف المرشح الأبرز لإدارة نهائي كأس مصر    «غزل المحلة» يعلن مفاوضات الأهلي مع نجم الفريق    طريقة عمل المكرونة بالصلصة، لغداء سريع وخفيف في الحر    ننشر أسماء المصابين في حادث تصادم سيارتين بطريق فايد بالإسماعيلية    «أهدر كرزة مرموش».. تعليق مؤثر من جوارديولا في ليلة رحيل دي بروين    رياضة ½ الليل| جوميز يشكو الزمالك.. رفض تظلم زيزو.. هدف مرموش الخيالي.. عودة لبيب    هبوط عيار 21 الآن بالمصنعية.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم الأربعاء بالصاغة    بعد شهر العسل.. أجواء حافلة بالمشاعر بين أحمد زاهر وابنته ليلى في العرض الخاص ل المشروع X"    رسميًا الآن.. رابط تحميل كراسة شروط حجز شقق الإسكان الاجتماعي الجديدة 2025    ترامب يطلق حرب نجوم جديدة ويسميها "القبة الذهبية" بتكلفة تصل إلى نحو 175 مليار دولار    ترامب يتهم مساعدي جو بايدن: سرقوا الرئاسة وعرضونا لخطر جسيم    تقدر ب2.5 مليون دولار.. اليوم أولى جلسات الطعن في قضية سرقة مجوهرات زوجة خالد يوسف    مجلس الصحفيين يجتمع اليوم لتشكيل اللجان وهيئة المكتب    رئيس الجامعة الفرنسية ل"مصراوي": نقدم منحا دراسية للطلاب المصريين تصل إلى 100% (حوار)    المستشار محمود فوزي: لا يمكن تقنين الخلو.. ومقترح ربع قيمة العقار للمستأجر به مشاكل قانونية    حدث في منتصف الليل| الرئيس يتلقى اتصالا من رئيس الوزراء الباكستاني.. ومواجهة ساخنة بين مستريح السيارات وضحاياه    تفسير حلم الذهاب للعمرة مع شخص أعرفه    52 مليار دولار.. متحدث الحكومة: نسعى للاستفادة من الاستثمارات الصينية الضخمة    محافظ الغربية يُجري حركة تغييرات محدودة في قيادات المحليات    شاب يقتل والده ويشعل النيران في جثته في بني سويف    6 إصابات في حريق شقة بالإسكندرية (صور)    توقيع عقد تعاون جديد لشركة الأهلي لكرة القدم تحت سفح الأهرامات    رابطة الأندية: بيراميدز فرط في فرصة تأجيل مباراته أمام سيراميكا كليوباترا    الجمعة 6 يونيو أول أيام العيد فلكيًا.. والإجازة تمتد حتى الاثنين    تحول في الحياة المهنية والمالية.. حظ برج الدلو اليوم 21 مايو    لميس الحديدي عن أزمة بوسي شلبي وأبناء محمود عبدالعزيز: هناك من عايش الزيجة 20 سنة    إرهاق مزمن وجوع مستمر.. علامات مقاومة الأنسولين عند النساء    بمكونات سهلة وسريعة.. طريقة عمل الباستا فلورا للشيف نادية السيد    نائبة تطالب بتوصيل الغاز الطبيعي لمنطقة «بحري البلد» بأسيوط    عضو مجلس يتقدم بطلب لتفعيل مكتب الاتصال الخدمي بنقابة الصحفيين (تفاصيل)    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    نص محضر أبناء شريف الدجوي ضد بنات عمتهم منى بتهمة الاستيلاء على أموال الأسرة    «منصة موحدة وكوتا شبابية».. ندوة حزبية تبحث تمكين الشباب وسط تحديات إقليمية ملتهبة    المدرسة الرسمية الدولية بكفر الشيخ تحتفل بتخريج الدفعة الرابعة    هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب    تعرف علي موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    وفد صيني يزور مستشفى قصر العيني للتعاون في مشروعات طبية.. صور    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خليل علي حيدر يكتب : حوارات سياسية.. في أبو ظبي
