ما هي العلاقة بين الثورة- أي ثورة- وبين الثوار؟ وهل هناك من يصنع الثورة ويفجرها. أو أن الثورة هي التي تكتشف الثوار وتقدمهم للشعوب.. أم هي عوامل مشتركة- وأسباب عديدة- هي التي تفجر أي ثورة. وهل الظلم وحده هو الذي يفجر الثورة.. أم هو البحث عن ظروف حياة أفضل أم طلب العدل والخبز.. مع الحرية. وهل تختلف أسباب الثورة الأمريكية عن أسباب الثورة الفرنسية.. وهل أسباب الثورة الصينية تختلف عن أسباب الثورة الروسية.. وحتي عن ثورات شبه جزيرة البلقان وأمريكا الجنوبية. ولكن دعونا نتحدث اليوم عن العلاقة بين الثورة.. والثوار.. وهل الثورات تكشف معدن الرجال. وتكتشف الزعماء، وتحملهم إلي كراسي الحكم. في الثورة العُرابية كان السبب الأول هو التفرقة بين أبناء البلد الأصليين.. وبين الأقلية التركية والشركسية التي تتحكم في الأغلبية.. وما تبع ذلك من ظلم رهيب فكشفت هذه الثورة عن معادن مصريين أصلاء من أمثال أحمد عُرابي ومحمود سامي البارودي وعبدالعال حلمي ومحمود فهمي ومحمد عبيد وطلبة عصمت وعلي الروبي ويعقوب سامي.. ومعهم الشعبيون مثل عبدالله النديم والشيخ محمد عبده.. وأصبح أحمد عُرابي أول زعيم ثورة من فلاحي مصر في العصر الحديث. وثورة 19 اكتشفت سعد زغلول ومصطفي النحاس وأحمد ماهر ومحمود النقراشي ومكرم عبيد وحملتهم إلي كراسي الحكم.. ولكن ذلك تحقق بعد أن اكتشف الشعب المصري نفسه وتحدي الانجليز الذين أصبحوا أقوي قوة عسكرية بعد انتصارهم في الحرب العالمية الأولي.. ولهذا تآمرت كل القوي ضد هذه الثورة لحرمان الشعب من جني وقطف ثمار ثورته هذه فاستقال سعد زغلول قبل أن تكمل حكومته عاماً واحداً من 28 يناير إلي 24 نوفمبر 1924. ومن بين 7 حكومات شكلها مصطفي النحاس بين 16 مارس و25 يونية 1928 وحتي حكومته الأخيرة في يناير 1952 اضطر النحاس إلي الاستقالة.. أو تمت إقالة حكومته.. وربما كانت أشهر الإقالات إقالة حكومته السادسة يوم 8 أكتوبر 1944 عقب توقيعه بروتوكول انشاء الجامعة العربية، في اليوم السابق.. والتي بها انتقم الملك فاروق من الانجليز ومن النحاس نفسه لشعوره أن النحاس جاء للحكم رغماً عن إرادته يوم 4 فبراير 1942.. وكانت أطول حكومات النحاس عمراً.. وكذلك إقالة الملك لحكومة النحاس السابعة فجر يوم 27 يناير 1952 بعد يوم رهيب تم فيه احراق القاهرة في اليوم السابق. وللمتشدقين بالديمقراطية نقول لهم ان الحكومات الديمقراطية التي جاءت بإرادة شعبية لم تحكم كما حكمت حكومات الأقلية الأخري!. وهكذا انتكست ثورة 19 سياسياً.. وإن حققت بعض النجاح.. اقتصادياً واجتماعياً. ثم ثورة 23 يوليو 1952 التي جاءت بعد تدهور أحوال البلاد وتوالي تشكيل الحكومات حتي ان مصر شهدت 4 حكومات متتالية ما بين إقالة حكومة النحاس الأخيرة في 27 يناير 1952 هي حكومات علي ماهر «27 يناير إلي أول مارس 1952» ثم حكومة أحمد نجيب الهلالي «من الأول من مارس إلي 2 يوليو 1952» ثم حكومة حسين سري من 2 يوليو إلي 22 يوليو 1952» ثم حكومة أحمد نجيب الهلالي الثانية التي لم تعمر سوي يومين من 22 إلي 24 يوليو 1952.. ثم اندلعت ثورة 23 يوليو.. لتكشف لنا عن معدن ثورة أخري وثوار آخرين. وهذه الثورة قدمت لنا اللواء محمد نجيب كقائد لها ورئيس للحكومة.. بل ورئيس للجمهورية بعد الغاء الملكية يوم 18 يونية 1953.. ولكن ظهر لنا أن نجيب لم يكن هو الزعيم الحقيقي لهذه الثورة.. إذ كان جمال عبدالناصر يدير الأمور كلها وفي يده كل خيوط مجلس قيادة هذه الثورة. وهكذا قدمت لنا ثورة يوليو زعامات جديدة ونوعية جديدة من الحكام أبرزهم جمال عبدالناصر والذي لم يظهر في الصورة ولم يكن حتي وزيراً في حكومة محمد نجيب.. ولكنه أصبح رئيساً لحكومة مصر يوم 17 ابريل 1954 أي بعد حوالي عامين من بدء الثورة. وهي الحكومة التي دخلها بعض قادة الثورة مثل حسين الشافعي وزيراً للحربية وحسن إبراهيم وزيراً لشئون رئاسة الجمهورية. ثم دخلها يوم 31 أغسطس جمال سالم نائباً لرئيس الوزراء وكمال الدين حسين وزيراً للمعارف وعبدالحكيم عامر وزيراً للحربية. ودخلت مصر طوراً جديداً من الصراعات والثورات.. ولكنها قدمت لنا الزعيم الكاريزمي الكبير جمال عبدالناصر، الذي أراد أن يبني مصر من جديد. وها هي ثورة 25 يناير 2011 ثم ثورة 30 يونية 2013 ونكتشف زعامة جديدة هي عبدالفتاح السيسي.. وإذا كان السيسي يسير علي طريق عبدالناصر وينتظر حوالي عامين ليرتقي كرسي الحكم.. فإنه بذلك يقترب مما يطلبه منه الشعب.. أي يجلس علي كرسي الحكم.. ويقود الوطن إلي بر الأمان. فهل وجدنا أن الثورة تلد قوادها.. ليقودا الأمة.. أم أن الثوار هم الذين يصنعون الثورات. أجيبوا أنتم!.