لا أحد يعرف بالضبط تاريخ مولدها.. ولكن الكل يعرفون عام وفاتها أو بالأصح مقتلها.. بل الأشهر أن الكل يعرف كيف قتلت!! وهى فى نظرى لا تقل شهرة عن الرجال.. وعندى أنها فى منزلة الملكة الفرعونية الشهيرة حتشبسوت والملكة البطلمية كليوباترا. هى شجر الدر.. وليست كما يقال عنها خطأ شجرة الدر.. وقد اشتراها الصالح نجم الدين أيوب عندما كان نائباً عن والده الملك الكامل بالشام.. ثم أعتقها وتزوجها عندما أصبح سلطاناً على مصر. وسر عظمتها أنها أنقذت مصر من الضياع والسقوط تحت حكم الفرنسيين الصليبيين أيام لويس التاسع.. فقد مرض زوجها الملك الصالح حزناً على سقوط دمياط فى أيدى الصليبيين عام 1249م.. فأخفت خبر موته حتى لا تنهار الدولة المصرية وكان أعظم سلاطين الأيوبيين بعد صلاح الدين، ولم تعلم أحداً بموته إلا نائبه فى القاهرة الأمير حسام الدين وقلة من قادة الجيش، وأرسلت الأمير فارس الدين أقطاى لإحضار ابن الملك الصالح من حصن كيفا فى شمال شرق الشام.. وتولى الأمير بيبرس البندقدارى قيادة الجيش.. بل عمدت إلى استخدام أوراق السلطان لتصدر عليها أوامره باستمرار القتال وساعدهم فى ذلك خادمه صواب السهيلى الذى كان بارعاً فى تقليد خط وتوقيع السلطان. وجاء ابنه تور انشاه ليتولى الملك وقاد الجيوش إلى أن تحقق النصر لمصر ولكن سرعان ما نشب الخلاف بينه وبين أمراء والده المماليك، فقتلوه ومات مقتولاً.. محروقاً.. غريقاً. وتلك حكاية أخرى!! المهم بايع الأمراء شجر الدر سلطانة على مصر باعتبارها أم ولد السلطان الصالح ولذلك صار اسم شهرتها: أم خليل.. الذى مات طفلاً، وخطب الشيوخ لها فوق المنابر وسائر ديار مصر ونقش لقبها دون اسمها على النقود المصرية. ولكن هذا لم يعجب الخليفة العباسى المستعصم بالله فأرسل إلى أمراء مصر يقول لهم «إذا لم يكن عندكم رجال يصلحون للسلطنة.. أخبرونا نرسل لكم من يصلح لها..» هنا تنازلت شجر الدر عن السلطة واختارت بدلاً منها الأمير المملوكى عز الدين أيبك سلطاناً على مصر وكانت له زوجة أخرى وله منها ولد صبى هو الأمير على. ولم يطل شهر العسل بين شجر الدر وأيبك.. فتآمرت عليه وتروى الأساطير أن خدمها تكالب ما عليه وقتلوه فى الحمام ضرباً بالقباقيب.. هنا صممت زوجته الأخرى «أم على» على الانتقام.. وأوعزت إلى خدمها بقتل شجر الدر، وبنفس السلاح وهو القباقيب.. وقد كان ذلك يوم سبت عندما اقتحم مماليك الصبى على ابن أيبك الذى أصبح سلطاناً باسم المنصور نور الدين، البرج الأحمر الذى حبست فيه بالقلعة، رغم أن مماليك زوجها الملك الصالح حاولوا إنقاذها.. ثم حملوها إلى أم السلطان المنصور لتتولى قتلها بنفسها، وقتلها خدم أم على بالقباقيب وألقوها من سور القلعة الى الخندق وليس عليها إلا سروال وقميص.. فبقيت فيه أياماً ثم حملت فى قفة ودفنت فى تربتها قرب مشهد السيدة نفيسة بقسم الخليفة بالقاهرة.. واختلف المؤرخون فى المكان الذى دفنت فيه شجر الدر التى حكمت مصر مدة 80 يوماً، وأنقذتها من السقوط فى يد الصليبيين، وكانت زينة البلاط الأيوبى وصاحبة النفوذ الأول فى مصر كلها.. وظلت منذ تولى زوجها السلطان الملك الصالح عرش مصر أبرز شخصية فى الدولة المصرية.. يعلو نفوذها كل نفوذ.. ويغلب رأيها على كل رأى.. رغم حكاية حلوى أم على!! ومناسبة هذا المقال أن الدكتور محمد إبراهيم وزير الآثار صرح منذ أيام بأن وزارته بدأت الإعداد لترميم قبة ضريح شجر الدر ضمن مشروع تطوير القاهرة التاريخية. ولكن هل دفنت شجر الدر فى الضريح الذى أقامته لنفسها قبل مقتلها بعدة سنين؟! تقول الدكتورة سعاد ماهر فى مؤلفها الضخم عن مساجد مصر وأوليائها الصالحين فى الجزء الثانى ان قتلها بهذه الصورة البشعة منع دفنها فى ضريحها هذا.. ولكن بعد قرنين أو ثلاثة دفن فى ضريحها أحد الخلفاء العباسيين.. وهكذا رحلت شجر الدر التى حملت أسماء «الملكة عصمة الدين شجر الدر»، و«الستر العالى والدة خليل» و«احفظ اللهم الجهة الصالحية ملكة المسلمين عصمة الدنيا والدين أم خليل المستعصمية صاحبة الملك الصالح»، وحملت النقود المصرية صفاتها.. «والدة الملك المنصور خليل أم المؤمنين». ودعوكم من حكاية «حلوى أم على» رغم أن الحكاية حقيقية.. ورحم الله ملكة مصر.. شجر الدر التى أزورها كلما ذهبت إلى حى.. الخليفة.. والمبنى بالطوب.. وجزوع النخيل وطول كل ضلع منه 7 أمتار!!