نشر في الوفد يوم 21 - 11 - 2013


خليل علي حيدر
الديموقراطية وبخاصة الغربية الليبرالية إما أنها لا تصلح لنا وإما أنها غير ضرورية لتحقيق التنمية أو الاثنين معاً
تسببت الطائفية في عرقلة عملية التغيير والتحديث في العراق وسورية ومصر وهي تهدد البلدان الخليجية
هل وصل مثقفو العالم العربي إلى حسم في المفاصلة والمفاضلة بين الدولة «الوطنية القطرية»، القائمة اليوم فوق اكثر من عشرين بلداً، ودولة «الوطن العربي»، التي تمناها الوحدويون العرب طويلاً، وتغنى بها حلماً، الشعراء والمناضلون.. أم لايزال الحوار والسجال مستمراً؟ ربما على الأرجح، سيتواصل الحوار إلى سنين قادمة، وود لا تتجاوز المجاذبات ما شهده منتدى «الاتحاد» الاماراتية، عندما تداعى كتاب زاوية «وجهات نظر» في الصحيفة، لتدارس «مستقبل الدولة الوطنية في العالم العربي»، فاجتمع أواخر أكتوبر 2013 في أبو ظبي للتحاور، جمعٌ مفكرٌ من كُتاب شمال أفريقيا ومصر ودول الشام والبلدان الخليجية.
ما التحديات التي تواجهها الدولة الوطنية اليوم؟ وما تأثير النزعة الأممية والاسلام السياسي على الدولة الوطنية؟ وما الذي يعزز التكامل الوطني؟ هل «الخارج» اثراء ودعم للتجربة الوطنية ام خطر عليها؟ وما الذي يفعله الاسلام السياسي بالاوطان؟ كيف يمكن للشعوب العربية ان تحمي تجاربها وبلدانها من خطر المغامرين وحَمَلة الشعارات السياسية والدينية؟
تحدث في الجلسة الاولى الاستاذ محمد المر، رئيس المجلس الوطني الاتحادي في دولة الامارات حول «مفهوم الدولة الوطنية ودلائل الانتماء للوطن» واثار وزير حقوق الانسان المغربي «محمد اوجار» نقاط الاخفاق في التجربة العربية، وبخاصة «في انجاز الامن وتحقيق التنمية، فجاء الربيع العربي تعبيرا عن رفض الشباب لدولة الاستبداد، فهم يهدفون الى دولة الحريات والمؤسسات». ولكن لماذا وقع كل هذا الاخفاق في عملية التغيير، ولماذا لم نر برامج واضحة يطرحها ويدافع عنها الشباب؟
جواب الكثيرين كان ولا يزال المؤامرات الخارجية والاصابع الاجنبية ومخططات «سايكس بيكو» الجديدة. ولكن لماذا تلقف الاسرائيليون «وعد بلفور» وصنعوا منه وطنا زاهرا متقدما، ولم نحسن توظيف «سايكس بيكو» في خمس دول؟!
من الظواهر التي نوقشت ولكن بشكل غير كاف «الطائفية»، والقوى التي تستغلها والمتلاعبون بتأثيراتها. ولكن لماذا انتظرنا سنوات طويلة قبل ان ننتبه الى الظاهرة ومخاطرها؟ ولماذا لا يستطيع شعب عربي رائد في الثقافة والحداثة مثل الشعب اللبناني ان يخرج من شراكها؟ ولماذا وجدها الارهابيون في العراق وسورية ومصر، ورقة جاهزة لتمزيق هذه المجتمعات واجهاض عملية التنمية فيها؟ ومن يهتم اليوم حقا باستمرار وجود ما يثير الطائفية في الاعلام العربي والمناهج التربوية وبعض القرارات الحكومية غير المعلنة؟
الكثير من الكتاب والمثقفين العرب لديهم اليوم جواب يبدو مقنعا للرد على وجوه الاخفاق في «الربيع العربي»، وهو ان «الديموقراطية» وبخاصة الغربية الليبرالية، اما انها لا تصلح لنا واما انها غير ضرورية لتحقيق التنمية.. او الاثنين معا! فمجتمعاتنا لا تتحمل ما تطالب به هذه الديموقراطية، وقد تكون مثيرة للداء اكثر من كونها الدواء.
