أخبار حريق القاهرة تنشرها الصحف بعد ثمانية أشهر! خرجت الصحف المصرية صباح الأحد27 يناير1952 دون أن تشير بكلمة الي أخبار الحريق الضخم الذي تعرضت له القاهرة ودمر مئات المحال والمعارض ودور السينما والفنادق والمتاجر, ومنها صف المحال الضخمة في شارع فؤاد(26 يوليو) الذي كان يضم محال شيكوريل وأوركو وشملا وهي ثلاثة محال متجاورة كانت تعد من أكبر محال بيع الملابس والاحتياجات المنزلية علي غرار محال ماركس وسلفردج في لندن. وقد حضرت شخصيا جزءا كبيرا من وقائع يوم الحريق في شارع فؤاد, وكدت أختنق من دخان الحرائق المنتشرة دون أن أجد عربة اطفاء واحدة وكان ذلك في نحو الساعة الخامسة مساء عندما رأيت عربة محملة بجنود الجيش تخترق الشارع وجنودها يعبرون عن فرحتهم, وعددا من المواطنين يصفقون لهم وكأننا في استعراض انتصار يستحق الفخر, وفي اليوم التالي عدت مرة أخري وتجولت بين الاطلال التي تخلفت عن الحرائق وكان مشهدا كئيبا. أتوقف امام هذا الحدث لأسجل عدة ملاحظات: الملاحظة الأولي أننا كنا في عام52 أي بعد أربع سنوات من قرار تقسيم فلسطين بين العرب واليهود ودخول العرب ومن بينهم مصر في حرب ضد اسرائيل, ومع ذلك فقد كانت أشهر وأكبر المحال في القاهرة يملكها يهود. وكان التعامل معها يجري بدون حساسيات او مقاطعة مما يعني أننا في مصر كنا نفرق بين اليهودية كدين وبين اسرائيل المغتصبة لحقوق العرب. الملاحظة الثانية إنه في وسط الخراب والدمار الذي كان يحيط بالقاهرة فقد كانت مظاهر الحياة في الشارع المصري تبدو غير مكترثة بما يحدث وهذا أمر شاهدته بعيني, مما يعكس حالة الانفصال التي كان يعيشها المواطنون عن الحكم. الملاحظة الثالثة التصفيق الذي استقبلت به سيارات النقل المكشوفة التي كانت تحمل جنود الجيش الذي استدعي للنزول الي الشارع مما يعكس مبكرا الشعور الداخلي لدي المواطنين بتطلعه الي هذا الجيش. إعلان الأحكام العرفية وحظر التجوال كانت عناوين جريدة الأهرام يوم الأحد27 يناير1952: اعلان الأحكام العرفية في جميع انحاء البلاد وتعيين النحاس باشا حاكما عسكريا منع التجوال في القاهرة وضواحيها والجيزة من الساعة6 مساء الي الساعة6 صباحا تعطيل الدراسة في مختلف الجامعات والمدارس والمعاهد العلمية الي أجل غير مسمي. وباستثناء البيان الذي وجهه مصطفي النحاس باشا الي الشعب وأشار فيه الي الأحداث الخطيرة التي تواجهها البلاد لم تشر الصحف الي الحريق الضخم الذي عاشه سكان العاصمة, وذلك بسبب قرار فرض الأحكام العرفية وخضوع ماتنشره الصحف لموافقة الرقيب الذي منع كل اشارة الي واقعة الحريق. وظلت الصحف لاتشير اليها أكثر من ثمانية أشهر الي أن قام الجيش بحركته في23 يوليو عام1952 فبدأ الحديث عن حريق القاهرة ولكن لم يستطع أحد تحديد الجهة التي ارتكبت هذه الجريمة. وحسب أصحاب مدرسة فتش عن المستفيد فلابد أن يكون الانجليز هم الذين كانوا وراء تحريك الأيدي التي قامت بالحريق, فبعده هدأت عمليات الفدائيين في منطقة قناة السويس, وأطيح بالحكومة التي ألغت معاهدة36 من طرف واحد. إقالة وزارة النحاس بعد24 ساعة بعد اقل من24 ساعة من قيام حكومة الوفد باعلان الأحكام العرفية, اصدر الملك فاروق مرسوما بإعفاء وزارة النحاس وهي آخر وزارة تولت الحكم, وتكليف علي ماهر باشا بتشكيل حكومة جديدة من الاحزاب المعارضة, ورغم إبعاد الوفد بعد سنتين اثنتين من الحكم الذي جاء اليه مستندا الي أغلبية كبيرة في البرلمان فقد أيد نواب الوفد في البرلمان الحكومة الجديدة برياسة علي ماهر وهي حكومة لم تستمر سوي32 يوما فقط اطاح بها فاروق وعين وزارة جديدة برياسة أحمد نجيب الهلالي استمرت في الحكم أربعة أشهر ثم أطيح بها واسند فاروق الوزارة الي رئيس ثالث هو حسين سري باشا الذي لم تدم وزارته سوي20 يوما أعاد فاروق بعدها أحمد نجيب الهلالي مرة أخري رئيسا للوزراء وكانت أقصر وزارة في تاريخ الوزارات فقد انتهي عمرها فور حلف اليمين بسبب قيام الانقلاب العسكري بقيادة جمال عبد الناصر والضباط الأحرار, وهو الانقلاب الذي أيده الشعب وأصبح معروفا باسم ثورة يوليو. وهكذا في أقل من سبعة أشهر شهدت مصر خمس حكومات متتالية مما أوضح اهتزاز عجلة القيادة في يد فاروق وعدم قدرته علي ادارة شئون البلاد, في الوقت التي أصبحت فيه مصر تواجه مشكلة البطالة التي نتجت عن اعمال حريق القاهرة واستقالة آلاف العمال الذين كانوا يعملون في معسكرات الجيش البريطاني من عملهم مع الانجليز. مما جعل مصر في وضع تهيأت فيه لاستقبال حدث مختلف. حركة عسكرية سلمية صباح23 يوليو52 جاء هذا الحدث من خلال قيام الجيش كما ذكرت صحيفة الأهرام بحركة عسكرية سلمية بقيادة اللواء محمد نجيب بك اعتقل فيها عددا من كبار الضباط وطلب الي الملك إقالة وزارة الهلالي وتكليف علي ماهر بالوزارة الجديدة. وبعد يومين في يوم26 يوليو وجه الجيش انذارا الي فاروق طلب اليه مغادرة البلاد بعد التنازل عن العرش قبل السادسة مساء نفس اليوم, ووافق فاروق علي أمل أن يخلفه ابنه الأمير احمد فؤاد الذي تصادف أن كان يحتفل بمرور عشرة ايام علي مولده يوم26 يناير نفس اليوم الذي جرت فيه واقعة احتراق القاهرة. وكان فاروق قد اقام بهذه المناسبة حفل غداء كبيرا في قصر عابدين دعا اليه كبار رجال الدولة والجيش ليقدم اليهم ولي العهد الذي ظل ينتظره14 سنة منذ تزوج بفريدة واضطر ليطلق فريدةويتزوج ناريمان التي انجبت له في16 يناير1952 ولي العهد الذي لم يجلس يوما علي العرش! [email protected] المزيد من أعمدة صلاح منتصر