قد يكون من السابق لأوانه مناقشة النصوص المعدلة أو المضافة أو حتى المحذوفة فى مشروع التعديلات الدستورية قبل أن تنتهى لجنة الصياغة من ضبطها وعرضها على الرأى العام ولكن يجب التنبيه إلى احتمال قائم لو تحقق لعاد بنا إلى المربع رقم (1) وهو مالا يرجوه أحد. ماذا لو حكمت محكمة القضاء الإدارى ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية التى وضعت مشروع دستور 2012 وهو الذى يجرى تعديله الآن. وجدير بالذكر أن الطعن منظور الآن بعد أن حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون تحصين هذه الجمعية. الراجح أن تحكم المحكمة ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية ليس فقط لأن العيب الذى شاب تشكيل الجمعية الأولى وأدى إلى الحكم بالبطلان تقرر فى الجمعية الثانية ولكن لأن هناك سبباً آخر للبطلان بل للانعدام جد بعد صدور حكم المحكمة الدستورية ببطلان تشكيل مجلس الشعب «من يوم انتخابه» ولما كان أثر الأحكام كاشفاً فإن مقتضى ذلك أن أعضاء مجلس الشعب المنحل لم تثبت لهم قط صفة العضوية ومن باب أولى لم تثبت لأى منهم صفة العضو المنتخب وهى الصفة التى اشترطها الإعلان الدستورى فيمن يحق له المشاركة فى انتخاب الجمعية التأسيسية. ومتى انتفت هذه الصفة أصبح بطلان تشكيل هذه الجمعية التأسيسية بطلاناً مطلقاً لانتخابها من غير ذوى صفة، مثلها مثل مجلس نقابة الأطباء إذا ما تبين أن الذين حضروا الجمعية العمومية التى انتخبت هذا المجلس ليسوا أطباء ويصبح المجلس منعدماً. *** ولا مجال هنا لإعمال المبدأ المستقر والقاضى بأن تظل أعمال المجلس النيابى المقضى بحله صحيحة إلى أن يتم تعديلها أو إلغاؤها استناداً إلى نظرية الموظف الفعلى، لأن انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية ليس عملاً من أعمال مجلس الشعب ولا مجلس الشورى ولا المجلسين معاً، والدليل على ذلك أن عملية الانتخاب اقتصرت على فئة بعينها من بين أعضاء هذين المجلسين وهى فئة «الأعضاء غير المعينين» ولم تشمل أعضاءهما جميعاً، كما أن الاجتماع الذى تم لانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لم يدعُ إليه لا رئيس مجلس الشعب ولا رئيس مجلس الشورى وإنما دعا إليه رئيس المجلس العسكرى وهو إذن لم يتم فى إطار أى من المجلسين ولا فى إطارهما مجتمعين، لذلك كله لا يمكن إسناد عملية انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لأى من المجلسين بحيث تصبح عملاً من أعمالهما. وفى جميع الأحوال فقد سبق أن انتهت محكمة القضاء الإدارى حين حكمت ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية الأولى أن انتخابها ليس عملاً من أعمال المجلسين. مقتضى ذلك أن انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية عملية دستورية أنشأها الإعلان الدستورى ووضع لها شروطاً وحدد لها إثاراً فهو مرجعيته الوحيدة وإن لم تتحقق الشروط لا تترتب الآثار. ولو حكمت المحكمة ببطلان الجمعية التأسيسية وهو الأرجح انعدم وجودها القانونى، ويسهل بعد ذلك الطعن على دستور 2012 برمته باعتبار أن مشروع الدستور الذى عرض للاستفتاء العام لم تضعه جمعية تأسيسية لم توجد أصلاً، وإنما هو مشروع وضعه أُناس لا صفة لهم– الغريانى وإخوانه– وذلك بالمخالفة لنصوص الإعلان الدستورى الذى اشترط فى المشروع المعروض على الاستفتاء أن يكون صادراً عن جمعية تأسيسية منتخبة انتخاباً صحيحاً ولا محل للاحتجاج بموافقة الشعب على الدستور المزعوم بأنها وردت على غير محل أو على عدم فهى عدم. وهو ما قد يؤدى إلى انعدام دستور 2012 والخوف كل الخوف أن ينسحب هذا الانعدام على التعديلات التى أدخلتها عليه لجنة الخمسين فنعود بذلك إلى المربع الأول مرة أخرى. وقد يرى البعض أن هذا المأزق احتمالياً وليس مؤكداً وقد يرى البعض أن القضاء من باب المواءمة قد لا يقدم على هذا الحكم ذى الآثار الخطيرة بينما يرى البعض الآخر أن القضاء الذى شهد المهزلة التى أعدها الحاكم وحماها بهدف منع المحكمة الدستورية العليا من نظر الطعون فى موعدها كما شاهد الغارات المتعاقبة على مجلس الدولة – هذا القضاء قد يرى أن اللجوء إلى البلطجة لمنع المحاكم من نظر القضايا يجب ألا يكون سابقة تغرى حكام الغد بالعودة إلى هذا المنكر فيعمل القانون ولا يهمله و«يعامل المجرم معاملة على نقيض قصده». وفى جميع الأحوال لابد من إيجاد حل لتفادى هذا المأزق المحتمل، ولا شك عندى أن لجنة الخمسين ورئيس الجمهورية معاً سوف يتخذان ما يلزم لتجنيب البلاد الوقوع فى هذا المأزق.