كما ان دولا مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وغيرها، حققت نجاحات كبيرة في ظل ديكتاتوريات عسكرية احيانا. فما حاجتنا للديموقراطية؟ ولكن اين سنجد انفسنا في مصر وتونس وليبيا ان تخلينا عن الديموقراطية وقمنا بتسليم القيادة للجيوش؟ ولماذا كل هذه الثورة الدامية في سورية ان كنا سنأتي بجنرالات آخرين من «السُّنّة»، لنشتكي بعد سنوات من حماقة القرار؟ ولماذا جرى ما جرى في العراق واليمن، وما قد يقع في السودان؟
واذا رفضنا الديموقراطية، فلماذا لا نسلم الراية للاخوان وللاسلاميين في مصر وتونس وحتى سورية.. كي يحكمونا لخمسمائة سنة قادمة!
د.عمار علي حسن شارك بورقة قيمة بعنوان: «كيف يمكن تحقيق الاندماج الطوعي في الدولة الوطنية»؟ وقال ان بعض الدول تنجح في تحقيق هذا الاندماج ودول اخرى تفشل، «ولا يمكن حدوث اندماج وطني من خلال القوة الجبرية، فالاندماج الطوعي يحتاج مشروعا حضاريا مشتركا». وهذه رؤية صائبة، اذ لا شك ان الكثير من اوجه الفشل في الوصول به الى عامة الشعب وجمع كلمة الناس عليه. وحتى في مصر، حيث اعطت ملايين الناس قرار التغيير للجيش وقوى الامن يوم 30 يونيو 2013، لا تزال ثمة فجوة هائلة بين التفويض الشعبي والتنفيذ الحكومي.
استاذ العلوم السياسية والكاتب الاماراتي د.عبدالله جمعة الحاج صارح المنتدى بأن «العودة الى التشرذم القبلي سببها الخوف من المجهول». وحاول د.الحاج اعادة تذكير الجمهور داخل القاعة وخارجها باستحالة العودة الى ما قبل 2011، وتساءل: «هل نحن نسير في الاتجاه نحو الديموقراطية ونحو العالمية ام القبلية والطائفية؟ ان الوقوف في وجه العالم رهان خاسر، لان الرأسمالية تتوسع وتسير بسرعة».
وأثار د.رياض نعسان آغا وزير الثقافة السوري السابق، مخاوف مماثلة حين اشار الى خطورة الصراعات داخل الأقطار العربية، وعبَّر عن قلقه على الأمة وبخاصة وأننا «عشنا في القرن الماضي، وشهدنا تمزق أقليتين الكرد والأرمن». وأكد د.رياض «أن الدولة الوطنية جزء من بنية الأمة، ولن نستطيع التخلي عن الانتماء إليها». في المقابل، أكد الباحث البحريني د.عبدالله المدني، أن في التعدد القُطري ميزة، وأثنى على العلمانية الهندية، «التي نجحت في حماية التعددية».
وفي جلسة أخرى، أعلن الكاتب الإماراتي سالم سالمين النعيمي «أن الديموقراطية شرٌّ في العالم العربي ليس رفضاً لها في حد ذاتها، بل لأن الناس غير جاهزين لها»، وهاجم سالمين كذلك الإسلام السياسي، قائلاً: إن مشكلة هذا التيار تكمن في أن أصحابه «يرون أنهم مفوضون من عندالله، ويتكلمون بإرادة إلهية، الإسلام السياسي لا يؤمن بالوطنية، والإخوان لا يعتبرون المواطن مواطناً إلا إذا بايع الجماعة».
