تسير جماعة الإخوان المسلمين إلى طريق معلومة نهايته من خلال القراءة المتأنية لسيناريوهات متشابهة منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي في 3 يوليو الماضي وتدشين اعتصام «رابعة العدوية» لمقاومة ما يسمونه «انقلابا عسكرياً»، وتبدأ تلك السيناريوهات ذات النهاية العبثية بأحاديث استباقية عن مفاجآت حتمية تضمن - حسب تصريحات قيادات الجماعة - عودة المسار الديمقراطي الشرعي على حد قولهم. مع انتهاء الفاعلية وفقا لكافة «دعوات التظاهر المتعاقبة» تنتهي الأمور إلى لا شيء، في المشهد يدفع شباب الجماعة ورفقاؤهم ثمن غباء سياسي متدفق، ولا تمر إلا أيام قلائل حتى تنطلق دعوات مماثلة «مغلفة» بآمال العودة التي في ظاهرها «النصر المنشود» وفقا لأيديولوجية الجماعة، وباطنها كالعادة خيبة أمل وتعثر للأزمة السياسية الطاحنة. قياسا على ماكان في مليونية «6 أكتوبر» الممهورة بالصراع الدامي مع قوات الشرطة في الميادين المختلفة، عادت قواعد الجماعة التي لا تزال رهن السمع والطاعة محملة ب«خيبة أمل» مضاعفة جراء فشلها في الوصول إلى ميدان التحرير، هذا الهدف الذي تسعى إليه الجماعة رافعة شعار» سنصل مهما كانت التضحيات»، لكنها في النهاية تدفع التضحيات من شبابها دون أن تصل لشيء يذكر، باستثناء مزيد من الضحايا وخسارة نقاط التفاوض التي قد تعيد للمشهد الراهن قدرا من الاستقرار. عناد «الجماعة» يحول بينها وبين إعادة قراءة المشهد الحالي وفقا لمتغيرات «نفور الشارع» من التظاهرات المتعاقبة، وحالة التشبع السياسي التي تسببت في كراهية مفرطة لأحاديث السياسة والصراع القائم بين «الإخوان» و«الدولة»، والتصعيد الذي تعول عليه الجماعة وتحالف دعم الشرعية لم يسفر عن نتائج إيجابية خلال فترة ما بعد «مرسي»، وإزاء العناد فقد «الإخوان» خيار التفاوض السياسي الذي كان بإمكانه كفالة حد أقصى من المكاسب السياسية التي تميل في مجملها إلى الحفاظ على الكيان والشباب من حرب طاحنة تصورها القيادة على أنها «حرب مقدسة»، وحركة الأيام تتساقط معها أوراق رابحة في اللعبة السياسية ليصل المسار في نهايته إلى رضوخ الإخوان لأمر واقع يفرض عليها دون ميزة نسبية في تقديم مقترح. في قواعد الإخوان يدفع تيار شبابي باتجاه «خطوة للوراء» وإعادة تقييم الموقف قبل عاصفة تطيح بما تبقى من أركان الجماعة وكوادرها، وتحول بين شبابها وبين الممارسة السياسية لفترات طويلة في المرحلة المقبلة، والتوجه الداعم للتهدئة يبدو مثل «هامش» على متن «توجه عام» في القيادة الحالية يرفع شعار «المواجهة» أيا كان الثمن، دون تعقل ل«خسائر» الوطن والجماعة معاً. 100 يوم على عزل «مرسي» لم تحقق خلالها الجماعة عبر تظاهرات «شبه يومية» مكسبا سياسيا واحداً، حتى على الصعيد الدولي راجع الحلفاء أوراقهم وخفت صوت الهجوم على النظام الحالي، وتراجعت وتيرة توصيف ما جرى ب«الانقلاب»، وبقيت الجماعة وحدها على هامش اللعبة تصارع بقاء وترفض الاعتراف بأخطاء الخداع الذي مورس ولايزال يمارس على أنصارها منذ قرار الاعتصام ب«رابعة العدوية» حتى الآن. لم تفلح مظاهرات الإخوان في السادس من أكتوبر في تحقيق هدف إيجابي، لهجة التصعيد لم تمنع مؤيدي «30يونيو» من الاحتفال بأعياد أكتوبر في التحرير والاتحادية ومختلف الميادين بالمحافظات، إزاء فشل الدعوة، لم يركن التحالف الوطني لدعم الشرعية إلى قراءة متأنية للمشهد جراء سقوط ضحايا بالعشرات في مليونيات متعاقبة، وجدد دعوته للتظاهر الجمعة المقبل بميدان التحرير تحت شعار «كشف حساب 100 يوم على عزل مرسي». ويدعو بيان صادر عن التحالف إلى استمرار التظاهرات بلا توقف هذا الأسبوع حتى الجمعة المقبل، بما يمثل إصراراً على وضع الشباب في المواجهة وكأنه «منهج» للجماعة وأنصارها في الفترة المقبلة غير مأسوفٍ من جانبهم على جريان الدماء والخسائر السياسية المتواصلة. ويحمل البيان على خطى ما سبقه من «بيانات» لغة المفاجأة المنتظرة التي سيتمكن معها التحالف في اقتحام ميدان التحرير، وتحقيق الهدف في اعتصام يعيد ما يسمونه «الشرعية الدستورية». من زاوية خاصة ينظر تحالف دعم الشرعية إلى أن الوضع السياسي، لا يعنيه الخسائر على المستويين السياسي والاقتصادي، بقدر ما يعنيه الوصول لهدف يقع في دائرة استحالة التحقق إلا على أشلاء هذا الوطن. في سياق إصرار الجماعة على انتحار سياسي يدفعها دفعا في المرحلة المقبلة إلى قبول فتات المكاسب يقول المفكر السياسي جمال أسعد عضو مجلس الشعب السابق أن التصعيد المستمر من جانب الإخوان المسلمين في الشارع المصري يحقق للجماعة خسائر مستمرة على الصعيدين الشعبي والسياسي، لافتا إلى أن الدفع باتجاه الاشتباكات بين شبابها وقوات الجيش والشرطة سيناريو لا يصب إطلاقا في صالح الوطن. واستطرد قائلا: «قد يتم تصعيد هذا العنف إلى عنف أخطر في الفترة المقبلة، مشيرا إلى أن الشعور بالفشل يدفع إلى التصرفات العشوائية العنيفة المسيطرة على الشارع في الوقت الحالي».