لو فعلاً اتجهت مصر إلى روسيا واعتزامها شراء صفقة أسلحة متطورة من موسكو، يكون هذا القرار جاء صائباً وفى محله، ولو فعلا اتجهت مصر إلى المعسكر الروسى، تكون بالفعل قد خلعت عباءة الأمريكان وأعتقد أن خلع العباءة الأمريكية بات واجباً ومهماً ليس فى ظل هذه الظروف السياسية التى نحياها فحسب، وإنما فى ظل التطورات السياسية المستقبلية، وبذلك يكون عند المصريين بعد نظر ثاقب، فلم تعد أمريكا التى تعاونت مع شياطين الإخوان بحمل صدق ولن تصفو العلاقة بينها وبين دول الشرق الأوسط أبداً فى ظل الحماقات التى ارتكبتها فى المنطقة وتجاهر بها.. ومن الناحية السياسية البحتة فإن زمن الولاياتالمتحدة قد شارف على الانتهاء والزوال بعدما تكشفت كل مصائبها فى خلال حقبة طويلة من الزمن.. وعندما قلت فى مقال سابق: إن الولاياتالمتحدة وضعت آخر مسمار فى نعشها، لم يكن هذا ضرباً من الخيال ولا جنوحاً فى الرأى ولا تسويد ورق بالحبر، وإنما كان من معطيات كثيرة كان أبرزها على الإطلاق فضيحة «أوباما جيت» التى تجسست فيها الولاياتالمتحدة على كل دول العالم بما فيها الدول الحليفة أو الصديقة لها. كما أن قيام مصر يكشف هذه الفضيحة حتى ولو كان ذلك صدفة، فإن القارئين للتاريخ يعلمون أن مصر ستكون دولة محورية أكثر مما هى فيه خلال الحقبة الزمنية القادمة.. ولذلك لاعجب أبداً أن نرى دولاً فى الخليج تقف الآن إلى جوار مصر، ليس مثلاً لرد «جمايل» مصر عليها، وإنما للدور المصرى الرائد الذى ستلعبه فى الفترة الزمنية والحقبة السياسية الجديدة القادمة.. من الناحية العملية الصرفة، لقد بدأت مصر تضع أولى خطواتها على الطريق الصحيح، بعد ثورة 30 يونية ولذلك ليس بغريب أبداً أن نرى الحشود المصرية الضخمة التى خرجت فى 30 يونية.. وهناك ثلاث خطوات رائدة تقوم بها البلاد حالياً لأن تتأهل للدور العظيم الذى ستلعبه مستقبلاً.. الأول هو بناء مصر الحديثة فى الدولة الديمقراطية المدنية، وهذا يتم من خلال خريطة الطريق المرسومة لذلك، وخطواتها تمر واحدة تلو الأخرى رغم الكثير من العقبات والأزمات والمصائب التى تفتعلها جماعة الإخوان لتعطيل هذا المسار المهم. الثانى.. رغم الهوان الذى تتعرض له البلاد حالياً والضغوط الشديدة من دول الغرب وأمريكا، والحالة الاقتصادية التى لا تسر حبيباً ولا عدواً، إلا أن المصريين لديهم عزيمة فولاذية على تخطى كل هذه العقبات والمصائب التى تفتعلها جماعات الإرهاب هنا أو هناك، ولأن المصريين لديهم قناعة شاملة ومؤكدة أن هناك هدفاً يجب الوصول إليه، لم يتأثر المصريون بكل مظاهر الإرهاب التى تحدث.. أما الثالث فهو بعد استراتيجى غاية فى الأهمية، وهو بدء التخلص من هيمنة أمريكا على البلاد ولم يعد خافياً على أحد ما تقوم به حالياً الإدارة المصرية من الاتجاه إلى دول أخرى، تتعامل معها بندية بالغة.. ولذلك لم أستغرب قط ما أذاعه أو بثه موقع الاستخبارات الإسرائيلى «ديبكا» بقرب تنفيذ صفقة أسلحة متطورة وتصل إلى القاهرة قريباً، وتشمل القائمة من المشتروات المصرية أسلحة رفضت واشنطن توريدها إلى مصر. إسرائيل هى الوحيدة المرعوبة من هذا التطور الخطير فى موقف مصر، لأن مصر ستكون لها الغلبة والريادة فى المنطقة، وبدأت أولى خطوات ذلك طبقاً للمعطيات الثلاث التى ذكرتها.. والبقية تأتى.