وهاجم القطري د.عبدالحميد الأنصاري الماضوية العربية قائلاً: «نحن نحسن صناعة الماضي ونخشى المستقبل، نحن الأمة الوحيدة التي تعيش في خوف وقلق دائم». غير أن هذا القلق مبرر هذه الأيام في هذه المرحلة. «فالدولة الوطنية تواجه تحديات كبيرة بسبب وصول إسلاميين إلى السلطة، فالأسس التي قامت عليها الدولة الوطنية معرضة للخطر. الرابطة الدينية لدى الإسلاميين تأتي على حساب الرابطة الوطنية، ولذلك ليس مستغرباً أن يفضل أحد المنتمين إليهم أن يحكمه أندونيسي مسلم بدلاً من مسيحي من أبناء بلده».
وهاجم الأنصاري الإخوان المسلمين واستقواءهم بالخارج.
وانتقد السعودي «منصور النقيدان» تباين واضطراب سياسات دول مجلس التعاون أمام الإسلاميين. فمثلاً دولة قطر «هي الأكثر إخلاصاً ومراهنة على الإخوان المسلمين، وتبدو سياستها نقيضة بشكل صارخ وعدائي لكل سياسات شقيقتها الأقرب إليها دولة الإمارات العربية المتحدة».
وقال «النقيدان» إن التركيز على محاربة الجماعات الإرهابية في المنطقة الخليجية، جعل حكوماتها تغفل عن التركيز بقدر كاف على حركات الإسلام السياسي مثل جماعة الإخوان المسلمين، وهذا ما أعطاها الوقت لتنظم نفسها وتتمركز بصورة تكفل لها إثارة الفتن مستقبلاً. ودافع النقيدان عن جوانب إيجابية من سياسة المملكة العربية السعودية تجاه الشيعة، وقال إن «نحو %40 من الطلبة السعوديين المرسلين للبعثات من الشيعة».
وفي الجلسة التي ناقشت عوامل التكامل الوطني، أشار الأكاديمي البحريني إلى أن المجتمعات العربية لديها ثلاث رؤى متباينة حول الدولة الوطنية. وقال إن ثمة غياباً ملحوظاً لمبدأ المحافظة على الدولة الوطنية القطرية، وأشاد د.المدني بجهود المفكر البحريني د.محمد جابر الأنصاري وبحوثه السياسية حول إبراز أهمية الدولة الوطنية القُطرية.
ولاحظ الباحث اللبناني المعروف د.رضوان السيد أن المصريين تحدثوا في دستور 1923 عن «الأمة المصرية»، وبعدهم بأربع سنوات كرر اللبنانيون الشيء ذاته، رغم الفارق الكبير بين أمة مكتملة كمصر وشعب قيد التشكل آنذاك مثل لبنان. وسلط رضوان السيد الضوء على مصطلح الأمة ذي الطابع الديني، وقال إن الإيرانيين والأتراك اختاروا مصطلح «الملة» لترجمة مفردة Nation بينما اختار العرب مفردة «الأمة».
وأبرز د.السيد معاناة العالم العربي في هذا المجال. فقد فشلت الدولة في بناء الكثير من الأسس التي يجب أن تبنى عليها، بل عادت الأمور إلى وضع ما قبل 1920، وقد يزداد الوضع العربي سوءاً، فنحن في مرحلة خطيرة، «بعد 50 عاماً من الأنظمة العسكرية التي يغيب عنها المجتمع المدني». وقال إننا في مرحلة خطيرة، «تهدد بفوضى تمتد لفترة متوسطة أو طويلة».
