بسهولة جدا كان من الممكن أن تظهر صورتي في هذه الصفحة وأنا أحمل 4 قنابل يدوية، وألف وسطي بحزام ناسف، وعلي كتفي صاروخ، وأمامي برميل ممتلئ بمادة T.N.T شديدة الانفجار. كان بإمكاني أن أفعل ذلك كله ولكن شيئا واحدا ووحيدا منعني، هو الخوف علي حياة من سيصحبونني في السيارة التي سأنقل فيها هذه المتفجرات من مكان بيعها الي مقر الجريدة. هذا الخوف منعني من استكمال التحقيق الصحفي الذي قمت به، فاكتفيت بأن أنهيه قبل حلقته الأخيرة. فكرة هذا التحقيق الصحفي جاءتني بسبب العدد الرهيب للقنابل التي تضبطها الشرطة يوما بعد آخر والكميات الضخمة من المواد المتفجرة التي يستخدمها الإرهابيون في سيناء وغيرها من محافظات مصر المختلفة. فكرة التحقيق تقوم علي البحث عن إجابات لأسئلة عديدة تطرحها القنابل المضبوطة والتفجيرات التي لا تتوقف، فما مصدر هذه القنابل والمواد المتفجرة؟ وأين تباع؟ ومن يبيعها؟ وما أسعارها؟ وكيف تباع؟ وعلي مدي شهر كامل رحت أبحث عن إجابات لهذه الأسئلة جميعا ومنذ البداية كنت علي يقين بأن الإجابات الكاملة لهذه الأسئلة ستتاح أمامي إذا ما اخترت الطرق الصعب وتمكنت من شراء قنبلة أو مادة متفجرة، ومن هنا كان هدفي هو شراء قنبلة أو حزام ناسف أو كيلو جرام من مادة T.N.T. اعتقدت أن شراء T.N.T هو الأسهل فتواصلت مع عدد من العاملين بالمحاجر، وفي النهاية وجدت أن الحصول علي متفجرات من المحاجر صار أمرا طبيعيا للغاية إذا لم يكن مستحيلا بعد ثورة يناير، وأكد لي عاملون بالمحاجر إنه بعد ثورة يناير تم تشديد الرقابة علي المواد المتفجرة التي تحصل عليها المحاجر وبالتالي صار تهريبها يقترب من المستحيل. أغلقت باب البحث في المحاجر وبدأت البحث في أماكن أخري وبعد بحث طويل ظهرت ملامح صورة مفزعة تتشكل أمامي.. فحسب المعلومات التي حصلت عليها فإن تجارة المتفجرات تنتشر بشكل كبير في 8 محافظات تشمل: الإسماعيلية والغربية والقليوبية وبني سويف وسوهاج وشمال سيناء وجنوب سيناء ومطروح. خريطة مصر موضح عليها محافظات بيع المتفجرات وأكبر منطقة لتجارة المتفجرات في الإسماعيلية هي منطقة الكيلو 2 وهناك تباع القنبلة الأمريكية الصنع بمبلغ 700 جنيه، أما القنبلة الروسية فتباع ب500 جنيه وفي ذات المكان تباع صواريخ «جراد» بسعر 2000 جنيه للصاروخ الواحد، وتباع أيضا طلقات سلاح RBJ بسعر يتراوح بين 500 و750 جنيها للطلقة الواحدة كما تباع طلقات «الجرينوف» 150 مللي ب60 جنيها أما طلقات الطبنجة 9 مللي فسعر الواحدة 15 جنيها في حين تباع طلقة السلاح الآلي بمبلغ 30 جنيها. ورغم توافر المتفجرات في هذا المكان فإن عمليات البيع والشراء لا تتم إلا عبر وسطاء يتعامل معهم تجار المتفجرات هناك فغير مسموح لأي غريب بدخول المكان. وفي الإسماعيلية مركز آخر لتجارة المتفجرات ويقع تحديدا في منطقتي الشبخ سليم والبعالوة بمركز التل الكبير وهناك تجار متخصصون لكل نوع من الأسلحة فالبعض يتخصص في بيع الذخيرة وهناك آخرون يتخصصون في بيع القنابل وRBJ وهؤلاء التجار أقرب الي تجار الجملة، فلا يبيعون أسلحتهم إلا لمن يطلب كميات كبيرة ولهذا تنخفض أسعارهم بحوالي 10٪ مقارنة بأسعار المتفجرات والأسلحة في الكيلو 2. وفي القليوبية تباع المتفجرات في مناطق كوم السمن والجعافرة وأبوالغيط والمشكلة أيضا في الوصول الي وسيط يضمنك مع تجار هذه المتفجرات والأسعار هناك خيالية لدرجة أن كيلو T.N.T يباع ب15 جنيها وهذه المادة في الغالب يتم تحضيرها في معامل بدائية في بعض المنازل. وفي المحلة الكبري بالغربية يتم بيع قنابل وT.N.T وأحزمة ناسفة ويتردد أن أحد المصريين الذين انضموا للجيش الحر في سوريا وعاد الي مصر قبل شهور وراء رواج هذه التجارة في المحلة. أما في بني سويف وسوهاج فتتولي جماعات جهادية بيع المتفجرات وشرطها الوحيد لإتمام عملية البيع أن يكون للمشتري وسيط يضمن أنه لا يعمل مع الشرطة أو لن يبلغ عنهم في المستقبل بالإضافة الي إخبارهم بنوع العملية التي سيتم فيها استخدام هذه المتفجرات ومكانها وميعادها! وأسعار القنابل هناك أرخص بكثير من أي مكان آخر فكل 4 قنابل تباع ب1000 جنيه إضافة الي 500 جنيه للوسيط. وفي سيناء - شمالا وجنوبا - تروج تجارة المتفجرات، ويتزعمها فلسطينيون يهربون المتفجرات من غزة الي مصر ويبيعونها لمن يطلب والبيع يتم بالدولار وأغلب المتفجرات التي تباع هناك تستخدم في سيناء بسبب صعوبة تهريبها بعدما شددت الأجهزة الأمنية قبضتها علي مداخل ومخارج سيناء. أما في مطروح فبيع المتفجرات وارد ليبيا أسهر بكثير، والأسعار هناك أقل من مثيلاتها في الإسماعيلية بحوالي 25٪ وهناك يباع الحزام الناسف الذي يتم تفجيره بالريموت كنترول بمبلغ 3 آلاف جنيه مصري، أما الحزام الناسف العادي الذي يتم تفجيره من خلال انتحاري فسعره ألف جنيه فقط لاغير. اكتفيت في تحقيقي عند هذا الرصد ولم أستكمله بشراء بعض المتفجرات والسبب الوحيد هو خوفي من انفجارها أثناء النقل.