مصر مقبلة علي ثلاثة استحقاقات سياسية مهمة، وهي الاستفتاء علي الدستور، ثم الانتخابات البرلمانية، وبعدها الانتخابات الرئاسية، وهذه الاستحقاقات تحتاج إلي ظهير شعبي قوي يدعمها في مواجهة تيار الإسلام السياسي الذي يمتلك التنظيمات علي الأرض والدعم الخارجي من أمريكا وتركيا وقطر.. حتي لا نفاجأ بعد هذه الاستحقاقات أننا أمام إعادة لإنتاج نفس التيار بأوجه جديدة. في كل دول العالم المتحضر والراسخة ديمقراطيا هناك أحزاب سياسية قوية تستطيع تحمل المسئولية من خلال تجاربة في الحكم، وقواعدها التي توجه وتحرك الشارع في أي استحقاقات سياسية للحصول علي الأغلبية والوصول لأهدافها.. وفي المقابل تعمل مؤسسات الدولة بحيادية وبشكل منتظم بعيدا عن المنافسة أو الصراعات السياسية، وهي أمور نفتقدها في مصر بغض النظر عن التجربتين السابقتين اللتين ثبت فشلهما.. الأولي لما كان يسمي بالحزب الوطني، وحقيقة الأمر أنه كان الوجه الآخر للدولة ويقف علي قدمين رئيسيين هما جهاز الشرطة بذراعيه السياسية والجنائية والآخر الأجهزة المحلية بدءاً بالمحافظ ورؤساء المدن والأحياء وانتهاء بصغار الموظفين في الجهاز الإداري للدولة.. أما النموذج الثاني فتمثل فيما كان يسمي جماعة الإخوان التي استطاعت الوصول إلي الحكم بأكبر خطة خداع للشعب المصري بعد أن لبست عباءة الدين وعمامته وسطت علي إرادة البسطاء بشتي ألوان الخداع والمؤامرات الداخلية والخارجية. وحتي لا نخدع أنفسنا بما يسمي جبهة الإنقاذ التي تمثل الظهير السياسي لهذه الحكومة.. بأنها ستكون فاعلة في هذه الاستحقاقات وفي مواجهة تيار الإسلام السياسي، علينا أن نتوقف أمام عدة حقائق، أولاها أن جبهة الإنقاذ جبهة سياسية أكثر منها شعبية، وتختلف فيما بينها في الأيديولوجيات والتوجهات أكثر مما تتفق.. أيضا الجبهة لا تستطيع تشكيل تيار جارف في الشارع المصري في مواجهة تيار الإسلام السياسي، ولا يمكن القياس علي 30 يونية لأن هذا اليوم المشهود له أكثر من أب من بينه الإخوان ذاتهم بسبب فشلهم وفاشيتهم وافتضاح مؤامراتهم مما وحد الشعب ضدهم.. ثم ان جبهة الإنقاذ يمكن أن تتفكك في أي لحظة إما بسبب الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية أو لتلاعب بعض أعضائها مع فلول تيارات الإسلام السياسي وغيرهم، وبالتالي لا نستطيع التعويل عليه كظهير شعبي لكل الاستحقاقات السياسية المهمة خلال المرحلة القادمة.. وإذا أضفنا إلي كل ذلك ان هناك فريقاً في الإدرة الأمريكية مازال يراهن علي عودة الإخوان خلال عام، فإننا نكون في حالة فراغ حقيقي يحتاج إلي وقفة!! إذن نحن أمام أزمة حقيقية، ربما لا تكون عميقة في الانتخابات البرلمانية في حالة إجرائها بالنظام الفردي حيث يعتمد كل مرشح علي ذاته وعصبيته وماله أكثر من اعتماده علي التوجهات السياسية والحزبية.. لكن من المؤكد أننا في أول استحقاق وهو الاستفتاء علي الدستور نواجه أزمة، لأن الانتخابات والاستفتاءات في النهاية صندوق ومندوبون مع وضد، ودعاية وترويج وفرق عمل في كل لجنة تحث الناس علي الخروج والمشاركة، وتوفر لهم وسائل النقل، وكلها عوامل غاية في الأهمية خاصة في المناطق الشعبية والقري والمدن الصغيرة، وهو أمر لا يتوفر الآن لمواجهة فلول التيارات الإسلامية التي سوف تعمل جاهدة لإفشال هذا الاستحقاق وغيره من الاستحقاقات الأخري!! باختصار .. مصر تحتاج الآن إلي قائد.. وهذا القائد إما أن يكون شخصا يثق فيه الشعب، ويسانده للخروج بالبلاد من أزماتها.. وإما أن يكون تياراً وطنياً يملأ الساحة الفارغة حتي يتمكن من مواجهة كل دعاة التطرف والتخريب والإرهاب، بعد أن أصبح الإعلام يعمل منفردا وحائط الصد الوحيد في هذه المرحلة.. والمؤكد أن الإعلام لا يملك التنظيمات الفاعلة علي الأرض، ولا يمكن أن يستمر بديلا للقوي السياسية، لأن كل سلاحه هو الكلمة والتوجه والتنوير.