ويتساءل د.السيد: لماذا تحولت الدولة الوطنية من الإطار المدني إلى العسكري؟ ويجيب: «السبب يعود إلى المسألة الصهيونية التي هي سبب مهم لتوترات المنطقة، وكذلك الحرب الباردة بين المعسكرين الأمريكي والسوفييتي. أي أن السبب كان خارجياً وليس داخلياً. ولكن كيف يمكن تفسير الانقلابات العسكرية وتسلط الجيوش على الحياة المدنية في دول أخرى إسلامية وآسيوية وأفريقية وأمريكية لاتينية؟ صحيح، كما يقول د.السيد «إن النخب العسكرية ذات الأصول الريفية التي أبدت عداءها للتيارات المدنية وما تضمنه من نخب»، كانت قوة دافعة في العديد من الانقلابات، ولكن الجيوش كانت وربما لا تزال أهم القوى المنظمة في مجتمعات العالم الثالث خاصة، مما كان يغريها لحماية مصالحها بالاستيلاء على السلطة. وكان مما يساعد الجيوش على ذلك هشاشة السلطة المدنية أو تمجيد الروح العسكرية أو تداخل مصالح جنرالات الجيش مع القوى الاجتماعية والاقتصادية المهيمنة، وهناك عسكرة في بعض التجارب الآسيوية كاليابان وكوريا، لم تُدرس مقارنة بالتجربة العربية.
د.وحيد عبدالمجيد تناول «دور العامل الثقافي في تعزيز التكامل الوطني». وأشار إلى مسألة بالغة الأهمية في المواطنة العربية: هل الأولوية في مجتمعاتنا للرابط الوطني المحلي، أم الانتساب الديني عبر العالم الإسلامي؟ قال د.عبدالمجيد، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة: «عندما يشعر الإنسان في المجتمع بأن ما يجمعه مع أبناء مجتمعه أكثر من ارتباطه مع من ينتسبون لنفس الدين أو المذهب أو العرق، فإن هذا جوهر مسألة المواطنة». وأكد د.عبدالمجيد على دور التربية والسياسة التنويرية، «فنحن لا نحتاج الى مصابيح منيرة بل اعاصير من النور، فخلال نصف القرن الاخير، تُركت المجتمعات في الظلام فترة طويلة».
وتحدث المحلل السياسي عبدالوهاب بدرخان في تعقيب له فقال: «ان التنشئة هي كلمة السر التي يمكن تعميمها لمواجهة المأزق الذي تعيشه المجتمعات العربية، وهذا الفشل التاريخي في انجاز دول وطنية. فعدم اندماج مكونات المجتمع يعني فشل الجميع». وقال ان الاسلاميين بعد 2011 اكتشفوا انهم «لم يطوروا فكرة الدولة الوطنية منذ القرن التاسع عشر».
وركزت الجلسة الاخيرة على الاقتصاد، حيث اكد د. محمد العسومي اهمية البنية التحتية للمجتمع ودور الاقتصاد في تكوين الدولة الوطنية، فالاستقرار يعود الى العامل الاقتصادي. كما تحدث د. علي الطراح عن «دور التنشئة في توفير جيل جديد مدرك لاهمية الوحدة الوطنية». وقال ان ثمة مواطنة مدنية واخرى سياسية وثالثة اجتماعية، تشمل الاولى الحريات الاساسية، والثانية حق الانتخاب وحق الحماية، والثالثة الحق في الرعاية الصحية والحماية من البطالة والحقوق الثقافية.
ودعا د. شملان العيسى الى وجوب تشجيع التنمية الجادة العميقة في المجتمعات الخليجية وبناء طبقة وسطى ناضجة، كما انتقد التوجه نحو الطاقة النووية لمخاطرها، وابدى اعتراضه على بعض الممارسات السياسية في الديموقراطية الكويتية.
