لم أصدق ما أكده رئيس جهاز التفتيش علي المباني، الدكتور حسن علام، من أن هناك 741 الف حالة تعد علي الأراضي الزراعية وقعت خلال عامي 2011 و2012.. وأنها تسببت في تبوير 70 ألف فدان من أجود الأراضي الزراعية.. بل وصدر لها 580 ألف قرار إزالة لم ينفذ منها إلا 7٪.. بخلاف التعدي علي أراضي الاستصلاح الزراعي مما تسبب في تبوير 14 ألف فدان وغيرها من أراضي قطاع استصلاح الأراضي والجمعيات التابعة وهذه أيضاً تقدر بآلاف الأفدنة.. ولم تزد نسبة الإزالة علي 12٪ وهذه جريمة بكل المقاييس.. بل أكد المسئول الكبير أن الدولة لم تتدخل لوقف التعديات علي الأراضي التي تتآكل بمعدل 35 فداناً كل ساعة.. فهل هناك جريمة أبشع من ذلك؟! ويتعجب الرجل أن القانون لا يسمح بالانشاء أو التوسعة أو التعلية والترميم إلا بعد الحصول علي ترخيص بذلك، ولكن من ينفذ هذا القانون. وإذا كانت المدن الكبري تعاني من كارثة العشوائيات، وعدم وجود أراضٍ صالحة للبناء داخل كردون معظم المدن.. فإن معاناة القري وأيضاً حواف المدن المطلة علي أرض زراعية تعاني من كارثة التعدي علي الأرض الزراعية.. بحجة بناء مساكن للمواليد الجدد.. ولكن ذلك يعني أننا نفقد كل يوم الأراضي الزراعية الأكثر جودة ولن نجد - في المستقبل - أرضاً نزرعها ليأكل منها البشر.. فهل سوف يأكل الأحفاد من غابات الاسمنت والطوب الاحمر والتي تبني كل يوم فوق هذه الأرض الزراعية؟! إننا نري عجباً علي كل الطرق الخارجية.. ونظرة علي الطريق الدائري حول القاهرة الكبري تكشف لنا حجم هذه الكارثة الرهيبة.. وكل ذلك سوف تدفع مصر ثمنه في القريب العاجل.. اذ كانت هذه الأراضي هي التي توفر الخضراوات البسيطة لسكان المدن، وللأسف يعمد ملاك هذه الاراضي إلي منع وصول مياه الري إليها ليصبح عندهم حجة لتبويرها.. بعدم توفر المياه الكافية للري!! وتلك خدعة يعرفها أصغر مهندس ري.. وأحدث مهندس في مجالس المدن.. والمؤلم أن معظم - إن لم يكن كل - المباني التي أقيمت حول حواف المدن.. وحول القري أقيمت بعيداً عن أي تخطيط عمراني بما فيه من مساحات للطرق ومناطق للخدمات، وفي الوقت الذي نري فيه عمارات وابراجاً تزيد علي 10 طوابق، حتي علي حواف المدن والقري.. بينما يكاد سكان شققها يسلمون علي جيرانها بالأيدي.. إذ ليست هناك شوارع بالمرة، بالمعني المعروف.. وبالتالي تعجز وسائل الإطفاء والإسعاف والشرطة عن دخول هذه المناطق، علي الأقل لإنقاذ سكانها!! ونضرب مثلاً لهذه الجريمة ما نراه علي الطريق الموصل من طريق فارسكور شرق النيل بعد صعود كوبري المنصورة العلوي متجهاً إلي الطريق الغربي المتجه إلي شربين ودمياط من امتداد طريق المحلة سمنود.. اذ علي طول الوصلة من الطريق الشرقي إلي الطريق الغربي حيث أقيم العديد من المدارس الاستثمارية والكليات الخاصة.. نجد بطول هذه المنطقة التي تعتبر امتداداً لمدينة المنصورة من ناحية الغرب نجد نموذجاً صارخاً للتعدي علي الاراضي الزراعية.. وياليتها عمارات روعي فيها مساحات للطرق.. وأخري للاسواق.. أو ياليتها روعي فيها أبسط قواعد التخطيط العمراني.. ونجد بين هذه الابراج مناطق زراعية صغيرة تكاد تختنق بعد أن حرموها من مياه الري.. وإذا كان صعباً - بل بات مستحيلاً - ازالة هذه الابراج السكنية والكليات والمعاهد حولها.. فإن الممكن الآن وفوراً هو التصدي لكل عمليات التعدي علي هذه الأراضي الزراعية وكان القانون القديم يمنع توصيل المرافق العامة لمثل هذه المباني، من مياه شرب وكهرباء وصرف صحي، فإننا نجد بين فترة وأخري حكومات تتراجع وتوافق علي توصيل المرافق إليها.. لأهداف انتخابية.. وتلك جريمة اخري.. هل ننقذ ما بقي من أراضٍ زراعية حول المدن والقري.. أم نكتشف يوماً أننا سنأكل الطوب الأحمر وأعمدة الخرسانة المسلحة في هذه العشوائيات؟! أم أن الحكومة مشغولة عن مثل هذه التوافه من الأمور..