يأتى عيد الأضحى هذا العام مختلفاً مميزاً، ومتزامناً مع ذكرى نصر أكتوبر، وقرب انتهاء لجنة الخمسين من صياغة أهم دستور فى تاريخ مصر، يعنى «ثلاثة فى واحد» كما يقولون، وكل عام والمصريون جميعاً بخير، واللهم اجعل أيامنا كلها أعياداً حتى ولو كره الإخوان المجرمون، والجهاديون والتكفيريون والإرهابيون،ومن يسعون دوماً إلى سرقة فرحة المصريين. لقد انتهت اللجان النوعية من إعداد نصف مواد الدستور الجديد، فهذا إنجاز ينقصه خطوات أخرى مهمة، للخروج بالمواد الأخرى الأكثر إلحالاً وأهمية من نفقها المظلم. وأقرت لجنة الخمسين تعديلات جديدة للمواد 119 «الخاصة بقسم الرئيس»، و121 «تشكيل الحكومة» و125 «السياسة العامة للدولة»، و127 «إعلان الرئيس لحالة الحرب»، و130 «العفو الرئاسى» و133«استقالة الرئيس». ثم المادة 134 والخاصة باتهام الرئيس بالخيانة العظمى، ومع أن هذه التعديلات عالجت غياب التوازن بين السلطات الثلاث للدولة وحددت مسئوليات رئيس الدولة ورئيس الوزراء إلا أنها لم تحدد تعريفاً واضحاً لتهمة الخيانة العظمى، وأسباب وكيفية عزل الرئيس. من المهم هنا أن نفرق بين حاكم أخطأ سياسياً فيعاقب بالقانون، وبين آخر يخون وطنه ويبيعه برخص التراب، وبين ثالث يخالف الدستور ويتحدى القانون، ولذا ينبغى التركيز جيداً عند صياغة وكتابة مادة عزل الرئيس، لأن الميوعة فى النصوص تفرغ المواد من أهدافها الأساسية، كما أن ديمقراطيات العالم الحديث لا تجيز عزل الرئيس قبل انتهاء ولايته إلا إذاأخل بواجباته أو بموافقة ثلثى البرلمان، أو تشكيل محكمة عليا خاصة لمحاكمته ومحاسبته، أما القول بإمكانية عزله إذا ما تم تقديم عدد من التوقيعات الشعبية تفوق عدد الأصوات التى حصل عليها فى الانتخابات الرئاسية، فهذا هراء سياسى، وسيجعلنا أضحوكة أمام العالم، لأن فى هذه الحالة لن يستمر رئيس فى مصر لأكثر من عام. ومن المواد الأخرى التى تحتاج تدخلاً فورياً رغم إقرارها «المادة 54» والخاصة بإنشاء الأحزاب، فقد تركت الباب موارباً غير محكم الغلق، بعوار لابد من إزالته حتى لا نرى حزباً دينياً. لقد نصت المادة على «عدم قيام الأحزاب ومباشرتها نشاطاً سياسياً على أساس دينى أو التفرقة بين المواطنين بسبب الجنس والأصل»، دون أن يضاف اليها عبارة «أو على أى مرجعية دينية» لأن معظم الأحزاب الدينية عندما تقدمت لمباشرة نشاطها زعمت أنها مدنية وهى فى الواقع دينية وما إن حصلت على الترخيص القانونى خلطت الدين بالسياسة لتحقيق أهدافها الخفية وحدث ما تعانى منه مصر الآن من كوارث سياسية. أتفهم جيداً صعوبة صياغة دستور فى هذه المدة المحددة، وانه فى دولة وصلت نسبة الفقر فيها إلى «40٪»، يكون من رابع المستحيلات انجاز دستور نموذجى فى هذا الوقت الضيق جداً، ولكن لا مناص من اقتحام معركة الحسم والكتابة النهائية المُحكمة والدقيقة، دون أن نترك ثغرة واحدة أمام المتربصين، والذين يخططون من الآن للطعن على الدستور الجديد أو الانقلاب عليه دستورياً فيما بعد. إن إنجاز دستور يليق بمكانة مصر، ويحقق تطلعات المصريين ويلبى طموحاتهم بعد ثورتين عظيمتين، يعد بالفعل عيداً كبيراً يسعدنا جميعاً، لأنه سيبصر النور كاملاً غير مشوه بإذن الله.