لم يستطع الوهن والانهيار الصحي أن يخفي القوة المعنوية الهائلة لدي رجل الصناعة الكبير »عبداللطيف الشريف«.. بدا شامخا في تواضع صادقا بغير ادعاء وراضيا عن الطريق الذي مضي فيه حتي لو كان قد عرض نفسه لما لا يطيق من قهر وسلب وجرائم لحقت به وبحقوق المودعين.. هكذا بدا الشريف في حواره مع د. عمرو خالد من خلال برنامج »بكرة أحلي«. إنها قصة الصراع بين البناء والهدم.. بين الكفاح الحق والسرقة بلا قلب.. بين الخلق الرفيع والتدني القيمي عند من اعتلوا قمة الحكم في مصر علي مدي ثلاثين عاما من الفساد والإفساد. أثناء حديثه المؤثر الدامي قرعت الذاكرة بقوة مقالات كثير للأستاذ أحمد أبوالفتوح رحمه الله مدافعاً عن »الشريف« رجل الصناعة الشهير الذي عرف أكثر من خلال البلاستيك. »الشريف« هو واحد من الرجال الذين غدر بهم مبارك وأبناؤه في استيلاء كامل علي أمواله الحلال وشن حملة اغتيال معنوي له.. كم مرة قالها الأستاذ أبوالفتح صارخا في مقالات ملتهبة يوجه اتهاما صريحا للحكومة والحكم ومرات يوجهها للناس يطلعهم علي الحقيقة أن الشريف رجل أمين لم يسلب حقوق المودعين بل دفعها كاملة للدولة لكن رؤوس الفساد التهموها وجردوا الرجل والمودعين من حقوقهم. ليس مثل أحمد أبوالفتح كثيراً من مدافع عن مظلوم خاصة إذا ما حاق الظلم بمشروع حياته وبناء عمره.. جرب أحمد أبوالفتح الظلم بأقسي صورة عندما أغلقت ثورة يوليو جريدة المصري الكبري في يونيه 1954 لتشبث رئيس تحريرها بالديمقراطية وصودرت كل أموال وممتلكات آل أبوالفتح دون تعويض بل أدخل بعضهم قضايا كيدية تزعم التهرب الضريبي وأجبروا علي الهجرة إلي الخارج.. كان التنكيل بأحمد أبوالفتح فظيعا وصل إلي حد تدبير محاولات لاغتياله في سويسرا حيث أقام وزوجته مغيرا مسيرة حياته تاركا جريدة المصري الكبري التي وصفها الأديب الكبير عبدالرحمن الشرقاوي بقوله: »المصري هي الجريدة التي لم تر العين مثلها«. أكاد أن أجد تشابها كبيرا بين الشخصيتين الشريف وأحمد أبوالفتح رغم اختلاف المجال والكفاح. تحدث الشريف في حواره مع عمرو خالد في تواضع عن قلعته الصناعية التي بدأها بصناعة البلاستيك وامتدت لتشمل الكهربائيات والمزارع وغيرهما.. بدأ العمل في سن الثانية عشرة ليشارك مع أسرته في بناء ذلك الصرح والذي ضم آلافاً من العمال وأسرهم إلي أن انقض عليهم الجراد الحاكم الذي أكل الأخضر واليابس في مصر فالتهم زرعها وهدم مصانعها وأمرض أبناءها. لم يكن »الشريف« فيما قال من رجال توظيف الأموال كما صوروه لكنه كان رجل صناعة وتجارة وكان المودعون لديه يعتبرون ملاكا لأسهم مسجلة بشكل قانوني وفقا لقواعد المال.. مع ذلك كانت الانقضاضة - من بعض محبوسي سجن طرة الآن علي أموال الرجل وأموال المودعين الذين أوهموهم أن الرجل قد خدعهم لكن الحقيقة أودعت في صدر وقلم كاتب حر فآل أحمد أبوالفتح علي نفسه ألا يكتمها بل نشرها ساطعة تشير بأيدي الاتهام علي السارقين الحقيقيين الكبار الذين انقضوا علي رجل له كرامة لا يعتمد إلا علي كفاحه وعمله وأمانته. كان الشريف يتحدث وأنا أنصت لكلماته التي يقولها بصدق وتلقائية وينتفض قلبي بالتذكار وأعرف لماذا توحد معه أبوالفتح.. انه ليس مجرد رجل مظلوم لكنه رجل قاوم وتحدي اعتزازا بنفسه وبعمله. لماذا حاربوك يا أستاذ عبداللطيف؟ هكذا سأله عمرو خالد.. أجاب ببساطة: لأنه بضدها تعرف الأشياء فمن كان فاسدا ولصا لا يريد أن يجد ناجحا ويربح محافظا علي سمعته.. كان لازم يقضوا عليّ لكي يعرفوا هم يشتغلوا بطريقتهم.. يستطرد السؤال لماذا العداوة؟ اضطر الشريف إلى أن يكشف عن صلابة معدنه واعتزازه بنفسه قال: العداوة جاءت لأنهم لم يعرفوا كيف يبتزونني.. أرادوا أن يدخلوا آخرين يمثلونهم لكي يفرضوا علي المشاركة بغير إرادتى ودون مبرر وكنت أرفض. - هل كان لديك أخطاء تندم عليها خلال مسيرتك؟! - غلطتي انني توسعت أكثر من اللازم فوضعوا عينهم عليّ.. في البداية كان مبارك يبدي إعجابه واندهاشه من نجاحي لكن هذا ما أعزهم بالمشاركة الآثمة التي رفضتها بعنف ولكن دون جدوي. يستطرد الشريف: لقد رددت كل أموال المودعين وأرباحهم كاملة سلمتها للدولة كي ترد الحقوق ولكنها لم تفعل ومعي مستندات إبراء ذمة لكن الفلوس سرقت وكان لابد أن يسجنوني حتي تزيد الشبهات من حولي.. لماذا سجنوك؟ نوع من الحرب والتنكيل والغريب أنه بينما كان يكتب علي كل زنزانة تهمة المسجون أما علي باب زنزانتي فكانت: التهمة لا يوجد. يعترف الشريف ولقد بكيت عندما طردوني من شقتي وألقوا بأثاثها خارجا. قال له د. عمرو مشجعا: لقد تعلمت يا أستاذ الشريف أن تسقط وتقوم.. يرد الرجل كعادته في صلابة: أنا لا أسقط أنا أقوم فط لكنه لا يلبث أن يتذكر في صراحة وصدق مع النفس: يبدو أنني اتخميت في نفسي تصورت أنني سأقدر أقاومهم لكنهم أخذوا كل شىء.. أنهي الشريف كلماته: لقد حرموا من أملاكهم مثلي وطردوا من بيوتهم كما فعلوا معي وسجنوا في طرة كما سجنت وهذا هو عدل الله. كانت الذاكرة الملتهبة تأخذني إلي المودعين في جريمة توظيف الأموال التي ارتكبتها دولة مبارك »ضد مواطنيها«. استرجع الحاضر القريب بشأن »الصناديق الخاصة« التي احتوت كذلك علي إيداعات كل المصريين لتدفع في حالة الكوارث أو الزلازل لكن النظام السابق تعمد ابقاءها دون رقابة لتصرف علي الاتباع والمحاسيب بمكافاءاتهم المليونية. الصناديق الخاصة هي جريمة كاملة ضد أموال الشعب كله وقد تم نزح آلاف المليارات منها دون حساب في دولة جري مسئولوها نحو الاقتراض من صندوق النقد الدولي وما يجره من خراب. استمع إلي حوارات قلقة تسأل وزير المالية سمير رضوان عن الوضع الحالي لهذه الصناديق.. مرة يقول الوزير إنها ستضم إلي الموازنة ومرة يقول إنه ليس لديه مانع من بقائها بحيث تنفق في أوجهها الصحيحة!! كيف يتم هذا بينما تظل سياسات الحزب الوطني تنفذ وتستبقي المحليات. لفسادها؟ ومعظم المحافظين السابقين؟!