تباينت صورة "الفتوة" التى رسخت فى عقول الكثيرين والتى عرفها المجتمع المصرى فى أوائل القرن الماضى خاصة بالإسكندرية عنها فى المرحلة الحالية التى نعيشها الآن بكل ملامحها وتطوراتها والتى تغيرت من لقب "فتوة" إلى "بلطجى" .. فما بين الماضى الذى نسجته روايات "الحرافيش" و"سعد اليتيم " و"التوت والنبوت" إلى حاضر كائن أمامنا "بشحمه" و"لحمه" و"سيوفه " "وسنجه" و"ومطاويه" . ولأن الإسكندرية رائده فى الفن والحضارة و الثقافة والإبداع والثورات ألا أنها رائدة أيضا فى مهد حضارة "الفتوات" التى كان أبطالها يفرضون "الإتاوات" على المحال والمواطنين بدعوى فرض "الإمن" فى زمن لا يعرف القانون ولكن الآن لغة البلطجة أختلفت حيث أتخذت من السياسة والواقع الثورى أرض خصبة لإغتصاب حقوق المواطنين فى زمن "القانون" وأحيانا بأسم "الدين" بالإستناد على أحاديث مشكوك فى صحتها أو بتأويل بعض الآيات الكريمة أو الأحاديث لخدمة أغراض أصحابها فهذا المنكر على تأويلهم قد يتغير بيده .. وإذا عقدنا مقارنة خاطفة بين الماضى والحاضر سنجد أن أدوات "المهنة" أقصد "الفتونة" أو "البلطجة " قد تغيرت ففى السابق كانت عبارة عن "عصى" و"شوم" و"نبوت" أما الآن فقد تبدلت إلى أسلحة بيضاء على أختلاف أشكالها وأحجامها كما أن "فتوات" زمان أقترنت بهم بعض صفات "الشهامة" و"الجدعنة" فمثلاً لا يعتدى على سيدة ولا على طفل أو حتى شيخ أما "بلطجية" الآن فكل شيء أمامهم مباح ومستباح . ولقد عرفت عروس البحر البلطجية بالشكل المنظم منذ "8" سنوات تقريبا فى عام 2005 مع إنتخابات مجلس الشعب بنفس العام فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك وهى الإنتخابات ذاتها التى كانت تتمتع بإشراف قضائى كامل شهد له مختلف التيارات السياسية وأسفرت عن فوز الأخوان ب"88" مقعد فى البرلمان .. حتى ظهروا من جديد عقب ثورة 25 يناير وبالتحديد فى 28 يناير 2011 مع الحرق المنظم لأقسام الشرطة بمختلف محافظات مصر إلا أن الإسكندرية قد فازت بنصيب الأسد من عمليات هؤلاء البلطجية بحرق ديوان المحافظة ومقر المطافئ بمحطة مصر والذى تم إضرام النيران فيه قبل أى شئ ..! وممالاشك فيه أن لعالم البلجية أسرار وحكايات وألغاز إلا أن فى الوقت الحالى بعد أن تحولت "البلطجة" إلى مهنة و"سبوبة" لأكل العيش على حساب ترويع الآمنين فلقد بات الأمر واضحاً بظهور جيل جديد من البلطجية يعمل لحسابه الشخصى خارج من الشوائيات المتمركزة فى غرب وشرق المدينة بعد أن سيطرت حالة القبلية والفوضى والعشوائية التى كان يدعمها نظام الرئيس مرسى طوال العام الماضى والذى جعل منهم نجوم لدرجة أنه أتخذ بعض الأسماء لتكون محور لخطابة الأخير قبل أن يلفظ حكمه أنفاسة الأخيرة بعدها ب"72" ساعة فى 30 يونية الماضى والتى كانت ثورة ضد نظام "التوك توك" و"عاشور" وشركاه على حد وصف مرسى . ومن أشهر أسماء فتوات إسكندرية زمان إسماعيل سيد أحمد فتوة محرم بك في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضى والذي كان يهرب في سيارة والده السلاح للمقاومة الفلسطينية في مهدها. كان إسماعيل شابا وسيما من أسرة عريقة، وفيه شبه من الملك فاروق. وكرس هذا الشبه بطربوش ونظارة مميزة. وهو نفسه من آوى الضابط المصري محمد أنور السادات في فيلته بمحرم بك، عقب حادثة اغتيال أمين عثمان الشهيرة. وحين أصبح "السادات" رئيسا للجمهورية كان إسماعيل يقضي عقوبة بالسجن، فأرسل السادات في طلبه وأمر بنقله بطائرة خاصة إلى منزله. أما "النونو" فهو فتوة من نوع آخر وقيل إنه وجد بين أوراقه، بعد وفاته، خطاب شكر عن دوره في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948. وكان النونو أكثر الفتوات بأسا، خاصة أيام الاحتلال البريطاني لمصر، حتى إن أهله لقبوه ب«البعبع». ومن الطرائف التي تحكى عنه أن بريطانيا العظمى كانت ترسل المؤن والعتاد لقواتها وللجيش المصري وللنونو لكفاية غضبه. وفى حى الأنفوشى بمنطقة السيالة وكان هناك "حميدو" الفتوة وكان زعيم مهرجان سباق القوارب الذى كان ينظم سنوياً فى مطلع القرن الماضى بين أهل منطقة السيالة وأهل منطقة رأس التين وشارك في السباق ممثلا لمنطقة السيالة كما تصادف وحضر ذلك السباق الخديوي عباس حلمي وكان الحماس شديدا وظلت جماهير السيالة تهتف «قفة ملح وقفة طين على دماغ راس التين»، فترد جماهير رأس التين « سيالة يا سيالة ياللى ما فيكى رجالة». وفي نهاية السباق فاز الفتوة حميدو بالسباق، فألقى له أفندينا عباس حلمي حفنة من الريالات الفضية فأبى أن يلتقطها من الأرض. وهو ما أغضب الخديوي، الذي استدعى «حميدو» إلى قصره برأس التين، وسأله منازلة أحد خدمه. فاستعان الفتوة «حميدو» بالله، وهو يقول للخديوي: «ربنا كبير». ووجه حميدو ضربة بالرأس لخصمه (الخادم)، فأفقدته الوعي وسقط من فوره. ونال العرض رضا أفندينا، فأنعم على «حميدو» بلقب الفارس، وصار من يومها «حميدو الفارس». الحديث سيظل مستمر عن فتوات زمان وبلطجية الآن ولكن الأمن وسيادة دولة القانون هى التى ستظل مطلب شعبى للحفاظ على هيبة الدولة وحياة المواطنين حتى لا نعود إلى زمن الفتوات .. !