لم تتح جلسات الندوة المجال لمناقشة كل الافكار المتداولة في القضايا الوطنية والقومية وغيرها، وبالطبع لا يمكن كذلك مناقشتها في هذا المقال. غير ان الندوة اثارت في الاذهان بلا شك بعض الاسئلة والافكار، منها مثلا في اعتقادي ضرورة وضع شروط ومستلزمات لكل دولة عربية تريد الانضمام الى اي جسم وحدوي او اتحادي، كما هي الحال مع الوحدة الاوروبية. وعلينا قبل ذلك ان نفكر، هل الوحدة العربية او الاسلامية ضرورية لاسباب سياسية واقتصادية، ام تلبية لمشاعر قومية او دينية؟ ثم ألا يدل فشلنا في تحقيق الاثنتين على اي شيء.. رغم مرور اكثر من قرن على رواج الفكرة؟
لماذا لا نضع جهدنا مثلا في ضرورة بناء اقتصاد تصديري ضخم؟ لماذا لا نركز جهدنا على المناهج التعليمية في كل هذه البلدان؟
لماذا لا ندرس افضل السبل للاستفادة من «العقول المهاجرة» ولا نسهل التجنيس او الاقامة الدائمة لاصحاب الاختصاصات والمهن الدقيقة؟ ولماذا تفتح دول مثل المانيا والولايات المتحدة المجال لتجنيس هؤلاء ولا يجدون اي مجال في البلدان العربية؟
اثيرت في الندوة مشكلة «تزييف» الدول والعواصم العربية، بتكاثر وزيادة الهجرة من الارياف الى المدن. وهذه قضية مهمة بلا شك، ولكننا نرى ما يماثلها في الولايات المتحدة وروسيا والمانيا ودول كثيرة. وقد تستمر هذه الظاهرة لسنين طويلة قادمة لاستحالة منافسة القرى والبلدات الصغيرة للعواصم والمدن الكبرى. فالظاهرة منتشرة ومؤثرة في البلدان النامية – ومنها الدول العربية والإسلامية – بسبب الفجوة الهائلة بين الريف والمدينة على كل صعيد وتفاقم البطالة وفشل التنمية. وفي الولايات المتحدة الامريكية كذلك شكوى معروفة من قبل دافعي الضرائب في بعض الولايات الوسطى، حيث تقوم الولاية بالانفاق على التعليم الجامعي جزئياً، ولكن الكثير من الخريجين يغادرون الولاية بحثاً عن فرص العمل في اماكن اخرى، وبخاصة كبريات المدن.
بعض التعقيبات كانت اضافة حقيقية لاوراق الندوة وافكارها. احد الغاضبين قال: المواطنة غائبة عن كل العرب. ففي مقدمة حقوق المواطنة المساهمة في صنع القرار السياسي داخل الوطن.. فأين نرى هذا؟!
سألت نفسي من وحي هذه الملاحظة: لماذا لا تصل افكارنا وانتقاداتنا في كل الندوات العربية الى الشارع والشرائح الشعبية بل وحتى الى بعض المتعلمين والخريجين؟ ولماذا تتحدث الندوات عن قضايا سبق بحثها والحديث فيها المرة تلو الاخرى؟ استاذ الفلسفة المعروف الباحث د. حسن حنفي نبه الحضور الى ان فكر الاخوان المسلمين المرتاب، والمتخوف مَنْ كل من هو وما هو خارج دائرتهم، «مرجعة الاضطهاد والسجن الطويل». ولكن هذا التكتم يهيمن على النشاط الاخواني حتى خارج مصر، وفي دول عاشوا فيها كالملوك ولايزالون كبعض دول الخليج!
قضية بالغة الاهمية لم يقف عندها الباحثون والمتحدثون طويلا للاسف وهي الطائفية، فقد تسببت هذه الظاهرة في عرقلة عملية التغيير والتحديث في العراق وسورية ومصر، وهي تهدد البلدان الخليجية ودولاً اسلامية عديدة. ماذا تفعل الدول العربية في مجال دراسة الطائفية وتجفيف منابعها وتوعية الناس بمخاطرها وحل مشاكلها من الجذور؟ ولماذ كل هذه المذابح باسمها في العراق وسورية واليمن.. وباكستان وافغانستان؟
قضايا كثيرة اخرى، قد نتناولها في مقالات قادمة!
نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.