فى دستور 2012، الذى تقوم الآن لجنة الدستور بتعديله مادة غائبة، كانت موجودة فى دستور 1964 المؤقت، ودستور 1971 الملغى، هى المادة التى تعطى رئيس الجمهورية حق تعيين عشرة من أعضاء المجلس النيابى، ولم تكن هذه المادة موجودة فى الدساتير المصرية التى سبقت دستور 1964، إذ خلت منها دساتير 1923 و1930، ومشروع دستور 1954 ودستور 1956. وكان السبب فى ذلك أن دساتير مصر الملكية كانت تقوم على غرفتين هما مجلس للنواب وآخر للشيوخ، وكانت سلطة الملك فى تعيين أعضاء مقصورة على تعيين خمس أعضاء مجلس الشيوخ، وهو الغرفة الثانية للبرلمان، وكان وراء منحه هذا الامتياز، حقيقة تقول إن الانتخابات العامة لا تمثل بالضرورة كل الكفاءات والأطياف التى تضمها الأمة، وأن كثيرين من العلماء والخبراء والمثقفين والأدباء والدبلوماسيين والقيادات الدينية وحتى السياسيين، ربما يعزفون عن خوض الانتخابات، لأنهم لا يملكون المواهب الخاصة التى يملكها الذين يخوضون غمار هذه الانتخابات، لانشغالهم بأعمال لا تجعلهم يجدون وقتا يبذلونه لكى يعرفهم الناس، أو أنهم ينشطون فى مجالات لا تيسر لهم الاحتكاك بجماهير الناخبين، ولا يجيدون أساليب ووسائل جلب الأصوات، وكلها من الكفاءات التى لا يستغنى عنها أى مجلس نيابى، حتى لو استغنوا هم عنه، وعزفوا عن المنافسة على أحد مقاعده. وهكذا أعطى دستور 1923، ومن بعده دستور 1930 للملك حق تعيين 40% من أعضاء مجلس الشيوخ، من فئات حددها على وجه الحصر، لاستكمال تمثيل الأمة بالكفاءات والشرائح التى لاغنى عن تمثيلها. وعندما أخذت مصر فى دستور 1956 بصيغة المجلس النيابى الواحد، اختفت هذه القاعدة، ولم يطالب بها أحد، وحين جرت انتخابات عام 1964 وظهرت نتيجتها، اكتشف الجميع أنه ليس من بين أعضاء المجلس عضو مسيحى واحد، وكان وراء ذلك، أن اختفاء التعددية الحزبية بعد إلغاء الأحزاب، والأخذ بالتنظيم السياسى الواحد، وهو الاتحاد الاشتراكى قد هيأ المناخ ضمن عوامل أخرى، كى تجرى الانتخابات على أساس طائفى أسفر عن هذه النتيجة المؤسفة، وهو ما دفع الرئيس «جمال عبد الناصر» إلى إضافة مادة إلى الدستور المؤقت، الذى صدر بعد إتمام الانتخابات، تعطى رئيس الجمهورية الحق فى تعيين عشرة أعضاء فى المجلس، واكتشف الناس فيما بعد أن معظمهم من المسيحيين، وأن المادة أضيفت فى اللحظة الأخيرة، كى تصحح تمثيل الأمة الذى أخطأته الانتخابات. وانتقلت هذه القاعدة فيما بعد، إلى دستور 1971، وجرت العادة أن يكون معظم هؤلاء الأعضاء العشرة من بين المسيحيين، ومع عدد قليل من النساء، لضمان درجة من التوازن فى تركيبة البرلمان، بحيث يمثل كل الأطياف التى تتكون منها الأمة. وصحيح أن التعددية الحزبية عادت فى عام 1976، وأن بعض الأحزاب التى تشكلت آنذاك أو بعد ذاك، كانت تضم فى عضويتها وجوها من الشخصيات القبطية، وأن بعضها كان يخوض الانتخابات بالفعل، إلا أن هيمنة الحزب الواحد التى انتقلت إلى الاتحاد القومى ثم الاتحاد الاشتراكى، ومن حزب مصر إلى الحزب الوطنى كانت تحول دون فوز العدد الكافى من الأقباط، إما لأن الأحزاب كانت تخشى من الرهان على مرشحين من غير المسلمين، لإدراكها أن التصويت الطائفى سيقلل، وربما يعدم، فرصتهم فى الفوز، أو لعزوف الأقباط أنفسهم عن المشاركة فى العمليات الانتخابية ترشيحا وتصويتا. وهكذا ظل الاعتماد على نسبة الأعضاء الذين يعينهم رئيس الجمهورية، أساسا لإحداث التوازن فى تركيبة المجلس النيابى. وكان ذلك أحد الأسباب التى استند إليها الذين يدعون لإجراء الانتخابات بالقائمة النسبية المفتوحة، باعتبارها الوسيلة التى يمكن من خلالها تمثيل بعض الفئات، ومن بينهم الأقباط والنساء، بوضعهم فى مراكز متقدمة من القوائم. ولا أعرف السبب الذى دفع الهيئة التأسيسية، التى وضعت دستور 2012 لإلغاء هذا النص، وقد يكون السبب فى ذلك هو العودة للمراهنة على إجراء الانتخابات على ثلثى المقاعد بالقائمة، وهو ما حقق بعضا من التمثيل للأقباط فى مجلس الشعب الذى انتخب آنذاك، ولكنه ليس بالعدد الذى يتناسب مع ثقلهم فى المجتمع، لأسباب عديدة. ويبدو أن لجنة الخبراء، التى راجعت دستور 2012، وحذفت منه وأضافت إليه، لم تنتبه إلى هذا النقص، وحتى الآن، لا يبدو أن إحدى اللجان الفرعية المنبثقة عن لجنة الخمسين، قد انتبه إليه، وأخشى أن يسهو الجميع عنه، تحت دعوى أنه لا يجوز للسلطات التنفيذية أن تعين أعضاء بالمجلس المنتخب الذى يمثل الشعب. وصحيح أن هناك أصواتا تطالب بتمييز إيجابى للمرأة بتحديد عدد لمقاعدها، كما هو الحال فى بلاد عربية أخرى مثل العراق والسودان وموريتانيا، إلا أن أحدا لم يطالب حتى الآن بتحديد عدد من المقاعد للأقباط، وهى فكرة رفضوها هم أنفسهم، عندما عرضت عليهم أثناء إعداد دستور 1923، وذلك كله لا ينفى أهمية العودة لهذا النص، بحيث يكون لرئيس الجمهورية الحق، بالتشاور مع مجلس الوزراء، فى تعيين عشرين عضوا من أعضاء مجلس الشعب، من المستقلين عن الأحزاب، لمد المجلس بالكفاءات والاتجاهات والأطياف التى قد تخطئها الانتخابات، أو قد تعزف هى نفسها عن خوضها، لكى يتوازن البرلمان ويعبر عن الأمة بمختلف أبنائها. ولا بأس آنئذ من أن يكون هذا النص من بين الأحكام الانتقالية، لدورتين أو ئلاث، حتى يعود التنافس فى الانتخابات، والتصويت للمرشحين، إلى طبيعته الديمقراطية الأصيلة، باعتباره تصويتا سياسيا على رؤى وبرامج، وليس تصويتا طائفيا على أديان، ومذاهب دينية. هذه تذكرة سريعة للجنة الخمسين، حتى لا تضيع وسط الزحام والذرائع الهشة والأوهام!